خلافاتنا السياسية أعمت بعضنا عن مشتركاتنا الوطنية

كتب: حسين الرواشدة

لا بد ان نتصارح اليوم – كأردنيين- بان خلافاتنا السياسية اعمت بعضنا عن مشتركاتنا الوطنية، وبان انتماءنا لبلدنا اصبح للاسف يقاس على «مساطر» جديدة لم نألفها، حتى كدنا نصدق بأن المداهنة هي اقرب طريق الى قلب الوطن، وان الفهلوة والشطارة اجدى وسيلة لخدمة عتباته الشريفة.

كما لا بد ان نتصارح ايضا بان هذا البلد الذي بنيناه جميعا هو ملكنا جميعا ، وخيمتنا التي اظلت الاحرار من كل مكان حين ضاقت بهم بلدانهم، وبالتالي فان قوته من قوتنا، وعزمنا من عزمه.

واذا جاز لنا ان نختلف على اي شيء فيه فلا بجوز لنا ان نختلف عليه، او ان نتركه لبعض الذين يرونه مجرد «حقيبة» سفر، او محطة رحلة، او تمثال بعين سائح معجب لا يهمه منه سوى التقاط صورة للذكرى.

سامحهم الله، هؤلاء الذين أوهموننا بأن "الوطني" الفصيح والنظيف والصالح هو من "يعتكف" في بيته، او في مقاطعته، او يتحرر من تهمة "التعامل" مع مؤسسات بلده، اما الاخرون فهم "عملاء" او موظفون او مشكوك في وطنيتهم.

سامحهم الله لانهم اخطأوا ثلاث مرات: مرّة حين حرموا بلدنا من كفاءات ابنائه المخلصين وتركوه "مسرحا" لموظفي ليلة القدر، ومرّة اخرى حين اختزلوا "الوطنية" في دائرة المزايدين او المتفرجين، ووضعوها في سجن نصّبوا انفسهم حراساً عليه ولم يسمحوا لها بالخروج لكي تتنفس وترى النور..ومرّة ثالثة حيث تصوروا بأنهم وحدهم من يمنح "صكوك" الوطنية، ومن يزكي اصحابها، ويحرم الاخرين منها.

وكل ذلك وفق اعتبارات مغشوشة، لها علاقة بالمكاسب لا بالمبادىء، وبالعقوق للبلد الذي بادرهم التحية ومدّ لهم يداً فلم يردوا عليه التحية بمثلها، وآثروا ان لا يصافحوه بلا اي عذر او سبب.

قي بلادنا انتصرت المصاهرات الاجتماعية على المصاهرات السياسية، واندمج الجميع تحت الاحساس بالخطر والدفاع عن الوجود في بوتقة (الوطنية) التي تعني الالتصاق بالتراب المبارك الذي طهره الانبياء الذين مروا من هنا والفاتحون الذين ما تزال مقاماتهم تذكرنا بقيمة الشهادة والتضحية والاخلاص للرسالة.

لكننا للاسف في زحمة الدعوات الى المحاصصة وتقسيم التركات نسينا ان لدينا رسالة اهم من الصراع على مناصب السياسة و لدينا مشروع انساني واخلاقي ووطني يحتاج بناؤه الى التوحد والتوافق ،لا الى التراشق والتشتت، و لدى عدونا نوايا مبيتة وخطط جاهزة لاغراقنا في دوامة الجدل والحيرة، فالمطلوب ليس فلسطين فقط وانما العروبة والاسلام سواء تشكلت في اوطان او في مشاريع وافكار.

لا بد اليوم ان نصارح انفسنا: من هو الاردني ومن هو الوطني، وما هي الوطنية التي نريدها،من هو المواطن الجيد ومن هو الانسان القادر على ترجمة هذه القيم والمفاهيم بعيدا عن الالوان والاجناس والاختلاف في الافكار والاديان والمذاهب السياسية، هذه بالطبع مشكلة النخب فالناس الذي اجتمعوا على مصاهرات النسب وتوحدوا على مبادئ الخؤولة والعمومة لا تشغلهم مثل هذه التقسيمات والاستقواءات، وهي ايضا مشكلتنا مع السياسة التي ما تزال غارقة في لغة الاستبعاد والاقصاء، ومشكلتنا ايضا في تقديم منطق الهدم على منطق البناء واستسهال الكلام على حساب العمل.

وما لم نخرج من هذه العطالة السياسية التي اورثتنا ما نعانيه من انسدادات وازمات فان اوهاما كثيرة ستبقى تطاردنا ،ليس فقط (وهم الوطن البديل )،وانما ايضا اوهام العدالة والديمقراطية التي ما تزال تشكل طموحات الاغلبية في المجتمع فيما هي لدى البعض مجرد احساس مفزع بسبب اعتقادهم بانها ستجردهم من امتيازاتهم او تكشف اخطاءهم او تطردهم خارج الحلبة.

باختصار، لا يمكن ان نتعافى من الاوهام التي تطاردنا او ان نواجه الاخطار الحقيقية التي تحدق بنا – وما اكثرها – الا اذا انحزنا لمشروع الوطن الواحد، وطن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع، وتوافقنا على اساس المواطنة العادلة التي تستوعب الجميع في اطار الانتاج والاخلاص والانتماء الصادق غير المغشوش.

وهذه كلها تحتاج الى مجتمع تتقدم فيه الافكار على الاشخاص، والقيم والممارسات على المصالح الذاتية والتوظيفات المسمومة ، والى دولة ديمقراطية حديثة تحترم قيمة الانسان وحقوقة، وعندها فقط يصبح السؤال عن الوطن الاصيل الذي يكفل لكل من يعيش فيه ما يحتاجه من مستلزمات الكرامة والعيش الكريم هو السؤال الحقيقي ويبدو الكلام عن البديل -اي بديل- صوتا ناشزا لا يلتفت اليه احد.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق