السلط تحفر اسمها على قائمة التراث العالمي

هلا أخبار – استطاعت مدينة السلط بأزقتها الكادحة التي تتسرب اليها أشعة الشمس على استحياء، وبخطوات متفحصة لعبق التاريخ الممتد عبر العصور، ان تبهر لجنة التراث باليونسكو، الذين ارهقهم النظر الى ناطحات السحاب وضوضاء المدن الكبيرة، لإدراجها على قائمة التراث العالمي.

والسلط التي تمتاز بعظم التراث المعماري الذي تلمس فيه الجذر الانساني المفعم بالبساطة والتسامح، والعيش المشترك والترحيب بضيوفها، وجبالها التي شهدت تاريخ الحضارات الانسانية، وأدراجها الشاهدة على عظمة المكان والانسان السلطي، وجمال المدينة الذي يأسر القلب ويلقي السحر في النفوس، حفزت القائمين على اللجنة لضمها لقائمة التراث العالمي.

مدينة السلط التي يمتد تاريخها لاكثر من 5500 عام، احتضنت حجارتها الصفراء مئات القصص والروايات حول أبنائها الذين جاؤوا من مناطق مختلفة، بحثا عن الاستقرار والحياة الجديدة، وكانت ملجأ للباحثين عن الطمأنينة والسلام، وحاضرة في الوجدان الانساني والوجود الكوني.

وسعت الحكومة الأردنية وبلدية السلط حثيثاً إلى العمل على ترشيح وسط مدينة السلط التاريخي لقائمة التراث العالمي، بناء على المعيارين الثاني والثالث من المعايير الخاصة بإدراج مواقع التراث العالمي على لائحة اليونسكو من أجل الحفاظ على الإرث المعماري الاستثنائي الذي يشير بشكل واضح إلى التبادل الثقافي بين مناطق بلاد الشام المختلفة بأطيافها كافة.

كما جرت عمليات الترشيح سابقاً لعكس التراث الأثري والتاريخي للمدينة وإظهار سمة التسامح والضيافة الحضرية فيها، إضافة إلى تعميق التنوع والتراث الثقافي للبشرية والحفاظ على الماضي لمستقبل الأجيال اللاحقة.

مديرة وحدة ادارة وسط مدينة السلط القديمة وعضو فريق عمل اعداد ملف ترشيح السلط على قائمة التراث العالمي، المهندسة لينا ابو سليم، قالت في تصريح لوكالة الانباء الأردنية (بترا)، إن الرؤية الفنية لملف ترشيح السلط لإدراجها على قائمة التراث العالمي، والذي جرى إعداده من خلال فريق عمل محلي وباشراف اللجنة الملكية لتطوير وسط مدينة السلط، ارتكزت على التراث المعماري المتميز للمدينة خاصة ما بعد عام 1860، ودمجها مع المحيط الأكبر وهو بلاد الشام.

وبينت أن الجزء الآخر من ملف ترشيح السلط اعتمد على تقديم المدينة كنموذج للتعايش والتآخي الاسلامي المسيحي، والذي تميز خلال عصور سابقة واستمر الى الان، موضحة ان هذه التراث اللامادي المهم لا بد ان يتم اظهاره الى العالم كقيمة استثنائية عالمية في كيفية احترام وقبول الآخر.

واشارت المهندسة أبو سليم الى أن الازدهار التجاري للمدينة في ذلك الوقت وضعها في مقدمة المدن التجارية في بلاد الشام، واصبحت تصدر العديد من المنتوجات المهمة مثل نبات القلي الذي يستخدم في صناعة الصابون وغيرها من المنتجات الزراعية، لافتة الى أن هذا التغير الاقتصادي جعل العديد من التجار واصحاب الأموال يأتون الى السلط، ما انعكس على حركة البناء، بظهور نماذج معمارية متميزة مثل بيت طوقان، بيت قاقيش، بيت ابو جابر، المعشر وفلاح الحمد وغيرها من البيوت التي تزيد عن 600 بيت تراثي.

تقع مدينة السلط على بعد 28 كيلو مترا إلى الغرب من العاصمة عمان، وتقوم على ثلاثة جبال رئيسية هي السلالم والجدعة والقلعة، وقد انشئت البيوت الحجرية المتراصة على هذه الجبال، فشكلت كتلة حجرية تتماشى مع الطبيعة الكنتورية لها، وتمتد الوديان بين هذه الجبال لتشكل مساراتها شوارع السلط الرئيسية، أما ملتقى هذه الوديان عند سفوح الجبال، فهو عبارة عن فراغ مرکزي اصبح فيما بعد المركز الرئيسي للمدينة.

وأضفت طبيعة السلط الجبلية على المدينة، طابعا معماريا جميلا ، فامتازت مبانيها بالحجارة صفراء اللون، وكثر فيها استخدام العقود والقناطر، كما انتشرت مقالع الحجارة والمشايد على أطراف المدينة بشكل ملفت للنظر.

وتأثر التخطيط العمراني لمدينة السلط بعوامل عدة منها العامل الاجتماعي القائم على تقسيم المدينة إلى محلات، (والمحلة هي حي يضم عددا من الحارات التي تفصل بينها الشوارع الرئيسية وتتفرع منها الأزقة)، وتكونت هذ المحلات في أعالي الجبال وفي سفوحها، وامتدت لتلتقي في موقع متوسط عند سفوح الجبال، ما أكسب الموقع أهمية كبيرة جعلت منه المكان الأمثل لانشاء مركز مدينة السلط ، لعدة أسباب ابرزها توسطة أحياء المدينة وطبيعته المنبسطة ووفرة الينابيع.

ومن الجدير بالذكر أن تخطيط مدينة السلط جاء متسقا مع تخطيط المدينة الاسلامية من حيث وجود المسجد وقصر الحكومة وعيون الماء و النشاط التجاري في مركز المدينة، وتفرع الشوارع والطرق من هذا المركز إلى سائر أرجاء المدينة، مشيرة الى ان الحكومة التركية قامت ببناء مركز حكمها الاداري (السرايا) في ساحة السلط الرئيسية، كما بنت الجامع الكبير الذي اعتبر اکبر مكان للتجمع الديني في المدينة، وقامت الدكاكين التجارية على جوانب الساحة الرئيسية التي تفرعت منها الشوارع الرئيسية.

ويرجع تاريخ مدينة السلط الى العصور القديمة، اذ كانت لها عدة أسماء عرفت بها على مر العصور منها أسم “جادورا” أو “جادارا” وقد ورد هذا الاسم لأول مرة في إحدى الوثائق الاشورية، الاسم الآخر “الصّلت” الذي أورده المؤرخ الشهير ابن الأثير، وأسم “السنط”، ويعتقد الباحثون الغربيون أن أصل هذه التسمية يعود للكلمة اللاتينية “سالتوس” التي تعني الغابة، والسنط أيضا هو أحد أنواع الأشجار وتنطبق أوصافه على شجر البلوط او السنديان المنتشر بكثرة في مختلف مناطق المدينة.

أما الاسم الحالي للمدينة “السلط” فقد ورد أول ذکر له عند الجغرافي ابن سعيد المغربي، ثم تبعه كثيرون من المؤرخين في استخدامه.

كانت مدينة السلط في العهد العثماني مركزا للقضاء المسمى باسمها، حيث يحده من الشمال نهر الزرقاء، ومن الجنوب وادي الموجب، ومن الغرب نهر الأردن، ومن الشرق طريق الحج الشامي (سكة حديد الحجاز المارة في عمان )، وتقدر مساحة قضاء السلط في تلك الفترة بعشرة الاف كيلو متر مربع.

تبعد مدينة السلط عن عمان 28 كيلومترا باتجاه الغرب، في حين تبعد عن القدس من جهة الشمال الشرقي نحو خمسين كيلومترا، بينما تبعد عن دمشق باتجاه الجنوب 240 كيلومترا، ويشكل جبل النبي يوشع أعلى نقطة ارتفاع عن سطح البحر وتبلغ 3595 قدما أي ما يعادل 1096مترا، حيث انه من قمة هذا الجبل يشاهد المرء منظرا رائعا نحو الغرب حيث يتراءى أمامه نهر الأردن من طبريا وحتى البحر الميت والتلال المحيطة بهما حتى جبل الشيخ في جنوب لبنان، في حين تصل أدنى نقطة ارتفاع تابعة للبلقاء الى 280 قدما.

تميزت مدينة السلط قديماً بأهمية كبيرة نظرا لوقوعها بالقرب من طريق الحج الشامي، حيث كانت ملتقى الحجاج الذين يأتونها من كافة المناطق المجاورة، في طريقهم الى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، قبل انجاز سكة حديد الحجاز، التي أصبحت تمر بمدينة عمان بعد عام 1908، وقد زاد مد سكة الحديد من أهمية السلط حيث كانت السكة تمر بالمناطق التي تتبع قضاء السلط.

وكان للسلط أهمية كبيرة ايضا كونها تقع على الطريق المؤدية الى مدن فلسطين التي ارتبطت في السلط ارتباطا وثيقا، حيث انعكست آثاره على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والعمرانية.

يشار الى ان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، قررت خلال دورتها الـ 44 المعقودة في الصين “افتراضياً” بتاريخ 27 تموز الماضي، الموافقة على إدراج مدينة السلط “مدينة التسامح والضيافة الحضارية” على قائمة التراث العالمي.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق