هيكل النفقات الرأسمالية في موازنة 2022

سلامة الدرعاوي

 

قدرت الحكومة نفقاتها الرأسمالية للعام المقبل بحوالي 1.551 مليار دينار، بزيادة نسبتها 43 % عن الفعلي في سنة 2021، وهي نسب نمو كبيرة، حتى بالأرقام المطلقة هي أيضا مبالغ لا يستهان بها في إحداث فارق تنموي واضح في المشهد الاقتصاديّ.
لكن مع كل هذه المبالغ تبقى تقديرات النموّ الاقتصاديّ في إطارها المتباطئ ولا تتجاوز بأحسن حالتها في العام القادم ما نسبته الـ2.7 % مقارنة مع 2 % للعام الحالي، والأصل أن تكون نسبة النموّ أكثر من المقدّر بكثير لأن المنطق يقول إن المشاريع الرأسمالية ستكون أكبر بنسبة 43 %، فما هو السبب في ذلك؟.
لعل السبب الرئيسي في عدم انعكاس زيادة مخصصات النفقات الرأسمالية على معدلات النموّ بالشكل المطلوب يعود لطبيعة تلك المشاريع ومدى جدواها أو قيمتها المضافة على الاقتصاد الوطنيّ، وان يكون لتلك المشاريع فاعلية مؤثرة في اتجاهات النموّ بالمشهد الاقتصاديّ.
المقصود بفاعلية المشاريع باتجاه النموّ أي أن لها قدرة على تحقيق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد الوطنيّ في حال تنفيذها، وهنا سيكون لها أثر إيجابي من حيث التشغيل للأردنيين، ودعم الصادرات الوطنيّة، واستيراد تكنولوجيا حديثة، وضخ العملات الصعبة للاقتصاد، وكُلّها عوامل مهمة في إطلاق الوصف الحقيقي لما يسمى بالمشاريع الرأسماليّة التي يجب أن تدرج في الموازنة العامة.
الملاحظ في توزيع مشاريع النفقات الرأسمالية أن 17 % منها موزع بين المحافظات والبلديات بقيمة إجمالية تبلغ 260 مليون دينار، وهي مبالغ كبيرة غير واضح فيها إذا ما كانت مشاريع اقتصاديّة استثماريّة وإنتاجية وتشغيليّة أم أنها شكل آخر من أشكال النفقات العبثية التي تضخ هنا وهناك دون تحديد هدف اقتصاديّ واضح فيها كما جرت العادة، لأنه في السنوات الماضية تم الضخ عن طريق الموازنة العامة ما يزيد على الـ200 مليون دينار في المحافظات سنويّاً دون إحداث أي فرق تنموي شهدته المحافظات أو المواطنون خاصة من الناحية التشغيليّة، فالبطالة تعصف هناك بشكل كبير.
أدرجت الحكومة في موازنة العام المقبل 274 مليون دينار لتنفيذ مشاريع أولويات عمل الحكومة (2021-2023)، وهو أيضا مبلغ كبير، لكن علينا ألا نعوّل عليه الكثير في دفع عجلة النموّ، فأولويات عمل الحكومة تبقى برنامجا تنفيذيا للوزارات مقيدا بإطار الموازنة العام، وكل ما حدث هو تجميع أعمال وبرامج وخطط الوزارات لثلاثة أعوام وإدراجها تحت عنوان أولويات عمل الحكومة، فهي ليست مشاريع أو خطة عمل خارج إطار الموازنة، بل هي في صميم مخصصات الوزارات، وبالتالي نجد أنها لا تحدث فرقا في معدّلات النموّ المقدرة بدليل أن توقعات النموّ للسنوات الثلاث موجودة ومرصودة قبل إشهار برنامج أولويات الحكومة.
واضح أن بند مشاريع النفقات الصحية رصد له مبلغ كبير يبلغ 110 ملايين دينار، مقارنة مع لا شيء في عام 2021، والمعروف أن هذه المشاريع في هذا القطاع الحيوي لا تساهم في رفع معدّلات النموّ بقدر ما تساهم في تعزيز الأمن الاجتماعيّ والرعاية الصحية.
من الأهمية بمكان أن تعاد أسس احتساب النفقات الرأسماليّة ورصد مشاريعها بالشكل الاقتصادي الصحيح، لأن ذلك يعطي صانع القرار الاقتصاديّ القدرة التوسعيّة على وضع فرضيات قريبة من الواقع، والتحكم في مؤشرات اقتصاديّة أخرى بعيدا عن المبالغات في الفرضيات، لأن الأسلوب الصحيح في الموازنة هو التحوط والاقتراب أكثر من الواقع في وضع المؤشرات وعدم المبالغة في التصورات النهائيّة، فالتصحيح السليم للموازنة هو إعادة النظر في البنود التي لا تحقق القيمة المضافة للاقتصاد، والنفقات الرأسماليّة للموازنة هي أهم تلك الفرضيات والمؤشرات التي بحاجة إلى المراجعة الفورية، ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو في كيفية إدراج مشاريع رأسمالية حقيقية لها القدرة على رفد النموّ وتحقيق الأهداف المرجوة من رصدها في الموازنة، وهذا التحدي لن يكون أمام الحكومة لوحدها بقدر ما على مجلس النوّاب أن يتحمل مسؤولياته الرقابية الماليّة على خطة الدولة للسنة القادمة.

الغد





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق