عيد بطعم آخر

اليوم عيد، والعيد يحمل معنيين، أولهما أنه عبادة سنها لنا رسول الله عليه السلام، الأجر والثواب لمن مارسها ، وثانيهما أنه جائزة يفرح بها المؤمن، لأنه تمكن من أداء عبادة الصوم بنجاح، يتعاظم بتعاظم استيعاب معاني رمضان، ومقاصد صيامه، وعدم الوقف عند شكل عبادة الصوم بالامتناع عن الطعام والشراب فقط، فلعبادة الصيام مقاصد أبعد من الامتناع عن الطعام والشراب بكثير، فآفة الكثيرين أنهم يأخدون من الدين مظاهرة، ومن العبادات شكلها وحركاتها، دون أن يستوعبوا أهدافها ومراميها ومقاصدها، ومنها عبادة الصوم التي تمثل بمقاصدها مدرسة تربوية متكاملة، تهدف إلى بناء القوة النفسية للإنسان، من خلال تدريبيه أولا على لجم شهوات النفس، ماتعلق منها بالبطن أو الفرج أو هوى النفس، وهذه كلها ليست من مداخل الشيطان فقط، ولكنها أيضا مداخل لكل نوازع الضعف البشري، وقد علمنا تاريخ الإنسانية كيف سقطت دول ومجتمعات، عندما غرقت بالشهوات التي أضعفت مناعتها النفسية وقتلت روحها المعنوية، كما يعلمنا واقعنا المعاصر كيف تسعى قوى الاحتلال والاستكبار لإغراق المجتمعات التي تستهدفها، وخاصة العناصر الشابة والقوى الحية في هذه المجتمعات، في الموبقات كالمخدرات والجنس لاستلاب اردتها، ولذلك كانت وصية رسول الله لاتباعه بالصوم حتى في غير رمضان، للسيطرة على شهوات النفس وتعظيم مناعة المجتمع النفسية وروحه المعنوية، لذلك كان رمضان شهر الفتوحات الكبرى والانتصارات العظمى في تاريخنا الماضي، وهاهو يتحول في السنوات الأخيرة إلى شهر القدس، وانتفاضاتها المتتالية، والتي نعيش هذه الأيام في ظلال واحدة من هذه الانتفاضات التي تذكر من خلالها القدس كل المسلمين بأن مسرى نبيهم، ومعراجه أسير بيد أعداء الأنبياء، ولتذكر المسيحيين بأن مهد المسيح في يدي من سعوا لصلب المسيح.

نعيش هذه الأيام ظلال انتفاضات القدس، ونحن نرى كيف استطاع المقدسيون بصدورهم العارية من أسباب الدنيا، لكنها عامرة بالإيمان والإرادة والتصميم، أن يقدموا أولا للعالم كله الدليل المادي على أن الشعوب الحية قادرة على الصمود والتصدي والتحدي، بل والانتصار على من يريد أن يقهرها، وإن يقدموا ثانيا لأمتهم الدليل على أن عدوها أوهن من بيت العنكبوت، وإن ماعليها إلا أن تتخلص من أوهام (العدو الذي لايقهر) فقد قهرناه في اللطرون وباب الواد وفي الكرامة، وهاهم المقدسيون يقهرونه في رحاب المسجد الأقصى، ليس معهم إلا الله، وأهلهم المرابطون على أرض الحشد في الأردن، معسكر تحرير فلسطين على مدار التاريخ، ليكون لعيد أمتهم طعما اخر، فيه الكثير من معاني رمضان شهر الانتصارات الكبرى.





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق