قمة بايدن حول الديمقراطية

د. موسى شتيوي

تعقد اليوم وغدًا قمة افتراضية حول الديمقراطية تشارك بها مائة دولة بدعوة من الرئيس الأميركي جو بايدن. الهدف المعلن لهذه القمة هو إيجاد تحالف عالمي للدفاع عن الديمقراطية وتجديدها باعتبار أن الديمقراطية الآن مهددة من قبل الدول السلطوية وتحديدًا الصين وروسيا على حد قول بايدن.
استعراض سريع للدول المدعوة المشاركة في القمة نستنتج من خلاله أن هناك عددًا كبيرًا من هذه الدول لا تصنف دولًا ديمقراطية حسب تصنيف فريدم هاوس وأخرى بنفس التصنيف لم تتم دعوتها. اللافت للانتباه أن منطقة الشرق الأوسط ممثلة بدولتين هما العراق وهي مصنفة دولة غير ديمقراطية حسب تصنيف فريدم هاوس وإسرائيل التي ما تزال تحتل الأراضي الفلسطينية وتمارس كل أشكال القمع والتمييز والاضطهاد الجماعي للفلسطينيين وتشكل التهديد الأكبر لدول المنطقة.
هذه القمة التي تقسم العالم إلى أبيض (ديمقراطي) وأسود (غير ديمقراطي) تتجاهل حقيقة أن الديمقراطية هي عملية وليست حالة بمعنى أن الديمقراطية في بلد ما يمكن أن تتقدم وتتطور والعكس صحيح يمكن أن تتراجع وما حدث في أميركا بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي ورده فعل ترامب وأنصاره خير دليل على ذلك.
منظمو هذه القمة يحاولون اقناع العالم بأن التهديد الحقيقي للديمقراطية اليوم يأتي من الصين وروسيا اللتين تصنفهما الولايات المتحدة كدول سلطوية متجاهلة تمامًا أن الديمقراطية هي شكل من أشكال النظم السياسية ولكنها ليس الشكل الوحيد وليس بالضرورة الأنجح في كل شيء وفي كل مراحل تطور الدول.
لذلك قد تكون هناك أسباب ودوافع كامنة خلف هذه القمة ودعوة مائة دولة فقط لهذه القمة واستثناء الباقي.
أولًا: من الواضح أن أحد أهم أهداف هذه القمة هو إعادة الولايات المتحدة لقيادة العالم بعد أن تراجعت هيبتها ومكانتها عالميًا على مدى العشرين عامًا الأخيرة. ففي الفترة الماضية، بدل أن تبدي الولايات المتحدة قيادة وقدوة في حل المشكلات العالمية سواء كانت سياسية كالقضية الفلسطينية أو حل مشكلة المناخ التي تهدد البشرية تركت هذه المشكلات تتأزم أو تتراكم مما أفسح المجال لدول أخرى.
ثانيًا: إن مشكلة أميركا مع الصين أو روسيا هي ليست حول الديمقراطية بل اقتصادية وجيوسياسية، فالصين تشكل أكبر منافس اقتصادي وتكنولوجي للولايات المتحدة وهي مرشحة أن تحتل المكانة رقم واحد عالميًا بعد عقد من الزمان وكذلك، روسيا بالرغم من أنها لا تنافس أميركا اقتصاديًا إلا أن استرداداها لعافيتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصعودها العسكري والسياسي أثرت على النفوذ الأميركي في مناطق كالشرق الأوسط على سبيل المثال وأيضًا في وسط آسيا وجنوبها. وبالتالي فإن هدف القمة قيادة تحالف كاف يعطي الذريعة للولايات المتحدة بالضغط على هذه الدول ومحاربتها اقتصاديًا وسياسيًا بشتى الوسائل وأهمها العقوبات الاقتصادية.
ثالثًا: على فرض التسليم بوجود تهديد خارجي للديمقراطية إلا أن التهديد الداخلي قد يكون أخطر. لقد انفلتت الرأسمالية من عقالها في العقود الثلاثة الماضية وازدادت اللامساواة الاجتماعية في العديد من البلدان الرأسمالية وتنامت مشاكل الفقر والبطالة والهجرة والتميز وغيرها من المشكلات التي بدأت تقوض الاستقرار الاجتماعي في العديد من هذه الدول مما أدى لصعود اليمين المتطرف والذي يعتبر التهديد الأكبر للديمقراطية.
رابعًا: التركيز فقط على الجوانب السياسية بالديمقراطية يتجاهل الدور المتصاعد للمؤسسات الاقتصادية كالشركات العالمية الكبرى ودور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الإدارة الاقتصادية لمعظم بلدان العالم الثالث والتي تعتبر أكبر تهديد للديمقراطية بهذه الدول لأنها تضغط لاتخاذ سياسات اقتصادية تفاقم من مشاكل الفقر والبطالة والمديونية والتي تعتبر أكبر تهديد للديمقراطيات الناشئة.
إن القمة من أجل الديمقراطية تعيدنا لأجواء الحرب الباردة والتنافس الاقتصادي والعسكري والذي ثبت بالتجربة مدى ضرره على الإنسانية بدلًا من العمل المشترك على حل القضايا التي تهدد الإنسانية جمعاء كجائحة كورونا والتغير المناخي والحرية وغيرها من المشكلات.
السعي للديمقراطية هدف نبيل تناضل من أجله الشعوب والغالبية من العالم تطمح إليها ولكنها بالوقت نفسه تناضل من أجل سد حاجاتها وتعليم أبنائها ورعايتهم صحيا. هل من الممكن الجمع بين الاثنين؟ بالتأكيد ممكن ولكن قد لا يكون على أجندة قمة الديمقراطية.

الغد





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق