خبراء: دعوات لزيادة الوعي بعدم إيذاء النفس

هلا أخبار – دعا مختصون إلى تقديم الدعم الديني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعنوي، لكل من تظهر عليه نوازع انتحارية لإنهاء حياته أو إيذاء نفسه.

وشددوا على ضرورة توفير البيئة الحاضنة المساندة، وتعزيز الثقة بالنفس والحوار البناء بين الأفراد، والاستماع لمشكلات وهموم الأبناء، والتربية الصالحة والتواصل الدائم ضمن الأسرة الواحدة، والتكافل الاجتماعي ضمن المجتمع الواحد.

الناطق الإعلامي باسم دائرة الإفتاء العام الدكتور حسان أبو عرقوب، قال إن من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله قتل النفس بغير حق، ولو نفسَه، لأن نفس معصومة، ويحرم على الإنسان قتل نفسه، كما يحرم عليه قتل غيره بغير حق، وفقا لقوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، إضافة إلى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).

ويرى أستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي الدكتور سالم ساري، أن الانتحار مشكلة اجتماعية إذ يهدد فعل الانتحار الوجود الجمعي الذي يرى أن الحياة الإنسانية مسؤولية اجتماعية، وقيمة عليا يعمل المجتمع السوي للحفاظ عليها وليس العبث بها أو إهدارها.

وأضاف أن تكرار حدوث الانتحار يشير إلى خلل في بناء المجتمع ويدق ناقوس الخطر بتعثر روابطه وعلاقاته وتفاعلاته.

وقال: “علينا أن نفرّق بين الانتحار الفعلي (المكتمل)، ومحاولة الانتحار (غير المكتمل)، و(معجلات الانتحار) أو ما يمكن أن نسميه “فانتازيا الانتحار” أو”أوهام ما قبل الانتحار”، حيث تسيطر على الفرد المقدم على الانتحار أفكار وهواجس ورؤى تزيّن له الفعل، وتحمله على الاعتقاد بأنه سيحظى بعد مماته بكل ما فقده في حياته (من كرامة واعتراف، أو رعاية واهتمام ربما ليس أقلها الاهتمام الإعلامي)”.

وتابع أنه في حين يذهب باحثو مشكلة الانتحار عادة بصور متباينة إلى تفسيرات نفسية ذاتية داخلية (متصلة بالفرد الفاعل نفسه) من تفكك في الشخصية، واضطراب في الذهنية، فيشيرون إلى عجز وفشل، واكتئاب واضطراب.. إلخ، إلّا أن باحثي علم الاجتماع يذهبون إلى تفسيرات اجتماعية اقتصادية سياسية (مجتمعية موضوعية ضاغطة موجودة خارج نطاق الفرد) فيشيرون إلى: ضعف الوازع الديني، وضعف التكامل الاجتماعي وقلق الهوية والانتماء، والانتعاش الاقتصادي المفاجئ والهبوط الاقتصادي المفاجئ، وتقلبات الأسعار ومتطلبات مستويات المعيشة، وتراجع التوقعات والحريات والطموحات.

وزاد ساري “تسود مجتمعنا الأردني المتغير بصورة واضحة ثقافة مجتمعية مستجدة -غريبة تماما على الجيل الأكبر سناَ- ويمكن تسميتها “ثقافة الشكوى والتذمر” حيث لا يتردد غالبية الناس من المجاهرة بالشكوى والتذمر من كل شيء، ابتداء من الفقر والبطالة والغلاء وانتهاء بازدحام السير وتقلبات الجو”.

وقال إن هذه الثقافة تعد بيئة مثالية للانتحار، تقدم للمنتحر مرجعية التبرير والتفسير، ولأن الانتحار ذو “طبيعة معدية”، فإنها تقدم لغيره إغراء العدوى والتقليد!، مشيرا إلى أن الفرد لا ينتحر (وحتى لا يمرض) إلاّ في فراغ نفسي واجتماعي محيط – حيث تفاهة المعنى والرمز والدلالة، على حد تعبيره، وأن المواطن المرتبط بعمق، بقضية مجتمعية سياسية كليّة، فلا ينتحر، ولا حتى يمرض!!.

وقال المحامي صخر الخصاونة إن المشرع الأردني عدل أحكام الانتحار بموجب مشروع القانون الذي قدم إلى مجلس الأمة، حيث نصت المادة 26 منه المعدلة لأحكام المادة 293 بمقابلة الشروع بالانتحار في المكان وحددت عقوبة الحبس لمدة ستة أشهر و/ أو الغرامة المالية بمقدار 100 دينار.

وأضاف يبدو أن المشرع قد سار على فكرة عقوبة من يحاول الانتحار بقصد لفت الأنظار، حيث شدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي، ولا تعد جريمة الشروع في الانتحار إذا كانت بمكان خاص ويستفاد من هذا كله أن المشرع حاول محاربة من يدعي الانتحار بقصد لفت الانتباه.

ولفت إلى أن أي شخص يقدم على الانتحار كأنه يعاني أمراضا نفسية، فإذا ثبت أن المرض النفسي يؤثر على سلامة القوى العقلية فإنه وفقا للمبادئ العامة في قانون العقوبات المادة 92، الفقرة (1) منه تنص على “يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلا أو تركا إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزا عن إدراك كنة أفعاله أو عاجزا عن العلم بأنه محظور عليه ارتكاب ذلك الفعل أو الترك بسبب اختلال في عقله.

ونصت الفقر (2) منه : “كل من أعفي من العقاب بمقتضى الفقرة السابقة يحجز في مستشفى الأمراض العقلية إلى أن يثبت بتقرير لجنة طبية شفاؤه وأنه لم يعد خطرا على السلامة العامة”.

ومعيار المرض النفسي أو العقلي هو عدم إدراك كنة الأفعال وهذا يثبت بتقرير طبي صادر عن الجهات الرسمية.

وأضاف أن المشرع بتعديل نص المادة 25 مكرر يمكن للقاضي أن يستبدل العقوبات السالبة للحرية بعقوبات مجتمعية ومنها المراقبة المجتمعية بمعنى الزام المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه وتحسينه.

وقال اختصاصي الطب النفسي وعلاج الإدمان دكتور منتصر الحياري إنه وحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية فإنه يموت شخص واحد في العالم كل 40 ثانية بواسطة الانتحار أي أكثر من 700 ألف وفاة سنوياً، لافتا إلى أن ثلاث أرباع حالات الانتحار تكون في الدول ذات الدخل القليل والمتوسط.

وأضاف أن أهم عوامل الخطورة هي محاولات الانتحار السابقة لدى الشخص من ناحية الاضطرابات النفسية، فإن معظم حالات الانتحار ترتبط بالاضطرابات النفسية حيث إن أكثر من نصف المنتحرين كانوا يعانون الاكتئاب النفسي الذي يضاعف خطورة الانتحار بحوالي 25 مرة، وإن وجود أي اضطراب نفسي آخر مثل اضطرابات القلق والذهان واضطراب استخدام المؤثرات العقلية واضطرابات الأكل يزيد من خطورة الانتحار.

وبيّن أن الصعوبات المادية والظروف الاجتماعية والعائلية السيئة والتعرض للإيذاء بأشكاله المختلفة، والأمراض الخطيرة أو المزمنة والآلام المستمرة كلها تزيد من خطورة الانتحار.

وأشار الحياري إلى أن المنتحر يكون عادةً وصل إلى حالة من اليأس الشديد وفقدان الأمل ولا يرى أمامه فرصة لتحسن حالته أو الظروف المحيطة ما يدفعه إلى ارتكاب هذا الفعل، وعادةً ما يكون قد استنجد وطلب المساعدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قبل أن يقدم على الانتحار، إذ إن أكثر من 50 بالمئة من المنتحرين عالمياً طلبوا المساعدة الطبية في الستة أشهر الأخيرة قبل الانتحار. (بترا)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق