رسالة نيابية مُبكّرة للملقي ..

هلا أخبار – وائل الجرايشة – برغم الطابع البروتوكولي لزيارة رئيس الوزراء هاني الملقي إلى مجلس النواب صباح الثلاثاء وتقديم التهنئة لرئيس المجلس عاطف الطراونة بانتخابه رئيساً إلا أن هنالك رسائل بدأ الأخير بارسالها مبكراً.

الرسالة مفادها “أن تأخذ الحكومة الجدية اللازمة في التعامل مع الأسئلة النيابية وغيرها من الأدوات الرقابية”، وهو حديث وجهه الطراونة للملقي بشكل مباشر خلال الزيارة، والتي ستمثل عامود التوازن في العلاقة بين الطرفين. 

هذه المسألة التي يعلن الطراونة تمسّكه بها في مستهل أعمال المجلس الجديد ظلّت تؤرق النواب في السنوات الاخيرة، بل أنها “خلخلت” العلاقة بين حكومة عبد الله النسور ومجلس النواب السابع عشر، وادخلت الطرفين في علاقة مأزومة ومتوترة احدثت منعطفات كثيرة.

بالطبع أن الرئيس الملقي لن يتحمل اندفاع النواب ونقدهم اللاذع كما سابقه النسور الذي كان يمتص الغضب كثيراً ويدرك في ذهنه – كنائب سابق- أن بعض “العنفوان” أقرب إلى الاستعراض الاعلامي منه إلى المواقف الحقيقية، فكان يستوعب الاتهامات وحتى النقد الجارح والشخصي أحياناً.

من يعرف الرئيس الملقي يدرك أنه دوماً يتوجس “خيفة” من خلفيات الهجوم ومآرب الناقدين، بل يتعامل مع الأزمات العلنية بجدية بوصفها “خطراً داهماً” إن تُركت، ويعتبر أن لزاماً عليه التوقف عند كل شيء والإجابة على كل الأشياء الصغيرة منها والكبيرة وهو ما قد يخلق الأزمات في المستقبل.

الملقي رجل صريح بطبعه وهذه الصفة قد تتطور في بعض التحديات والمفاصل لتخلق منه نداً لمواجهتها، ويلاحظ أنه منذ اسابيع يحاول أن يتجنب الوصول الى هذه المرحلة من خلال رفع وتيرة حراكه وتواصله مع النواب، من باب التعارف وتقريب المسافات.

ومن يتتبع خطواته خلال الفترة الماضية بعد اعلان نتائج الانتخابات وحتى بدء الدورة العادية لمجلس النواب الثامن عشر فإنه يمكن رصد مساعيه الحثيثة في التطويق المبكر لازمات متوقعة و”حلحلة” الملفات العالقة عبر مدّ الجسور.

تدخل حكومة الملقي إلى مجلس النواب وهي تحمل على عاتقها ملفات كبيرة وعناوين جدلية، تبدأ بالتشكيلة الوزارية التي جرت بعيداً عن أعين النواب وقبل انطلاق اعمال مجلس النواب باسابيع، وهو ما اعتبره نواب “مأخذاً” و”مثلباً” لا يُمهّد لأرضية تعاون.

الملقي حاول تعويض “القفز” عن المجلس بتكثيف اللقاءات مع أعضاء مجلس النواب واستقبالهم واجراء الاتصالات الشخصية مع بعضهم والقيام بزيارات من بينها مَرَضية (زيارته للنائب صالح العرموطي) وصولاً إلى قبول الدعوات النيابية التي حضرها العشرات من أعضاء البرلمان.

وفضلاً عن قضية المناهج التي بدأ يخبو الحراك بشأنها بعد الاجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم أخيراً من خلال تشكيلة لجنة لتدقيق المناهج والتي تقدمت بتوصياتها قبل أيام، يبقى الملف الأبرز المتعلق بإستيراد الغاز من شركة “نوبل انيرجي” الأرضية الخصبة لـ”التماس” بين الطرفين حيث إنها قضية لا تخلو من كسب “الشعبوية” ولا يمكن توقع ردود الفعل النيابية حولها.

الحكومة بصدد تقديم بيانها الوزاري لمجلس النواب بعد التوافق بين الطرفين حول الوقت المناسب لعرضه، والذي يجب أن يكون خلال شهر من انطلاق الدورة العادية لمجلس النواب وفق نصوص الدستور، ونرى حذر الحكومة عندما اعلنت عن تنسيق مشترك مع النواب حول موعد تقديم البيان.

الرئيس لم يكتفِ بالاعلان أمام مجلس النواب يوم الاثنين عزمه التعاون مع مجلس، بل ذهب إلى ابعد من ذلك وهو يؤكد خلال لقائه الطراونة الثلاثاء على أن الحكومة ستعمل على إدامة تعاون غير مسبوق – على حد وصفه- مع مجلس النواب، وقال إنه سيجد كل التعاون والتنسيق في شتى المجالات، بما في ذلك الإجابة على الأسئلة النيابية بكل جدية واهتمام، وخلال المدة القانونية ليجيب بذلك على رسالة الطراونة المبكرة.

هذه المرونة التي يبديها الملقي والتأكيدات تأتي في سياق الشكاوى المستمرة السابقة التي كان يقدمها النواب من تقاعس الحكومات عن واجبها في الشق الرقابي، بل اتهام الحكومات أحياناً بـ”التهرب” من الإجابة على الاسئلة النيابية وايجاد المعيقات من خلال منع ذكر الاسماء في الاجابات الحكومية أو رمي بعض الوزراء المسؤولية على وزارات ومؤسسات اخرى.

يحتاج الملقي اليوم أكثر من أي وقت سابق إلى طاقم وزاري يعمل ضمن روح الفريق الواحد لمواجهة العمل خلال الفترة المقبلة، وسط تسريبات تتحدث عن بروز ظاهرة “الأقطاب” في حكومة الملقي الثانية.

الرئيس لا بد أنه يفكر باختراق العمق النيابي من خلال فتح قنوات مع مفاتيح النواب والتخفيف من حدة “المتحفزين” للنيل من الحكومة، وهذا يحتاج الى أذرع تساعده من وزراء أقوياء قريبين وقادرين على احتواء ردات الفعل والصدمات.

وفي السياق يطفو على السطح تساؤل إن كان وزراء الطاقم الاقتصادي قادرين على “العزف” سياسياً للترويج للقرارات الاقتصادية خاصة اذا ما اقدمت الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة بعد أن تغادر بعثة صندوق النقد الدولي المملكة مخلفةً وراءها توصيات صعبة.

لا شك أن كلمات جلالة الملك في خطبة العرش تُمهّد الأجواء لعلاقة تعاونية بعيدة عن التوتر خلال الفترة المقبلة خاصة بعد أن عبر جلالته عن أمله أن تبقى الحكومة طيلة عمل مجلس النواب، لكن هذا الأمر يحتاج إلى جهد مضاعف حكومياً اذا ما فكرت ملياً بالربط الملكي لهذه “الآمال” بأن تحظى بثقة مجلس النواب، وتوجيه الملك صراحةً لها بالحرص على توخي الدقة والموضوعية والواقعية في بيانها الوزاري.

هذه الفكرة التي ذكرها جلالة الملك خلال خطاب العرش تؤكد على دعم السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد ويحفظ التوازن، ففي الوقت الذي يعيد إلى الواجهة طرح مشروع بقاء الحكومة طيلة عمل مجلس النواب كما حصل سابقاً فإنه رهن بقاءها بثقة البرلمان وهذا يمثل عملياً دعماً لأحد أهم أركان الدستور الاردني الذي يحدد العلاقة بين السلطتين حيث يشير في مادته الاولى إلى أن نظام الحكم في المملكة نيابي ملكي وراثي.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق