من أين يبدأ إصلاح مجلس النواب؟

كتب: د. خير الذيابات

لا نريد أن نسلط الضوء على هفوات بعض أعضاء مجلس النواب التي عكست سقوطا مدويا لصورتهم بين المواطنين الأردنيين، خاصة وأن هذا السقوط يكاد يتكرر في كل دورة انتخابية.

فلا نكاد نلملم قوانا من حرب الانتخابات البرلمانية، ونرفع رايات العشائر المنتصرة تحت قبة البرلمان حتى نجلس نراقب فرساننا المغاوير -الذي يقدمون أنفسهم لداوئرهم الانتخابية على أنهم أحفاد المخلص المنتظر- يصدحون بكلام لا يفهمه إنس ولا جان!

فخطاباتهم العجيبة تضم كافة المتناقضات السياسية فنراهم وطنيين منحازين للشعب، وبعد ساعة ينقلبون طامحين متزلفين للحكومة، وبعدها يلوحون بعصا القومية، ثم يعرجون على القضية الفلسطينية دون أن يعرفوا أبجدياتها، ثم تخونهم قواهم فيلجأون للدين والشهادة والفساد والتي تضاف إلى قائمة “المنيو الخطابية” الخاص بهم على أمل ترويج أنفسهم تحت القبة ليحظوا بأحد ألقاب الحيوانات المفترسة والضارية كأسد أو حصان أو حوت المجلس، ليس بهدف القيام بواجباتهم التشريعية والرقابية، بل لرغبتهم الذاتية بتخليد جموحهم السياسي أمام مناصريهم ومؤيديهم!

هذا الأمر يتضح بشكل جلي من خلال الخطابات الرنانة التي تكتب للنواب من قبل أشخاص امتهنوا الكتابة بحكم التخصص أو الهواية مقابل وعد منتظر أو عشاء دسم برفقة صاحب السعادة.

ولو سألت بعض النواب عن مضمون بعض الفقرات في خطاباتهم لوقفوا “وكأن على رؤوسهم الطير” فلا يدركون المعنى المقصود من ذلك كله، حتى أن بعضهم لا يستطيع أن يقرأ بعض المصطلحات الواردة في خطابه فيلفظها بطريقة خاطئة تنقل الحديث إلى سياق آخر لا يفهمه سعادته أو حتى من كتب لسعادته!!

هذا المستوى المتدني يتضح لنا مرارا وتكرارا من خلال ضحالة الثقافة السياسية لدى معظم أصحاب السعادة الذين جاؤوا للقبة على صهوة ملايينهم، مستغلين بذلك عصبية عشائرهم، وجيوب فقراء دائرتهم الخاوية، وآمال شبابهم المندفع! فأصحاب السعادة يسقطون عند أول اختبار لهم على الهواء مباشرة أو حتى تحت الهواء: فلا يعرفون متى استقل الأردن الذي يشرعون له، ولا يميزون بين ألوان العلم الأردني الذي يقدسونه، ويجهلون تاريخ حروب الجيش العربي الأردني، ويحارون في عدد محافظاته!!!

كيف لنا أن نمضي في خطط الإصلاح ونوابنا لا يفقهون بتاريخ الأردن شيئا؟! كيف لهم أن يشرعوا لنا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية وهم يجهلون أبجديات النظام السياسي الأردني؟!!!!

الإصلاح لا يختزل بقانون انتخاب أو قانون أحزاب وصحافة، فما فائدة قوانين انتخاب وأحزاب أمام الانحياز الأعمى للمناطقية أو العشائرية؟!

الإصلاح يبدأ بوعي سياسي رزين عند كافة شرائح المجتمع، ولا يستثنى من ذلك أحد سواء كان مواطنا أو نائبا أو مسؤولا!

هذا الوعي لا يمكن إيجاده مغلفا على رفوف المولات أو على قارعة الطريق، أو حتى في “مضايف الزناقير”!!! بل يأتي من خلال عملية مدروسة قوامها التنشئة والثقافة السياسية المستندة إلى المعرفة العلمية الحقة، وليس إلى “هيلمة النواب والسوالف المشلخة”!!!!

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة اليرموك






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق