الجغرافيا والواقع السياسي والتنموي

كتب: د. حازم قشوع

يرسم الواقع الجغرافي في اغلب الاحيان مكانة البلد السياسية ورؤية المجتمع التنموية، فالموقع الجغرافي للدولة يتاثر بالواقع السياسي والامني المحيط كما تتاثر مجتمعات المنطقة الواحد بمناخات الامن والاستقرار التي تخيم على ارجاءها لذا تعتبر البيئة الاقليمية بيئة مشتركة وان كانت مجتمعاتها تتاثر يشكل نسبي بانعكاسات تاثير هذا المجتمع او ذاك عليها، وحتي الموروث الحضاري غالبا ما يكون واحدا وهذا مرده لطبيعة العادات والتقاليد المشتركة التي تشاركت في صياغتها هذه المجتمعات.

فالمناطق الامنة نسبيا تستثمر طاقاتها وموارد مجتمعاتها البشرية والطبيعية في القطاعات الاقتصادية والانتاجية لذا غالبا ما تشكل هذه الاستثمارات المحلية مساحات جاذبة للاستثمارات الخارجية باعتبارها مناطق آمنة وواعدة حيث تظهر مكانة الرفاة المعيشي وتبرز السمة الاقتصادية لهذه المجتمعات كما ينعكس ذلك ايضا على مسلكيات افرادها فتراهم يعملون وفق مسارات تشغيلية انتاجية وتؤول مردوداتهم على مجمل الناتج القومي للدولة وكما على طبيعة الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومات للمجتمعات، وهذا يجعل من حالة الامن والاستقرار التي تتمتع به هذه المجتمعات بيئة عاملة على التشغيل والانتاجية وكما تساعد هذه المناخات على التصنيع والابتكار لذا كانت الجغرافيا السياسية تشكل حالة قدرية ومنهجية موضوعية تقود حركة المجتمع كما سياسات الدولة واهتمامات افرادها .

وهذا ما يمكن مشاهدته من خلال مقارنات موضوعية بين هذه المنطقة او تلك، فالمجتمعات التي تقع في اوروبا تختلف اهتماماتها عن تلك النماذج التي تشكلها مجتمعات الشرق الادني او الشرق الاقصي وهذا مرده لعوامل عدة منها ما هو طبيعي تكونه مسالة المناخ والطبوغرافيا المشكلة لتلك المجتمعات فالمناطق الجبلية تختلف عن المناطق الساحلية و المجتمع الصحراوي لا تندرج أولوياته مع اولويات المجتمع الزراعي، وهذا يؤكد ان الموقع الطبوغرافي ايضا يقود الحالة التنموية .

فان الجغرافيا السياسية دائما ما تحكم بل وتتحكم في بعض الحيان في مصائر المجتمعات بل تسقط بظلالها على سياسات الدول بعضها ببعض تجاه درجة امنها او مناخات استقرارها، فالمجتمع الذي يعيش في منطقة آمنة تكون عوامله الذاتية عاملة بدرجة كبيرة على حساب العوامل المحيطة، وهذا ما يجعل من اهتمامات هذه المجتمعات تكون في جلها اهتمامات تنموية ونمائية وتطويرية وحداثية وفي كافة المجالات وعلى كل الاصعدة، لان الانفاق في معظمة يكون تجاه التنمية والرفاهية وليس على الامن والدفاع .

ان الاردن الذي يعيش منذ قرن وسط جزيرة من نيران نتيجة انعكاسات الواقع المحيط على مناخات امنة واستقراره مازال يعيش في بيئة طاردة وسط ازمات اعتاد العيش معها وتعايش مع اهتزازاتها فالاردن سيبقى يشكل الدرع الحصين للامة وقضيتها المركزية كما سيبقي يؤكد ان عروبة القدس ووصايتها الهاشمية مهما تكالب علية من تكالب فالاردن بما يمتلك من ارادة ورؤية قيادة سيخرج من هذه الازمة وستجاوز هذه المحنة كما تجاوز اصعب منها بسبب قناعته بثوابت موقفه وسلامة نهجه المنسجم مع القانون الدولي وسيبقي للاردن يرفض كل السياسات الاحادية التي لا تخدم عودة مناخات الامن والاستقرار التي تنشدها شعوب المنطقة فالتاريخ يشهد له والقانون يقف معه والنصر بإذن الله لن يكون الا حليفه رغم قدرية الجغرافيا.

الدستور





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق