زياد خازر المجالي يكتب عن العلاقة الأردنية الفلسطينية وبالون الاختبار

المجالي : قال لي ياسر عرفات عن مواقف الملك حسين “هذا موقف الفارس الهاشمي”
………..
كتب زياد خازر المجالي*
عندما يختصر جلالة الملك وبرؤيةٍ واضحةٍ، ضبابية مفتعلة بعضها بالونات اختبار خبيثة مقصودة والبعض الآخر ترديد ببغاوي بريء فيرفض الطرح الحالي لفكرة الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية ويصفها بأنها “خط أحمر” إنما يُعبّر عن موقفٍ أردني ثابت له ابعاد كثيرة، استحضر منها الآن هدف دعم الشقيق الفلسطيني.
وعندما يضيف جلالته “كونفدرالية مع مين؟” فإن هذا الاستفهام الاستنكاري واضح سياسياً وقانونياً ومعناه : لا بُدّ أن تولد الدولة الفلسطينية المستقلة استقلالاً ناجزاً فوق التراب الوطني الفلسطيني، وأن تنال عضويتها المعترف بها دولياً في الأمم المتحدة، وبعد ذلك فإن أَي حديث عن تطوير علاقات يكون بين دولتين مستقلتين ويكون شأنهما حصرياً.
وفِي إطار بعضٍ من هذا المفهوم، تحدثت الناطق الرسمي باسم الحكومة كما كتب الأخ فهد الخيطان في جريدة الغد يوم الخميس، ولكني عندما أتذكر أنه قد مرّ حوالي ثلاثة عقود على مؤتمر مدريد للسلام، وحوالي ربع قرن على اتفاق أوسلو ومعاهدة السلام الاْردنية – الإسرائيلية فإن من الواضح أن عددا كبيراً من الأجيال الشابة ليس على دراية ببعض التفاصيل المهمة، وهذه الأجيال هي عماد المستقبل، ولكنها في نفس الوقت مستهدفة حالياً بالتسريبات المسمومة من قبل دوائر محددة والتي تستغل ثورة تكنولوجيا التواصل الاجتماعي لتحقيق غاياتها الخبيثة.
لن أعود إلى الأفكار التي كانت مطروحة مطلع ثمانينيات القرن الماضي حول العلاقات الاردنية مع كيان فلسطيني كان يأمل أن ينتج عن عملية سلام نادى بها الجميع في إطار مبادرات متتالية منذ ما بعد حرب عام ١٩٦٧، وإنما سأنطلق مباشرة لما بعد اعلان دولة فلسطين في قمة الجزائر العربية عام ١٩٨٨ وما بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى وظروف المنطقة بعد عملية تحرير الكويت التي دفعت واشنطن لعقد مؤتمر مدريد للسلام، والمظلة التي وفرّها الاْردن للشقيق الفلسطيني لضمان انطلاق عملية تفاوضية استمرت ثلاث سنوات كان ثمارها اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات أوجدت لأول مرة شكلاً من أشكال السلطة الفلسطينية على الارض الفلسطينية والتي وفقاً للاتفاقيات التي شهدت عليها الإدارات الامريكية المتعاقبة جميعاً، كان يؤمل لها ان تصل الى نهاياتها بنشوء الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي التي احتلت عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف.
وهنا لستُ بصدد تقييم تلك المرحلة، وإنما أردت ان أقول إنني على خلفية تلك الحيثيات كنت أول ممثل للأردن لدى السلطة الفلسطينية في غزة، وتابعت التفاصيل كما تابع غيري، فالأحلام الوردية لرئيس الوزراء الاسرئيلي الأسبق شمعون بيريز جعلته يسرح بنموذج بنالكس (نواة الاتحاد الاوروبي بلجيكا هولندا ولوكسومبورغ) ليكون الرابط الوحدوي بين الاْردن وفلسطين وإسرائيل، وكان جلياً أنها محاولة لتفريغ أهداف عملية السلام من مضمونها الفعلي.
وعندما اعتلى اليمين الإسرائيلي الحكم في تل أبيب، كان واضحاً التراجعات المتتالية في التزامات اسرائيل التعاقديّة، وعلى رأسها التلكؤ في استكمال الانسحابات من الخليل والمناطق ب (القرى والتجمعات السكانيه الفلسطينيه)، ثم غض النظر عن التوسع الاستيطاني في البداية ومن ثم تشجيعه في مراحل لاحقة.
يعنينا هنا أن فكرة الاتحاد الكونفيدرالي الأردني الفلسطيني ولدت مرة أخرى في تلك الأجواء، بعدما انتبه الجانب الإسرائيلي إلى أن الفيدرالية تتطلب اتحاداً بين كيانات متساوية، في حين أن الكونفدرالية يمكن أن تنشأ بين دولةٍ وكيانٍ هو أقل من دولة، وأنا اترك التحقق من تلك التفسيرات التي سمعتها في حينه لرواد القانون الدولي.
ولكن يهمني أن أشير إلى ما عايشته عن قرب آنذاك، فقد علمت قيادتنا الحكيمة أهداف ذلك الطرح، حيث كان اليمين الإسرائيلي يريد أن يتنصل من التزام الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، ويريد دق اسفين مبكّر بين الشقيقين الأردني والفلسطيني عند بدء التفكير في تفصيلات مثل هذا الاتحاد (الأعرج)، وعندما كنت شخصياً أحاول أن افترض حُسن النية كنت أرى أن مثل هذا الاتحاد في أدنى مساوئه سيُصبِح شماعة يُلقى عليه كل ما لا تريد اسرائيل الإلتزام به أو تحقيقه كلياً أو جزئياً من التزاماتها وفق اتفاقها مع الجانب الفلسطيني وخاصة قضايا الوضع النهائي (المياه، اللاجئون، القدس ، المستوطنات، الحدود).
حين ذلك، كان الموقف الواضح للمغفور له باْذن الله الملك الحسين – طيب الله ثراه – أن العلاقة الاردنية الفلسطينية هي علاقة أخوية مقدسة، وهي شأنٌ أردني فلسطيني، والعلاقة السياسية المستقبلية بين الطرفين سيبحثانها مستقبلاً بعد إنجاز الفلسطينيين دولتهم المستقلة والمعترف بها دولياً، وكرر – رحمه الله – هذا الموقف عدّة مرّات، وهذا الموقف كان يثلج صدر الرئيس الراحل عرفات رحمه الله، ويعتزّ به بعد أن علم مغازيه وأهدافه لصالح المفاوض الفلسطيني وقال لي ” هذا موقف الفارس الهاشمي”.
وبعد، فالعودة لهذا الطرح في هذه المرحلة مكشوف ومعروف للقيادة الاردنية كما للقيادة الفلسطينية، ومعرفتي الشخصية بسيادة الرئيس محمود عباس تجعلني أعرف ما رمى إليه عندما اجاب حول الكونفدرالية بطلبه أن يضم ذلك اسرائيل أيضاً، فالرئيس عباس لا يهدف العودة إلى أحلام بيريز، وإنما يقصد تعرية السياسة العنصرية الإسرائيلية التي انتهت لتوها من اعتماد قانونٍ اساسيٍ تمييزيٍ عنصري.
وحيث تتوالى التسريبات بشأن صفقة تعدها الادارة الامريكية بتعاون مع الجانب الاسرائيلي وغياب للاطراف العربية المعنية مباشرة، وتطالعنا نفس التسريبات بأثمان بيع القضية الفلسطينية والإغراءات التي تنوي الإدارة الامريكية طرحها على الثلاثي الأردني المصري الفلسطيني وأرقام المليارات المخصصة لذلك ومصادره، كل ذلك يعكس حالة الجهل الكامل بالبنية الفكرية للمجتمعين السياسيين الأردني والفلسطيني.
يسأل صديق “ماذا لو جاء الطرف الامريكي وطرح على الطاولة كل ما لدية وكان ما لديه هو مجمل أو بعض هذه التسريبات والإغراءات ؟”، وجوابي سهل “نعم أنا من رواد الإيمان بأن السياسة فن الممكن لتحقيق مصالح الشعب، ويمكن أن تأخذنا هذه السياسة الى كل ما هو مستطاع، إلاّ المذلّة، والقادة يعلمون انهم أقوياء بالتفاف شعوبهم حولهم”.
نعم إلا المَذلة، هل تذكرون وتقرأون ملامح الشموخ والعنفوان على وجه جلالة الملك عبدالله الثاني الشهر الماضي وهو يشير الى رفض المليارات والمغريات، نعم ذلك هو الجواب، ذلك هو الاْردن .
* سفير أردني سابق