زياد خازر المجالي يكتب: “عَدوُّي الى يوم القيامه”

من تجاوز الستين عاماً من عمره لا شك انه يكون قد عايش الرعيل الاول او ابنائهم الذين عرفوا قصة التكوين وولادة الدولة الاْردنية الحديثة، وهم لا شك عايشوا بهذا العمر بعض التحديات التي واجهها الاْردن وتجاوزها بأمن وسلام، وبالمقابل فمن حق الأجيال الشابة علينا ان تعلم ما علمنا وهم عماد مستقبل الوطن ، وهم الذين يواجهون ثورة معرفية يصغر معها العالم، والتحصين الحقيقي هو ان لا يصغر الوطن في عين ابنائه، بل يبقى كبيراً في العقل والوجدان.

ما تعلمناه من الآباء والأجداد ، انه عندما توافقت إرادة الخلاص من قرون من التخلف مع إرادة النهضة الكبرى وصوتها الشريف القادم من الحجاز، كانت بعد ذلك الظروف التي أدت الى ولادة الاْردن الدولة ، فامتزج على ارضه المتعايش عليها أصلاً ورثة تراكم حضارات منها ملح الارض منذ ولادة السيد المسيح عليه السلام، مع موجات الفتح الاسلامي. مع احرار الأمة بقيادة هاشمية . فكان الاْردن بذلك بذرة قومية، ينصهر أبناؤه في سبيل تقدمه ورفعته.

بعض من تجاوز الثمانين ربما يحدثك انه يستعمل الان فرن الميكروويڤ ، لكنه في طفولته كان يساهم في تجميع ( الجلّة ) – براز الدواب الجاف – لانه الوقود المتوفر لطوابين صنع الخبز ، ونهضنا بخطىً سريعة لأن القيادة كانت تحس بمسؤوليتها في القفز مع شعبها فوق قرون التخلف وبمسيرة ثابتة ، رأسمالها وحدة الشعب .

هذا الوطن الأردني الصغير بجغرافيته ، الكبير بطموح قيادته وشعبه استطاع تجاوز الصعاب والمؤامرات التي حاقت بالأمة خلال القرن الماضي منذ النكبة في ١٩٤٨ وحتى خريف الربيع العربي المحيط بنا وآثاره المدمرة ، مروراً بنكسة حزيران وفتنة السبعين ، وحروب حولنا بين الاشقاء ومع الجيران … وتجاوزنا كل ذلك لاننا حافظنا على وحدة شعبنا .

التحديات والمؤامرات لن تنتهي ، ولكن اليقظة كانت عنوان تماسكنا وتكاتفنا وتكافلنا في مواجهة الصعاب ، وهنا لا بد من طرح الأسئلة الصريحة على الأجيال الشابة: هذا الوطن الأردني الذي نستظل به والذي بناه الآباء والاجداد والذي انصهر أبناؤه في بوتقة النهج القومي الأصيل هل نقبل له ان يتفسخ لا سمح الله بفعل افكارٍ إقليمية او طائفية اوعشائرية ضيقة أو مؤامرات خبيثة مستوردة ؟، هل من المعقول ان نقبل ان تفرقنا في الظروف الصعبة مباراة كرة قدم أو ذباب إلكتروني موجه من اعدائنا يستغل تطور تكنولوجيا التواصل الاجتماعي لمحاولة تدميرنا من الداخل ، تماماً كما فعل مع بعض الاشقاء.؟

عندما أكون اردني الهوية عربي الهوى انساني وعالمي النزعة ، أستطيع في حينها أن افهم اكثر ان الاعتزاز بالعائلة او العشيرة او الديانة او الجغرافيا الإقليمية الضيقة ، لا بد له ان يتوقف ويعطي الأولوية ( لمواطنيتي ) ، فبدون سيادة مفهوم (( المواطن )) لا سيادة لقانون او عدالة او تكافؤ فرص، وبالتالي يتوقف تقدم الوطن، ويصبح هشاً يسهل التآمر عليه لا سمح الله.

المواطنية هي الدرع الواقي للوحدة الوطنية، وإذا كان الحسين الباني طيب الله ثراه قد وصف من يطعن وحدتنا الوطنية بأنه (عدوه الى يوم القيامة) فإن ابا الحسين يذكرنا دائماً بأن قوتنا وسلاحنا هي وحدتنا وتماسكنا ، وهي في ذات الوقت سلاحه الأقوى عندما يقول لا للضغوطات المرفوضة التي تنتهك الحق العربي. فالقادم قد يكون الاصعب في تاريخ اردننا الذي سيحتفل بعد سنتين بمئويته، والقادم هو امتحان لقدرتنا على نبذ الفرقة وتأكيد ان الاْردن هو الأقوى بوحدته وتراص صفوفه حول قيادة تؤمن بشعبها ورسالتها.

على جغرافيا الاْردن السياسي تعيش كل الأطياف وكل ألوان قوس قزح الجميل، ولا بد لنا ان نكون الأذكى لنحول اللوحة الاردنية الى حالة جمالية متميزة، نتبعها بإرادة عمل دؤوب ، لنعود الى موقعنا الريادي في مسيرة النهضة العربية.

* سفير سابق





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق