هوية الدولة

كتب: د. عبدالله الطوالبة

اجتهد رئيس وزراء أسبق، وقال: الأردن ليس دولة دينية وليس دولة عالمانية، الأردن دولة مدنية. ونحن بدورنا نجتهد، وللمجتهد أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ، ونقول، إن القائل بذلك سواء كان رئيس وزراء أو أي مواطن، عليه أن يراجع مفاهيمه للمصطلحات التي استخدمها. على صعيد الدولة الدينية، لم يشهد التاريخ العربي نشوء مثل هذه الدولة.

النبي نفسه لم يُقِم دولة دينية. والدليل الأفقع على رأينا هذا، أن صحيفة المدينة التي وضعها النبي وتعتبر دستور الدولة الوليدة تخلو من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. واستُخدِمَ تعبير “أمة” في الصحيفة، لتشمل سكان المدينة اليهود باعتبارهم “أُمة من المؤمنين”. تعبير أمة هنا، ورد بمعناه السياسي الدنيوي وليس الديني.

على الصعيد الثاني، أي الدولة العالمانية، يصعب ادراج الأردن داخل هذا الإطار. ومن يُصر على أن الاردن دولة عالمانية، عليه التدقيق في فهمه للعالمانية.

الكلام يطول في هذا السياق، لكن باختصار الدولة العالمانية تحترم حرية العبادة وتضمن حق ممارستها لكنها لا تسمح بتوظيف الدين لأهداف سياسية. وهذا الشرط الرئيس لوصف الدولة بأنها عالمانية ضمن شروط أُخرى، لا ينطبق على أي دولة عربية بما في ذلك الأردن.

كما أن دستور الدولة العالمانية يخلو من النص على دين الدولة، باعتبار هذه الأخيرة إطاراً سياسياً لكل مواطنيها بغض النظر عن الجنس والدين والعرق واللون.

من هنا ننتقل إلى الوصف الثالث، لنجتهد بالقول أن من يرى الأردن دولة مدنية، فإننا ندعوه إلى إعادة النظر بهذا المفهوم وفق معايير القرن 21.

الدولة المدنية بمفهومها الحديث لها شروط، اولها ان تكون دولة مواطنة. والتعريف العلمي الحديث للمواطنة يدفعنا التي استحضار مصطلحين، هما: المواطنون والرعايا.

العامل الحاسم لتحديد المقصود بكل من المصطلحين، وثيق الصلة بصناديق الإقتراع. المواطنون، هم الذين يشاركون في تقرير مصيرهم وذلك باختيار من يحكمهم ومن يمثلهم في مجالس النواب في انتخابات حرة ونزيهة بالفعل وليس في الإعلام الرسمي فقط.

وبتطبيق ذلك على مساحة العالم العربي، البالغة حوالي 14 مليون كيلومتر مربع، سيتأكد لنا أننا نحن العرب ما نزال في القرن 21 رعايا ولسنا مواطنين وبلداننا ليست دولاً مدنية.

الدول العربية إذن هلامية الهوية، حتى أن المفهوم بحد ذاته “هوية الدولة” ملتبس في العقل العربي وغير محدد المعالم، بقدر التباس مفهوم الدولة في العقل ذاته. وعينا الجمعي يربط الهوية بالدين، وهذا خطأ ووهم. الدين ليس هوية، بل معتقد عابر للأعراق والأقوام. فالعرب اقل من ثلث عدد المسلمين في العالم، الذين يصل عددهم الى حوالي مليار و800 مليون انسان.

هل الهوية مرتبطة بالغالبية العرقية؟

في الإجابة، نقول نعم إلى حدٍّ كبير، لكن هذا لا يكفي بدليل أننا عروبة غالبيتنا لم تَحُل دون اختلافنا في كل شيء تقريباً. ولا ننسى وجود أقليات عرقية في الكثير من بلداننا، وهذا امر طبيعي في عالم اليوم.

الحروب الأهلية الملتهبة والصامتة في بلداننا العربية، دليل ساطع على اننا غير متفقين على شكل الدول القائمة، ولسنا متفاهمين على كيفية إدارتها.

الدولة بمنظور العقل السياسي العربي، لم تغادر مربع “الغنيمة” بعد، وما يزال مبدأ “من اشتدت وطأته وجبت طاعته” فاعلاً بقوة في حسم موضوع السلطة السياسية في بلداننا.

اعتقد أننا أوردنا ما يكفي، لتبرير القول بأن دولة الحاضر العربية تعاني من ازمة هوية.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق