624 عاما على وفاة الأديب العراقي تاج الدين السنجاري

هلا أخبار – من منطقة نائية (شمال العراق) بدأت حياة الفقيه واللغوي، القاضي تاج الدين عبدالله بن علي بن عمر السنجاري، ثم تنقل بعدها بين عدد من المدن؛ ليأخذ العلوم من كبار العلماء، وتسلم مناصب مهمة في القاهرة ودمشق وصُوْر.

وفي مثل هذا اليوم 29 يناير/كانون الثاني 1397م، توفي السنجاري بمدينة دمشق السورية، بعد أن أقام فيها آخر حياته، وواظب على التدريس في المدرسة الماردانية بحي الصالحية.

مسيرته العلمية
ولد تاج الدين في منطقة سنجار (شمال العراق)، عام 1322م، ودرس فيها الفقه، ثم بدأ رحلته لطلب العلم متنقلا بين مدن الموصل وأربيل، وماردين التركية.

ويبيّن أستاذ النقد الأدبي الحديث، الدكتور حافظ محمد الشمري، أن السنجاري تميّز عن علماء عصره بكونه عالما في مختلف العلوم، وأنه جمع بين الفقه والأدب، وله مكانة كبيرة؛ لما يحمله من علمية تفوق العلماء الذين عاصروه.

ويشير أستاذ التاريخ الحديث، الدكتور محمد علي، إلى عوامل مهمة أثرت على نشأته، وأهمها انتماؤه لبيت السنجاري وبيئته، حيث نشأ وترعرع في بيت علم وأدب، وعرفت أسرته بالجاه والعلم والثراء.

وينوّه في حديثه للجزيرة نت، إلى أن مدينة سنجار تعد من المدن المهمة، التي قدمت العديد من العلماء البارزين، مثل تقي الدين وعلي بن تاج الدين وغيرهم.

وتذكر كتب التراجم أن السنجاري أخذ علومه عن كبار العلماء، وأبرزهم العلامة علاء الدين القونوي الحنفي بدمشق، والعلامة شمس الدين محمد الأصبهاني بالقاهرة، والشيخ عز الدين حسن وغيرهم.

شخصية مميزة ومناصب إدارية
يرد اسم تاج الدين السنجاري ضمن أسماء الأشخاص المميزين، الذين ظهروا في تراثنا الإسلامي، ممن امتازوا بتنوع المنجز ورصانته، وتعدد المواهب والإمكانيات العلمية والإدارية، كما يقول الدكتور عامر ممدوح، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية.

ويضيف للجزيرة نت حين نقرأ في ترجمة السنجاري، نجد هذا الجانب واضحا، رغم أن الجانب الفقهي والعمل في القضاء هو الأبرز؛ لكن هناك جانب آخر، وهو إسهاماته في الشعر والأدب؛ مما يمكن تلمسه من قول المترجمين له بأنه “كان إماما عالما مفتنّا بارعا في الفقه والأصول، والعربية واللغة”.

ويعزو سبب تميّزه إلى تنقلاته المهمة التي منحته فرصة تلقي العلوم على عدة علماء، كما أنه ناب في الحكم بالقاهرة ودمشق، وولّي وكالة بيت المال بدمشق؛ مما وفر له البيئة المناسبة للإبداع، حتى وجدناه يبرع في عدّة فنون، فأفتى ودرّس وصنّف واشتغل.

وفي السياق ذاته، يرجّح الشمري أن سبب تكليف السنجاري بالمناصب المهمة، يأتي لكونه بارعا في القيادة، وهو على قدر كبير من المسؤولية، ولهذا أخذ دورا بارزا في العمل الإداري، بالقاهرة ودمشق وغيرهما.

وعن سبب تلقيبه بقاضي صُوْر -يقول الشمري- إن ذلك يعود لكونه تولى القضاء في مدينة صُوْر بلبنان، والتي تطل على البحر ومعظم سكانها من المسلمين، وكان قاضيا عادلا لما يمتلكه من إمكانيات كبيرة في أحكام الفقه والقضاء.

الشعر والأدب
ويلفت ممدوح إلى أن للراحل باعا طويلا في الشعر والأدب، تدل عليه مؤلفاته التي قامت على أساس نظم الكتب، وهو جمع المادة العلمية وصياغتها على أحد بحور الشعر، وصياغة الأحكام الشرعية وقواعد أصول الفقه صياغة موزونة مقفاة، وذلك تسهيلا للحفظ، وليتمكن المتعلم من ضبط قواعد العلم وأساسياته.

ويبدي ممدوح أسفه؛ لأنه لم يتبق اليوم من تراث السنجاري إلا عناوين مؤلفاته، ونكاد لا نقف إلا على بيت شعر تتناقله كافة كتب التراجم، وهو قوله:

لكل امرئ منا من الدهر شاغل… وما شغلي ما عشت إلا المسائل

ويواصل أستاذ التاريخ الإسلامي حديثه بالقول ربما لو قدّر وتم العثور على مؤلفاته، وحقّقت، سنقف على مضامينها بشكل أكثر دقة.

ويروي عن كتب التراجم قولها إن السنجاري كان يحفظ الكثير من الحكايات والنوادر، ولعل هذا ما جعله مرغوبا فيه بالجلسات الجماعية، وتوظيف هذه الحكايات والموروث، ليزيّن بها المجالس المجتمعية والأدبية.

مؤلفاته
وتميزت مؤلفات تاج الدين بالتنوع والشمولية، ومحاولة المزج بين المعرفة الفقهية والشرعية، بالموهبة الأدبية والشعرية، فضلا عن الاهتمام بالجانب الأخلاقي، وفق ممدوح.

ويرى أن ذلك يرتبط بطبيعة المعرفة، التي امتلكها، والوظائف التي تقلدها، والخصائص التي تميز بها، وسجلها المؤرخون والكتاب، فقد كان معدودا من أعيان الفقهاء، ومن محاسن الدنيا دينا وخيرا وعلما وكرما، كما وصفه المؤرخ ابن تغري بردي في كتابه “الدليل الشافي والمنهل الصافي”.

ويبين ممدوح أن من أبرز مؤلفات تاج الدين، التي أحصاها المؤرخون “البحر الحاوي في الفتاوى”، وجمع فيه مذاهب الأئمة الأربعة، وأقوال بعض الصحابة والتابعين.

بالإضافة إلى “نظم المختار” في الفقه، “نظم السراجية” في الفرائض، و”نظم سلوان المطاع” لابن ظفر، وله قصيدة في مكارم الأخلاق.

(الجزيرة.نت)





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق