تساؤلات في شروط منح الجنسية للمستثمرين

يوسف منصور

أصدر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي تعديلاً لأسس منح الجنسية الأردنية للمستثمرين والإقامة عن طريق الاستثمار “لغايات تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار الخارجي”. وبقراءة سريعة لهذه التعليمات الجديدة نجد انها تخالف هذه الغايات بل إنها قد تضر بالاستثمارات ومحاولة جذبه.

حيث يتطلب منح الجنسية الأردنية للمستثمر إيداع وديعة بقيمة مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني دون فائدة، ولمدّة 3 سنوات، وعدم السّحب منها خلال هذه المدّة وشراء سندات خزينة بقيمة مليون دولار لمدّة 6 سنوات، بفائدة يحدّدها البنك المركزي الأردني، وذلك شريطة تواجد المستثمر داخل أراضي المملكة لمدّة لا تقلّ عن شهر قبل توقيع التوصية النهائيّة بمنحه الجنسيّة الأردنيّة.

هنا يأتي سؤال مهم: من أين أتى صانع هذه التعليمات بمبلغ مليوني دولار؟ هل عمل دراسة مقارنة مع دول أخرى تقدم الجنسية مقابل الاستثمار، وقارن بين ما تقدمه الأردن وتقدمه دول شبيهة؟  ولماذا يجب ان يودع المبلغ بدون فائدة ,لماذا يحدد البنك المركزي الفائدة بالنسبة للسندات؟ هل فارق الفائدة المفقود للمودع هو ثمن الجنسية؟ ألا يعلم واضع هذا اننا نبدو بذلك وكأننا نبيع الجنسية بالفائدة المتحققة؟ ألا يرسل مثل هذا الشرط الرسالة الخطأ للعالم؟ وإذا كانت الفوائد هي الغاية فحددوا قيمتها واطلبوها من المستثمر مباشرة وليدفعها ويتصرف هو بأمواله؛ يعني بالعامية بيعوه الجواز بسعر الفائدة من أولها.

ولماذا يجب ان يتواجد المستثمر قبل شهر من تقديم طلب الجنسية في الأردن؟ وهل سنطلب منه أن يثبت ذلك؟ ولماذا هذا الطلب أصلا—حذار فإننا نبدو كمجموعة بيروقراطيين سلطويين لا نرحب بأحد، وقد يكون في هذا شيء من حقيقة مرّة.

وما هي الحكمة أو العلم أو المعرفة أو الفهلوة المتبعة في تحديد هذه الشروط؟ هل أسعارنا للجنسية من خلال الاستثمار (الفائدة المتحققة للحكومة) تعتبر منافسة عالمياً وبالمقارنة بمن؟ ولماذا تكون بالدولار وليس بالدينار الأردني لنشجع الطلب من المستثمرين المقيمين هنا على عملتنا المحلية وخاصةً وان احتياط الأردن من العملة الصعبة بأعلى مستوياته ولسنا بحاجة لمزيد من الدولارات، كما وأن الدول التي تطلب هكذا شروط هي دول تحتاج الى دعم عملاتها أو تواجه عملاتها تقلبات كثيرة وهو ما يخالف الحال بالنسبة للأردن.

هناك شرط شراء أسهم أو حصص في شركات أردنيّة بمبلغ لا يقلّ عن مليون ونصف المليون دولار، على أن لا يتمّ التصرف بالحصص لمدّة لا تقلّ عن 3 سنوات، شريطة قيام دائرة مراقبة الشركات أو هيئة الأوراق الماليّة بوضع إشارة الحجز عليها!! ما الذي سيحصل للمستثمر في حال افلست الشركة؟ وهل من الممكن ان يكون هذا الشرط متحيزا ضد الشركات الناشئة والصغيرة، ويعزز للاستثمار في الشركات الكبيرة التي ليست بحاجة الى تمويل أو دعم أساسا؟ أليست سياستنا أن ندعم الشركات الصغيرة والمتوسطة؟ هل يدعم هذا الشرط توجهاتنا المعلنة؟ بالطبع لا.

 ثم يأتينا مبدأ منح جواز سفر مؤقت لمدة 3 سنوات عند إنشاء مشروع انتاجي برأسمال مال مدفوع لا يقل عن مليون دولار داخل حدود العاصمة، و750 الف دولار خارج حدود العاصمة، شريطة توفير 10 فرص عمل “حقيقيّة” للأردنيين..

هنا تحضرني استفسارات مهمة وهي، يجب ان يلتزم المستثمر ولمدة 3 سنوات بهذه الوظائف، وفي حال نقص العدد عن 10 ما الذي سيحصل؟ ولماذا التمييز ضد المحافظات الأخرى بطلب استثمار أقل فيها؟ هل هو بسبب صعوبة الحياة فيها بالمقارنة بالعاصمة فنمنح المستثمر إجازة بقيمة ربع مليون دولار وكأن الاستثمار ضريبة أو شيء مؤلم وغير مجزي؟ الاستثمار يا سادة لا يعامل كالضرائب، فلا تقتدوا بنموذج الضرائب. لقد فشلت الاجازات الضريبية في خلق بيئة جاذبة للاستثمارات في المحافظات.

أيضا من الممكن الحصول على الإقامة في المملكة ولمدّة 5 سنوات “بغضّ النظر عن مدّة إقامة المستثمر سابقاً في المملكة”، عند شراء عقار، وبقيمة لا تقلّ عن 200 ألف دينار (لم لا يكون بالدولار أيضا، لتشجيع الدولرة كما في أعلاه؟)، “حسب تخمين دائرة الأراضي والمساحة” (أي أن أي تخمين آخر لا يعترف به)، مع الاحتفاظ بالعقار مدّة لا تقلّ عن 5 سنوات دون الحق بالتصرف به أو رهنه (حتى الرهن ممنوع!!! ربما الاعتقاد السائد بأن نصابي الأرض سيصطفون للحصول على الجنسية…عيب والله)، كما ان حق الحصول على الإقامة ليس أتوماتيكيا حتى في هذه الحال، بل تصدر الإقامة بقرار من وزير الدّاخليّة وبناءً على توصية اللجنة الخاصّة بالمستثمرين، وحين الاخلال بأي شرط من الشروط السابقة يتم سحب الجنسية أو إلغاء الإقامة للمستثمر…يا سلام… العودة للمزيد من منح السلطات التقديرية للموظف الحكومي لنزيد من وتيرة الفساد… لماذا لا تكون كلها تلقائية؟

أيضا هناك تحديد للأولاد الذين يحق لهم الحصول على الجنسية، لماذا لا يستطيع الاب ان يمنح أبنائه الجنسية بما انه يمتلك جنسية؟

ولكن تتفنن التعليمات لأنه اذا كان الاستثمار يتجاوز الثلاثة ملايين دولار فيستطيع المستثمر ان يمنح أبنائه الذكور وليس “الاناث” ومن تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً الجنسية، هنا نسأل لماذا ليس الاناث؟ التمييز الجندري موجود حتى هنا؟؟؟؟

هنالك أيضا تعليمات تحدد ان لا يتجاوز عدد المستثمرين في السنة عن 500 مستثمر سنويّاً فقط، وان تجاوز العدد الى 600 مستثمر راغب بالجنسية، فهل نقول للبقية انتم طلقاء حاليا ولا يمكن استقبال استثماراتكم لأننا اكتفينا هذا العام، واذا كان المستثمر رقم 501 ملياردير كبير يريد ان يستثمر مئات الملايين هل ستقول له أيها المشجع للاستثمار انك لا تريد استثماراته؟ هل سنطرد المستثمرين في حال نجحت هذه الاستثمارات في جلب 500 مستثمر في العام!!!

في هذه التعليمات الكثير والكثير مما يوجع القلب ويجعل من هيئة تشجيع الاستثمار هيئة تنظيم او مراقبة للاستثمار بدلا من تشجيع الاستثمار، ويجعل من المستثمر شخص تحت المراقبة لسنوات عديدة، خاضع للتفتيش وزيارات وقرارات اللجان.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق