مبدعون على ضفاف المئوية

في سياق احتفال الأردنيين بمرور مئة عام على تأسيس أولى البنى الإدارية والسياسية والثقافية في مشروع دولتهم الحديثة، تحتفي «الرأي» برموز الإبداع والوعي الذين أضاءوا بقناديلهم دروب المسيرة، وأسهموا بنتاجاتهم في صياغة الوجدان، ودوّنوا بإبداعهم على صفحة هذا الوطن سيرته وسرديته.

وتقدم هذه الزاوية على مدار العام تعريفا بشخصيات إبداعية تركت منجزاتها بصمات واضحة في التاريخ الحديث.

* محمود أبو غريب.. عميد الدراما الأردنية

شيخ الفنانين وعميد الدراما الأردنية، ورائد المسلسلات البدوية، المتجهّم الحنون وحكيم القوم.. هي أوصاف استحقّها الفنان الراحل محمود أبو غريب بسبب دوره الرائد في تطوير الدراما الأردنية وانتشارها، خاصة في إطار المسلسلات البدوية التي فرضت حضورها على كل الشاشات العربية في ثمانينيات القرن الماضي. حيث تجاوز رصيده 150 عملاً تلفزيونياً وإذاعياً ومسرحياً.

تشير السيرة الفنية للراخل أبو غريب إلى أنه أول فنان أردني دخل أستوديو التلفزيون للتسجيل، بعد أن كان الاعتماد على فنانين من دول عربية، وشارك باعماله في عدد من المهرجانات العربية والدولية، واستحق من الجوائز المحلية والعربية والأجنبية ما يليق بمسيرته.

وُلد الفنان محمود أبو غريب في يافا بفلسطين عام 1923، توفي والده وهو في الخامسة من عمره، فدخل مدرسة الأيتام ودرس فيها، وانضم إلى الفرقة الموسيقية في المدرسة وتعلم العزف على الآلات النحاسية. قدم للمرة الأولى دورا تمثيليا في إحدى الحفلات المدرسية السنوية في مسرحية «بيدبا»، وأبدع في أداء دوره وحصل على جائزة تقديرية. ومنذ تلك التجربة شغف محمود أبو غريب بالتمثيل والفن المسرحي.

تنقّل محمود أبو غريب بين مدارس عدة في فلسطين، وأكمل دراسته الثانوية، وبعدها حصل على شهاده بوليتكنك لندن. ولتعلّقه بالفن انضم إلى الجيش البريطاني لكي يستطيع السفر إلى مصر ورؤية الفنانين الكبار.

أسس محمود أبو غريب فرقة مسرحية في غزة باسم «فرقة العودة» قدمت العديد من المسرحيات. وعمل أيضا في مصلحة البريد لأنه كان يجيد اللغات الإنجليزية والإيطالية والعبرية. أُجبر على النزوح إلى الأردن (1967)، والتقى الفنانَ صلاح أبو هنود الذي قدمه لهاني صنوبر الذي ضمّه بدوره إلى رابطة الفنانين الأردنيين.

عند افتتاح التلفزيون الأردني عام 1968 كان محمود أبو غريب أول شخص يقف أمام الكاميرا، حيث قدم إسكتشا بعنوان «الطالب والأستاذ»، ومن هنا بدأ حياته الفنية التلفزيونية التي قدم من خلالها العديد من المسلسلات والأفلام على غرار: «الأخرس والقلادة الخشبية»، و«باب العمود»، و«فداك يا فلسطين».

ثم انضم محمود أبو غريب إلى فريق الإذاعة الأردنية وقدم أول مسلسل إذاعي باللهجة البدوية، وكان روكس العزيزي المراقب على اللهجة البدوية وأصولها وعلّمها لمحمود أبو غريب.

تحوّل أبو غريب للإنتاج الإذاعي المسموع إلى إنتاج مرئي في مسلسل تلفزيوني بدوي بعنوان «وضحا وابن عجلان»، وتتالت بعدها المسلسلات البدوية مثل: «أبو عقاب»، و«جواهر»، و«راس غليص». كما توالت أدواره في العديد من المسلسلات التي لاقت نجاحا.

في عام 1990 قدم محمود أبو غريب فيلما تلفزيونيا بعنوان «سيدي رباح»، شارك في مهرجان القاهرة للأفلام التلفزيونية وحصل على المركز الثاني بعد فيلم «المصير». وكُرم محمود أبو غريب وطاقم العمل بجائزة السوسنة السوداء.

اشتهر أبو غريب بتقمصه شخصية الأب الجاد، ورغم ظهوره الحازم في أدواره غالبا إلا أن وجهه كان يحمل سمات الطيبة المتوارية، فأطلق عليه النقاد «المتجهّم الحنون». كما تصدّر أول عمل إذاعي بدوي بعدما أجاد أصول نطق اللهجة تحت إشراف الأديب روكس العزيزي، وشارك فنانين من مصر ولبنان وسوريا النسخ الأولى القديمة من مسلسلات البيئة الصحرواية: «رأس غليص» (1965)، ووضحا وابن عجلان (1976)، و«نمر بن عدوان»؛ وذلك الى جوار يوسف شعبان وهناء ثروت وعبدالرحمن آل رشي وغيرهم.

مال الراحل أبو غريب إلى أدوار الخير غالبا بعد تقدمه في العمر، وقدّم سلسلة «حكيم القوم» صاحب النصائح الراجحة على الشاشة، وأكد مقربون منه ممارسته الدور نفسه واقعيا استنادا إلى خبرته الطويلة في الحياة وتنقلاته الدائمة ودراسته الأكاديمية. كما جرّب الكوميديا السوداء في محاولات درامية معدودة حصدت صدى واسعا.

يعترف الفنانون الأردنيون بريادة الفنان محمود أبو غريب، ويعترفون كذلك أنه توفي بصمت وهدوء بعيدا عن الضجة (كان ذلك في عام 2004)، تاركا وراءه عشرات الأعمال الفنية التي تتحدث عن موهبته وكفاءته وحجم حضوره في المشهد الفني العربي.

كرّمه الملك عبدالله الثاني بمنحه الجنسية الأردنية تقديرا لدوره في خدمة الفن الأردني، وقد أثنى الفنان الراحل على عطاء جلالة الملك، وقال: «سليل العائلة الهاشمية، الملك عبد الله الثاني، توّجني بتاجَين، وسام الاستقلال من الدرجة الثانية، وتاج الجنسية الأردنية».

واليوم، يحمل المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي اسم محمود أبو غريب، كما حملت اسمه إحدى دورات مهرجان المسرح الأردني، في لفتة تكريمية لفنان رائد ترك بصمات واضحة في مسيرة الدراما الأردنية.

الراي





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق