الروابدة يدعو إلى دراسة أسباب انهيار الإدارة العامة ولا ينصح بالتمديد لمجلس النواب الحالي (حوار وفيديو)

 ** صفقة القرن توجّهت إلى الموضوعات التي أجّلت في أوسلو

** الهدف من الضمّ تقليل حجم الأراضي الفلسطينية الصالحة لإقامة دولة

** أرض فلسطين وقف عربي وإسلامي فهي مسؤولية الأمتين

** الدور الأردني وموقف جلالة الملك لا يضاهيه دور آخر

** أي  ضرر يصيب أرض فلسطين يطالنا، وأيّ خير يأتيها لنا

** التصدي لـ”الضم” لا بدّ أن يكون عربياً إسلامياً رأس الحربة فيه الأردنيون والفلسطينيون

** نوصي الأشقاء الفلسطينيين أن يتناسوا خلافاتهم ويتحدّوا بعمليّة التحرير

** دعونا نفرق بين الحكومة والوطن فالحكومات قد تخطئ لكن وطني على حق

** لا أوصي ولا أنصح بالتمديد لمجلس النواب، و4 أجيال لم تشارك بانتخابه

** الأصل في الأحزاب أن تقبل الآخر وعدد أعضائها لا يساوي نصف واحد بالمئة من الأردنيين

** بعض القوى إرتأت التغيير في قانون الانتخاب لأسباب مرحلية أو مؤقتة

** قانون الانتخاب لا يجوز أن يكون لحل قضايا مؤقتة وبعض القوى لا وجود لها على الأرض وإنّما لها صوت عالٍ

** أسلوب الانتخاب الحالي يشجع المال السياسي وبات  يقبل عليها من يحوز المال  

** “كورونا” تجلى جلالها ظواهر بينها “ثقة الناس بمن يعمل بشكل صحيح”

** الدور التنظيمي الصحيح خلال “كورونا” كان للمؤسسة العسكرية 

** علينا أنّ ندرس أسباب “انهيار” الإدارة العامة

** بعض القادة الإداريين جاؤوا إلى مؤسّسات لم ينموا من داخلها ولا يعرفون همومها

** خطر الإنفاق أصبح مرعباً وموازنة المؤسسات المستقلة أكثر من ثلث موازنة الدولة

** من الإيجابي أنّ تكون الدولة جزءاً من عملية التشغيل فـ “البطالة لغم جماهيري”

** لا يجوز إنهاء خدمات أيّ موظف بذريعة الهيكلة والرعب الإداري أوصلنا إلى عدم المقدرة على اتخاذ القرار

** كتبت مذكراتي، وستنشر بعد أن أتوقف عن العمل السياسي

حوار: أنس المجالي 

أعده للنشر: سامر العبادي

هلا أخبار- يصف رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة المشهد الأردني من جوانب عدة، مؤكداً على ضرورة تعزيز عناصر قوة الدولة الأردنية فهي “أساسية وأصيلة”، عنوانها الأسرة الواحدة والوحدة الوطنية.

ويشرح الروابدة في حوار مع “هلا أخبار” سيناريوهات الانتخابات النيابية المقبلة، موصياً وناصحاً بعدم التمديد للمجلس النيابي الـ 18، إذ يوجود 4 أجيال لم تشارك بانتخابه.

ويحذّر من أنّ يكون قانون الانتخاب هو “حل لقضايا مؤقتة”، داعياً إلى أنّ يكون النظام الانتخابي متفق عليه من القوى كافة، كما أنه “يجب أن يعتاد الناس على نظام انتخابي لعدة دورات متوالية”.

وينتقد الروابدة العمل الحزبي وابتعاده عن البرامجية، منوهاً إلى وجود مثالب في تجارب الأحزاب الدينية واليسارية، فـ “أعضاء الأحزاب كافة بالأردن لا يساوي نصف واحد بالمئة”.  

ويصف الروابدة ظواهر إيجابية تشكلت خلال أزمة كورونا، بينها: التفاهم والتناغم “فالناس يثقون بمن يعمل بشكل صحيح”، مشيداً بالدور التنظيمي للمؤسسة العسكرية. 

ولكنه، يدعو إلى دراسة أسباب ما يصفه بـ “انهيار” الإدارة العامة، داعياً إلى الفصل بين “الأكاديمي” و”الإداري الذي نما داخل المؤسسة”، محذراً مما وصفه “الرعب الإداري”.

وينتقد الروابدة “المؤسسات المستقلة” التي باتت موازناتها “أكثر من ثلث موازنة الدولة”، معتبراً أنّ “وجود موظفين أكثر من الحاجة ” في القطاع العام هو جزء من حل مشكلة البطالة.

إضافة،  إلى أنه “لا يجوز إنهاء خدمات أيّ موظف بذريعة الهيكلة”، منتقداً وجود لجنة للوظائف القيادية ذلك أنها تسبب الإحباط للموظفين الذين تدرجوا في مؤسساتهم.

ويرى رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة أنّ خطة الضم الإسرائيلية لأراضٍ بالضفة الغربية هي جزء من صفقة القرن.

كما يصف الروابدة ما يعطى للفلسطينين من خلال “الصفقة” بأنه “مبهم” وهدفه إلغاء حق تقرير المصير وحق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

ويدعو الروابدة (في حديثه) الأمة العربية والإسلامية أنّ تتولى مسؤولياتها حيال أرض فلسطين ذلك أنها “وقف عربي وإسلامي”، موصياً الأشقاء الفلسطينيين أنّ يتناسوا خلافاتهم ويتحدوا بعملية التحرير وأنّ يقرأوا التجربة الجزائرية، متسائلاً عن أدوار غائبة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

ويختم الروابدة حديثه بالإشارة إلى أنّ نشر مذكراته مرتبط بتقاعده عن العمل السياسي.

وتالياً نص الحوار:

هلا أخبار: ما هي توقعاتك لخطة “الضمّ” وقراءتك، ومدى خطورتها؟

الروابدة: أخشى أنّنا كعرب اعتدنا أن تُطرح علينا المواضيع وأخذها بكلّ هدوء، ومع تباطىء عملية التنفيذ تبدأ عملية “تبليعنا” القضيّة على أجزاء.

والأمة العربية قامت ثورتها على صفقة القرن ثم هدأت الأمور وصمتت، والضمّ هو أحد أركان صفقة القرن، إذاً حينما يطرح موضوع (من قبل الغرب) لا يتوقف ولكنّه يُجزأ وينفّذ بالتدريج وبكل هدوء وتقبّل.

فعمليّة الضمّ هي جزء من صفقة القرن، فـ “الصفقة” توجّهت إلى الموضوعات التي أجّلت في أوسلو، وهي: القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات،المياه، الأمن، والبيئة.

وصفقة القرن توجهت إليها جميعاً، بدأت بالقدس من إعلانها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ثمّ الحديث عن ضمّ أراضي المستوطنات، والقصد إلغاء حق العودة للاجئين، وهو حق مرتبط في الذهنية بـ “الأونروا”.

ويوجد بالعالم اليوم، جهتان مسؤولتان عن اللاجئين: الأولى مسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين وحدهم، والأخرى عن اللاجئين كافّة، والأخيرة وظيفتها توطين اللاجئين حيث وجدوا.

أما اللاجئون الفلسطينيون فـ “الأونروا” تسعى إلى تشغيلهم ومساعدتهم أثناء ابتعادهم عن أرض فلسطين، إذاً يوجد ربط بين أهدافها والعودة، والهدف اليوم هو إلغاء “الأونروا” ونقل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى اللجنة العامة، وبالتالي يلغى حق العودة وحقّ تقرير المصير.

و”الضم”، وهو بند يجري الحديث عنه اليوم بضم أراضي المستوطنات، وضمّ غور الأردن، وقد جرى استباقه بضم الجولان، والهدف منه هو: تقليل حجم الأراضي الفلسطينية الصالحة لإقامة الدولة، وإلغاء حقّ تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وبهذا، يجري تحويل هذه الأرض إلى “كانتون” مغلق ومجزأ، بالإضافة إلى إلغاء حدوده مع أيّ جوارٍ عربي.

وبالتالي، تحويل ما تبقى من الأرض إلى صيغة، قالوا عنها أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، وهو شيء “مبهم”، والهدف من كلّ ذلك واحد، إلغاء حق تقرير المصير، وإلغاء حق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

هلا أخبار: وماذا يترتّب على هذا المخطّط؟

الروابدة: يترتّب عليه أخطار كبيرة، والخطر على الأرض الفلسطينية معروف، أن تُقضم، وتصبح المتبقيّة منها غير صالحة لإقامة دولة، وليس بينها إتصال وتتحول إلى حكم ذاتي أو بلدية أو أي صيغة أخرى.

وفي قناعتي الخطر الأكبر هو على الأردن، إذ لديه ثوابت، الأول منها: أنّ أرض فلسطين وقف عربي وإسلامي فهي مسؤولية الأمة العربية والإسلامية، لكن، خطّ المعركة الأول بيد الفلسطينيين، وهنا يصاب السياسي الأردني بالحيرة، لأنه عندما يقال فلسطيني، فهو مُعرّف لدى العرب الآخرين، ولكن الأردني يُسأل ماذا يعني عندما يقول فلسطيني.

فالأردني عندما يذكر كلمة فلسطيني، فمعناها هنا هم الفلسطينيون الذين يقيمون على أرض فلسطين، ولا نتكلم عن الأردنيين من أصلٍ فلسطيني، لأنهم أردنيون، وعلينا الإتفاق على هذه الجزئية.

إذاً، الثابت الأول أرض عربيّة إسلاميّة مسؤوليّة الأمّة العربيّة والإسلاميّة.

والثابت الثاني أنّ العلاقة الأردنيّة الفلسطينيّة لا تشبهها علاقة دولة عربية أخرى بفلسطين، وليست علاقة جوار وحسب، بل هي علاقة تاريخ سواءٌ أيام استقلالها ضمن الدولة الإسلامية أو أيام احتلالها، بالإضافة إلى التمازج السكّاني والمصالح والمصير الواحد، كلّ هذا يجعل العلاقة الأردنيّة الفلسطينيّة علاقةً من نوعٍ خاصٍ.

ولذا، فالدور الأردني في القضية الفلسطينية، جاء مع بداية معرفة العرب بأهداف الصهيونية لإقامة الدولة اليهوديّة في فلسطين، حيث كان أول دور مبادرٍ، شارك خلاله الشعب الأردني ليس مشاركة الجار وحسب، بل مشاركة الشريك والشقيق، سواء بإضرابات المدن أو التزويد بالأسلحة أو المناضلين، ثم جاءت حرب فلسطين، وكان الدور الأبرز فيها للدولة الأردنيّة.

الجيش الأردني احتفظ بالضفة الغربية والقدس، وغيره تنازل عمّا تحت يده، ولم يقتصر دوره على التحرير، لكن لم تلقى التهم إلّا على الأردن،وعلينا أنّ نكون واضحين، حيث قيل إنّ الأردن وقف عند حدّ التقسيم (حينها)، وهو ما يعطي للعرب 48 بالمئة (من مساحة فلسطين).

ونتساءل عن هذه الإتهامات بالقول لهؤلاء: لماذا لم تقفوا أنتم عند حد التقسيم، فما تبقى اليوم بيد العرب 18 بالمئة من مساحة فلسطين، وكان بيدهم 48 بالمئة، وعلينا أن نسأل من أضاع الـ 30 بالمئة المتبقية من مساحة فلسطين.

والدور الأردني اليوم، لا يجوز أنّ نتنازل عنه، فنحن شركاء، فإيّ ضرر يصيب أرض فلسطين يطالنا، وأيّ خير يأتي لفلسطين لنا، لذا يجب أنّ يكون دورنا بارزاً ومستمراً لأنّ الضرر يشملنا.

هلا أخبار: كما ذكرت، يكاد الأردن الصوت الوحيد الذي يؤكد على مركزية القضية الفلسطينية؟

الروابدة: وظيفتنا اليوم، التصدّي للأضرار التي سيتعرّض لها الأردن،  وجلالة الملك والدور الأردني لا “يبزه” دور آخر في أمتنا العربية، بل على العكس، القضية الفلسطينية سقطت من أولويات بعض الدول العربية.

أمّا الدور الأردني بالمحافل والاجتماعات الثنائية هو دور يتعلق بفلسطين وقضيتها، لأن الأردن شريك وتوأم فلسطين.

هلا أخبار: أليس من الخطير أنّ فلسطين لمّ تعد قضية مركزية وذات أولوية لدى العرب؟

الروابدة: صحيح، وهذا خطير والشعوب العربية أسهمت بذلك لأنها حمّلت مسؤولية أرض فلسطين للشعب الفلسطيني، وهو بات صاحب الصدمة الأولى، بالرغم من أن المستهدف هو كلّ أرض عربية وإسلامية، وبالتالي يجب أنّ يبقى العرب جميعاً يتحملون المسؤولية.

والتصدي لـ”الضم”، لا بدّ أن يكون عربياً إسلامياً رأس الحربة فيه الأردنيون والفلسطينيون.

هلا أخبار: ولكن، ما الأوراق المتاحة، وما المطلوب من الفلسطينيين تحديداً؟

الروابدة: نحن لا نعطي الإرشادات لأشقائنا بفلسطين، وعلينا أنّ نكون أذكياء، ولا أريد أنّ يفهم حديثي أنه باسم الدولة، فحديثي يأتي متوافقاً مع الفهم السياسي لما يجري.

وأشقاؤنا الفلسطينون لا نوصيهم إلّا بأمر واحد، هو أنّ يتناسوا خلافاتهم ويتحدّوا بعمليّة التحرير، وبعدها يستطيعوا عمل ما يريدون، ولننظر إلى قضية الجزائر (مثلاً) تحالفت كل القوى وبعدها بعامٍ دخلوا في صراعاتهم، لأنّ الحكم حق للشعب.

وقبل أسبوع كانت هنالك مبادرات لوحدة فلسطينية، ولكننا لمّ نر على الأرض أثراً واضحاً حتى الآن.

هلا أخبار: هل من أوراق لمواجهة صفقة القرن أو خطّة الضم؟

الروابدة: هنا يجب أن نتساءل عن دور الجامعة العربية، فهذا الجسم الذي كنا نتأمل به يوماً ما أنّ يكون ناطقاً باسم الأمة نفتقد دوره اليوم، وبات مقتصراً على بيان استنكار.

كما يجب أن نتساءل أين دور منظمة التعاون الإسلامي؟. وبالنسبة لمسؤوليتنا التاريخية، كلّ دولة لها عناصر قوة تضمن لها الديمومة، ويحاول بعض الساسة تسمية عناصر القوة بعناصر شرعية النظام، ولدى كلّ دولة عظمت أم صغرت تحديات، ووظيفتها مواجهتها.

وعلينا أن نعزّز عناصر قوة الدولة الأردنية وأن نهتم بها، هذه العناصر موجودة وقوية وأساسية وأصيلة، عنوانها الرئيسي – باعتقادي- هو مفهوم الأسرة الواحدة، أيّ الوحدة الوطنية.

وهذه الوحدة ليست بين طرفين، بل هي لقاء كل الشعب على الاهتمام بالوطن، فالوطن أولاً، وأنّ تبقى قواعدنا تنطلق من أنّ وطني دائماً على حق، وبالتالي وظيفتي الوقوف معه ليعاملني (الوطن) على مبدأ المواطنة.

فالمواطنة مشتقة من كلمة وطن، والأصل بها أن تنتمي إلى الوطن، لا تنتمي إلى جواز السفر وحسب، بل تعتز بهذا الانتماء وتعلنه؛ وهذا الجزء الأول.

أما الجزء الثاني فهو الاهتمام بالمساواة بين المواطنين، بأن لا يتقدم أحد على أحد مع العناية بالأقل حظاً.

والجزء الثالث هو المشاركة، فليس من حقك أن تكون من الأغلبية الصامتة، فالمواطن يجب أن يكون له دور، لأنه شريك بالسيادة، فالسيادة للشعب والأمة، والتعبير بالمشاركة يتأتى من خلال المشاركة بالانتخابات سواء العامة أو الجميعات والأندية والبلدية وغيرها.

وهذه المشاركة حتى لا يترك لأي جهة أنّ تسيطر على القرار النهائي، وعلينا في هذه المرحلة أنّ نقفز عن كل خلافاتنا واختلافاتنا، لأن الخطر الداهم لن يعطينا مجالاً لترجمة خلافاتنا واستقوائنا على بعض، بالاضافة الى الحفاظ على النظام العام، وعدم الاستقواء على الدولة.

وذلك لا يعني عدم نقد الحكومات، فكّل حكومة إجراءاتها وقراراتها قابلة للنقد، وهذا حق من حقوق المواطنين، ولكن نقول لهم: دعونا نفرق بين الحكومة والوطن، فالحكومة هي حكومة الوطن دون نقاش، لكن وطني على حق وحكومتي قد تخطئ.

ونقد الحكومة يأتي لأجل التصحيح، وعندما أنقدها أطرح لها بديلاً، (…)، وكثيرون يسعون للتشخيص دون السعي أن يكونوا فاعلين. 

كما أن الديمقراطية، من عناصر قوة الدولة الأردنية، وهي تقوم على أكتاف حزبية، و إجراء انتخابات نيابية.

هلا أخبار: وهنا، ما هي توقعاتك للانتخابات النيابية المقبلة؟

الروابدة: الخيارات أمام السلطة في الأردن ضمن الوضع الحالي، هي أولاً القرار أننا بحاجة إلى عملية استمرار الديمقراطية ووجود مجلس نواب، وعدم تأجيل الانتخابات.

فأحياناً، يُمارس التأجيل بالديمقراطيات لتحسين الديمقراطية، وليس للإساءة إليها.

والخيار المُتاح وفق أحكام الدستور أنّ تجرى الانتخابات خلال الأشهر الأربع الأخيرة من عمر المجلس، فإذا كان المجلس ينتهي عمره بشهر أيلول فعلينا البدء من شهر أيار، والهيئة المستقلة للانتخاب بحاجة إلى 105 أيام لإجراء الانتخابات، وهذا خيار انتهى.

كما لدينا عُرف منذ أنّ عادت الديمقراطية يتمثّل بعدم اكمال مجلس لمدته، ويوجد مفهوم لدى من لم يحالفهم الحظ بالانتخابات، أو ممن ينوون الترشح بأنّه لا يجوز قيام النواب بحملات انتخابية خلال فترة نيابتهم.

وضمن ذلك فالخيار البديل، هو عدم إجراء الانتخابات، ويستمر المجلس الحالي حتى الـ 27 من أيلول، دون الحاجة إلى إصدار قرار باستمراره وفق أحكام الدستور، أيّ تمديد صامت، ويبقى هذا المجلس حتى إجراء انتخابات جديدة.

ومن الخيارات الأخرى: حلّ المجلس قبل انتهاء مدّته بأيام، وهذا يمنحنا وفق الدستور مدّة 4 شهور لإجراء انتخابات، أي أن الفترة تمتد حتى الأول من كانون الثاني، وأتوقع أن يكون ضمن هذا الخيار، وباء فيروس كورونا قد صابه الضعف، والأجواء أفضل، وتجرى انتخابات خلال هذه المدة.

أما الخيار الرابع فهو التمديد، والذي لا أوصي ولا أنصح به.

هلا أخبار: ولماذا لا توصي بالتمديد للمجلس الحالي؟

الروابدة: لأسباب بينها، وجود 4 أجيال من الشعب الأردني لم تشارك بانتخاب المجلس الحالي، ولو مُثل كلّ جيل بـ 100 ألف فذلك يعنى أن حوالي 400 ألف مواطن لم يشاركوا بالانتخابات، وعمليّة التمثيل الحقيقي الواقعي سوف تضعف.

ودائماً، دول العالم تجري الانتخابات كلّ 4 أو 5 سنوات لأجل أنّ يستمر تمثيل الأجيال.

كما أنه في الأزمات، من عناصر قوّة الدولة في مواجهة الآخرين الرجوع إلى الشعب لسماع رأيه، لندرك ماذا يريد وكيف يفكّر، والقرار للسلطة التنفيذية.

هلا أخبار: ما رأيكم بالتجربة الحزبيّة خاصة وأنّ قانون الانتخاب وصف بأنه “صديق للأحزاب”، وما هي قراءتك؟

الروابدة: أصبحت الوظيفة الإعلاميّة لدى البعض أنّ تسأل السياسي عن رأيه، وإنّ لم يتحدث ينتقد لصمته، وإن تكلّم لا يعطى حقّ الرأي وحقّ الخطأ أيضاً، وهذا من طبيعة الإنسان، لكن ما هو مرفوض الخطايا وليس الخطأ.

فأيّ سياسي يتحدّث برأي يوضع أمام فرقة إعدام، لذا من نجح في بلادنا هو من سكت، لأنه لا التزام عليه.

وبالنسبة لسؤالك، لا أعتقد أنه يوجد بالأردن أحزاب، فالفلسفة الحزبية جاءت إلى العالم العربي عن طريق الخطأ، لأن الحزبية بالأصل نشأت من حضن الديمقراطية.

وكلمة حزب باللغة العربية، لا تعني ما نعرفه الآن، بل تعني مجموعة أو قوم أو رهط وقد يكونوا كفاراً أو مؤمنين، والحزب السياسي الذي عرّفته الدول الديمقراطية بأنه مجموعة من الناس ذات فكر اقتصادي وسياسي واجتماعي تعمل للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه أو التأثير عليه بأسلوب ديمقراطي عبر صندوق الانتخاب.

أما الأحزاب التي جاءت إلى بلادنا فهي نوعان: أحزاب دينيّة، والدين على مدى التاريخ لمّ يكن يوماً (مقتصراً) على حزب، لأن الأصل في الأحزاب أن تقبل الآخر، فـ”رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب”.

ونحن نتحدث عن المصالح المرسلة، وهي قضايا الناس اليومية، وهذه لا يثبتها إلّا التصويت، لذا فالديمقراطية هي حكم الأغلبية مع احترام الأقلية، أمّا النوع الآخر من الأحزاب التي عرفناها، الماركسيّة واليساريّة، وهي أحزاب عقائديّة لا تقبل الآخر، وحيث ما حكموا فالديمقراطية لديهم خطوة واحدة، وهي الوصول إلى السلطة.

أما الأحزاب التي عرفها العالم، هي الإصلاحيّة والبرامجيّة، والأردّن منذ أعاد الديمقراطيّة بدأ يفكّر بها، ولكنّها ما زالت تحبو وهي في مرحلة “الخداج” أو المرحلة الجنينية، وعدد أعضاء هذه الأحزاب كافة لا يساوي نصف واحد بالمئة من الشعب الأردني، والأصل أن تمثّل عبر قاعدة شعبيّة واسعة وحقيقيّة، وهي ليست موجودة، وإذا فكرت بايصالها إلى الحكم، فيجب أن تُمثّل من خلال رافعة، أيّ عبر “الكوتات”.

ولا يمكن أنّ تقوم الديمقراطيّة إلا بالوجود الحزبي، لأنّه في غياب الحزبيّة سيلجأ الإنسان إلى عناصر التجمع التقليديّة، كعناصر الدّم والقبيلة والأسرة والعائلة والجهويّة والمصالح الضّيّقة أو الماليّة.

وكان لدينا قانون انتخاب منذ عام 1929 ولغاية 1989، وبقي لمدة 60 عاماً، لكن بعض القوى إرتأت التغيير لأسباب مرحلية أو مؤقتة، فقانون الانتخاب لا يجوز أن يكون لحلّ قضايا مؤقتة، وأخطر قرار في أيّ دولة هو النّظام الانتخابي، أي أسلوب الانتخاب. ذهبنا إلى الصوت الواحد لأجل إضعاف قوىً، ثم بدأنا بالحديث عن الدوائر الوهميّة وثم النسبيّة.

وهناك قوى ليس لها على الأرض قوّة، وإنّما لها صوت عالٍ، ووجود على مسرح العمل السياسي والمالي تحاول الوصول إلى مجلس النواب، وفي كلّ مرة تضع قانون ولا تنجح بالوصول  إلى مجلس النواب، ثم يعاد تغييره بذريعة طلب قانون عصري.

وكلمة عصري تعني الجديد، وليس شرطاً أن الجديد أفضل من القديم، وليس شرطاً أنّ القديم أسوأ، لكن نحن نريد قانوناً توافقياً، أيّ أن القوى الفاعلة بالوطن هي التي تتفق عليه، كما أنّه لا يوجد نظام انتخابي بالعالم يمكن أنّ يقال عنه نظام مثالي، لذا كل دولة بالعالم لها نظامها الخاص.

فالنظام الانتخابي ينطلق من القضايا والواقع والهموم والتصور للمستقبل المراد، وهذا ما نريده. كما يجب أنّ نضمن لهذا النظام الاستمرارية على مدى 3 دورات انتخابية على الأقل، لكن، نحن في الأردن ما أن نتعود على طريقة انتخابية وتستقر حتى نتعرض للتغيير، ما يؤدي إلى عدم معرفة شكل الصيغة المقبلة، ولا أعتقد أنّ المشكلة في قانون الانتخاب، فالنسبية لا يمكن أنّ تكون صحيحة دون الحزبية.

وفي القانون الجمعي (الأغلبي)، يُمكن الناخب أكثر من صوت، وهنا القوي يحمل الضعيف، أمّا في قانون النسبيّة، بات من يحوز المال يشتري أعضاء في مجلس النواب، لا أصواتاً وحسب.

كنا في مرحلة نشكو من صاحب التنظيم القوي على الأرض، برغم أنه ومن المفروض أنّ لا نشكو منه، بل نحاول بناء تنظيم قويٍ شبيه، والآن دخلنا في المال السياسي.

أسلوب الانتخاب الحالي يشجع المال السياسي، كما أنّ الانتخابات باتت اليوم مكلفة ولم تعد مثل السابق، وهذا يعني أنّ من سيقبل عليها هو صاحب المال.

لا أعتقد أن المشكلة في قانون الانتخاب (..) فيجب أن يعتاد الناس على نظام انتخابي لعدة دورات متوالية، وهذا لا يمنع التجديد والتطوير من وقت لآخر، ولكن، أحذر من إجراء تغيير سريع بنظام الانتخاب، لأنّ هذا من شأنه أن يتيح لطرف أن يستقوي، وقد يكون هذا الطرف حكومياً أو صاحب مال أو قبلية أو إقليمية أو غيرها، فالنقلة يجب دائماً أن تكون هادئة متدرجة يستطيع الشعب أن يستوعبها.

هلا أخبار: أين المشكلة إذا لم تكن بالقانون؟ خاصة وأننا جربنا كثيراً من القوانين الانتخابية؟

الروابدة: دائماً نسمع بمفهوم الإرادة السياسية، وهذا مفهوم يعني أن تكون القوى الفاعلة بالوطن لها إرادة بالتوافق.

وأعتقد أنّ الإرادة السياسية بالوطن، هي إرادة كل القوى الفاعلة (يمين يسار أو ديني) إننا نريد أردناً أفضلا وأقوى، والإتفاق على بناء الوطن يأتي بالتوافق بين الجميع.

هلا أخبار: كان هناك العديد من الدروس والعبر خلال أزمة كورونا، ولاقت الإدارة استحساناً من الناس، وهذا يقودنا إلى السؤال عن الإدارة العامة التي هي محل شكوى عادة..؟

الروابدة: بالنسبة للكورونا، أعتقد أنّ هناك ظاهرة تجلّت في بلدنا لأول مرة، وهي التواصل والتفاهم والتناغم بين السلطة والناس، وهذه ظاهرة علينا استخدامها، فالناس يثقون بمن يعمل بشكل صحيح.

وهناك ظاهرة ثانية، أنّنا استطعنا أن نصنع تنظيماً إدارياً تعامل مع خطر داهم، ويوجد لدي ملاحظة وهي أنّ الدور التنظيمي الصحيح كان لمؤسسة الجيش (العسكر) لأنّ المؤسسة العسكرية في بلادنا هي من لديها دراسات استراتيجية وتكتيكية، ولا تقوم على نظام الفزعة.

والإدارة العامة لدينا كان لديها يوماً ما استراتيجيات وتكتيكات، وكنا أفضل إدارة بالمنطقة العربية، ودربنا بعض الدول العربية على إدارتنا، ثم إنهارت لدينا، وعلينا هنا أنّ ندرس لماذا إنهارت إدارتنا؟ ذلك أنّه توسّدها من ليس أهلاً لها، وإذ بات يتحدث بالإدارة أكاديمي تخرّج في جامعات بالخارج، بالرغم من أن الأكاديميا ضرورة وواجبة، لأنها تعلّمنا الأسس الحقيقية، ولكن ترجمتها إلى واقع يحتاج إلى التعامل مع الناس.

بعض القادة الإداريين جاؤوا إلى مؤسّسات لم ينموا من داخلها، ولم يعرفوا همومها، وأجزلت لها (المؤسسات المستقلة) الرواتب وأصبح خطر الإنفاق مرعباً، فموازنة المؤسسات المستقلة أكثر من ثلث موازنة الدولة، أمّا منصب رئيس الوزراء فيتبع له 30 وزيراً بالاضافة الى 62 دائرة مستقلة.

وبعض الناس يتحدث عن نظريات بينها وجود موظفين أكثر من الحاجة، ولكن هذا جزء من حل مشكلة البطالة، فالبطالة لغم جماهيري ينفجر بوجه أيّ دولة علاوة على الفقر، بل أحياناً من الإيجابي أنّ تكون الدولة جزءاً من عملية التشغيل، والإيجابي أيضاً، الاستفادة من هذه الطاقات الإضافية، وأن لا تصبح معيقاً للعمل العام. كما أنه لا يجوز إنهاء خدمات أيّ موظف بذريعة الهيكلة وهذا الأمر يكون بالأسلوب الدستوري والقانوني.

هيكل الدولة بالأردن تغيّر، حيث كان سابقاً يوجد جسم واحد خارج الحكومة، وهو للرقابة وأعني ديوان المحاسبة، والسلطة التنفيذية تتشعب إلى وزارات ودوائر وأقسام وشعب ووحدات، وهذا أُخّل به، إذ لم يعد الوزير مسؤولاً عن شؤون وزارته.

وأتساءل: وزير الزراعة، هل هو مسؤول عن كل الزراعة بالأردن، وما هو دوره بزراعة الأغوار؟، بالإضافة إلى وزير التربية والتعليم، ما هو دوره بالمسؤولية عن عناصر التربية كافة؟ بات هنالك تجزئة لهذه الأمور ولم يعد لها وحدة بالتخطيط والتنفيذ.

ونحن بحاجة إلى وقفة، ليس المقصود منها حذف دوائر ووضع أخرى، بل إعادة النظر بتركيبة الجهاز الإداري وعملية التسلسل الإداري، وأنّ لا يتسلّم القيادات إلا من تربّى في المؤسسات وعرفها.

لجنة الوظائف القيادية، مثلاً تعدّ أحد عناصر الدمار، لأننا لا نعلم أسس الإختيار، والبعض يدعي أنّها  عدالة، ولكن العدالة هي أن يتولى من تمرس وتدرج بالدرجة الثانية والثالثة والرابعة كي يكون النمو طبيعياً ولا نسبب له الإحباط للموظفين الذين تدرجوا في مؤسساتهم.

وهذا الإحباط أدخلهم في مرحلة الرعب الإداري، إذ أصبح ولاء القائد الإداري لأكثر من جهة.

ومرحلة الرعب الإداري أوصلتنا إلى عدم المقدرة على اتخاذ القرار، وأصبحنا مضطرين لإنشاء أجسام لتتخذ القرارات، وفي كثير من الأحيان لا نعلم من أين أتى القرار.

هلا أخبار: هل كتبت مذكراتك ؟ ومتى ستنشر؟

الروابدة: لقد كتبت مذكراتي، وستنشر بعد أن أتوقف عن العمل السياسي، اذ لا أعتقد أنه من حق كل عامل أو ناشط في الحقل السياسي أن ينشر مذكراته، وهو ما زال ناشطاً في الندوات والمحاضرات والكتب، فكيف تنتهي مذكراته؟ وأين يقف؟

هلا أخبار: وهل السياسي يتقاعد ؟

الروابدة: السياسي لا يحيله قراره الى التقاعد، إنما المرض وقرارات كثيرة ليس هو مسؤول عنها، وما دام قادراً على الكلام والتفكير لا يتقاعد.

هلا أخبار: وما أبرز ما تضمنته المذكرات ؟

الروابدة: نحن لا نكتب مذكراتنا للجيل الحاضر، لأنه يعرفنا، نحن نكتب للأجيال القادمة، لنقول لهم كيف حدثت الأمور وماذا أنجز كل منا، فمثلا: حكومتي كانت قبل 20 عاماً، والجيل الذي بلغ من العمر 40 عاماً اليوم لا يعرف ما أنجزنا.

كما أن المذكرات تنقل خبراتنا للأجيال اللاحقة، وما استفدناه من الحياة، وهي تجربة ليقرأها الجيل القادم.





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق