لا واقعية ولا منطقية ولا وطنية مملكة فلسطين الهاشمية

العين الدكتور محمد حسين المومني

تخرج بعض التحليقات الفكرية، بأطروحات منفصلة تماما عن الواقع، تقترح حلولا للقضية الفلسطينية.

هي أطروحات غير واقعية ولا منطقية، تنحاز بشكل مفرط لصالح طرف من أطراف النزاع، وهو بهذه الحالة ليس إسرائيل، وإنما فقط اليمين المتشدد الإسرائيلي.

آخر هذه التحليقات، القول إن الحل أن تقوم المملكة الأردنية الهاشمية بضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك للتعامل مع قضية اللاجئين، حيث الاستفادة من رصيد الدولة الأردنية لحل النزاع.

هكذا طرح لا يتعارض فقط مع حقائق الميدان، ولكنه يصطدم مباشرة مع المشروع الوطني الفلسطيني، الذي بات إحقاق الدولة وعاصمتها القدس الشرقية جوهره الأساسي، ويتعارض مع مصالح الدولة الأردنية الاستراتيجية السيادية العليا، التي تعتبر قضايا الحل النهائي من حدود ولاجئين والقدس، قضايا تعني الأردن بقدر ما تعني الفلسطينيين والإسرائيليين، وتتحقق فقط بقيام الدولة الفلسطينية.

المتتبع لتطور النزاع منذ مؤتمر بازل، الذي اتخذ القرار بإقامة دولة للأقليات اليهودية بالعالم لكي يكونوا أغلبية ويدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم، يجد أنه منذ ذلك المؤتمر، تمحور حل النزاع حول ضرورة إيجاد كيانين سياسيين للفلسطينيين والإسرائيليين.

أحداث كثيرة جرت، واقتربنا أحيانا وابتعدنا أخرى من ذلك، لكن الإجماع الدولي والعربي والإسرائيلي ما يزال مع منطقية وبراغماتية بل وحتمية حل الدولتين.

حتى وحدة الضفتين التي حدثت العام 1950، كان دافعها الأساس منع إسرائيل من التوسع أكثر بعد أن أعلنت ذاتها على
72 % من الأراضي، متجاوزة ما نص عليه قرار 181.

صحيح أن إسرائيل احتلت الضفة الغربية من الأردن العام 1967، لكن مياها كثيرة جرت بعد ذلك، تجاهلها يجافي المنطق، وليس من الحكمة في شيء.

العرب جميعا قرروا في مؤتمر الرباط العام 1974 أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ليست فقط ممثلا شرعيا، ولكن أيضا الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وبقي العالم وإسرائيل يقاومان هذه الحقيقة ويعتبران المنظمة إرهابية، إلى أن فاوضاها في مدريد وقبلاها قائدا للسلطة الفلسطينية، فانتقلت من تونس إلى رام الله.

كما أن الأردن، وفي معرض رغبته في تعزيز استقلالية الهوية الفلسطينية، اتخذ قراره التاريخي بفك الارتباط الإداري والقانوني العام 1988، في تهيئة لعملية مدريد ولتعزيز الهوية والاستقلال الفلسطيني.

وكان الأردن والفلسطينيون حريصين أن يؤكد اتفاق الوصاية والرعاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، الذي وقع العام 2013، أن السيادة للفلسطينيين وليس لأي جهة أخرى.

كل ذلك جرى لعلم الجميع، أن الشعب الفلسطيني يريد ذاته السياسي مستقلا، ويريده على ترابه الوطني، ولو عرضنا عليه سويسرا، بل ومكة والمدينة، فلن يقبل بغير أرضه التي رضي أن تكون على خطوط الرابع من حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

تجاهل ذلك انسلاخ عن الواقع، ويتجاهل حقيقة دامغة مفادها بأننا في مفاوضات كامب ديفيد العام 2000، وجدنا حلولا لكل قضايا الوضع النهائي، وبموافقة ياسر عرفات ذاته، بما فيها قضية اللاجئين، إذ قبل الجميع أن حلها يكون بقيام دولة فلسطينية وليس بضم أراضي الضفة للأردن.

الخلاف في العام 2000 الذي أدى لانهيار المفاوضات كان القدس وليس اللاجئين.

ثم إن طرح مملكة فلسطين الهاشمية يتعارض كذلك مع مصالح إسرائيل إذا ما قيمناها بواقعية، فالأردن فعليا سيصبح بديل فلسطين، وهذه وصفة من عدم الاستقرار، لأن غالبية شعبه ستنظر له أنه اختطف حلمهم التاريخي بقيام دولتهم الفلسطينية.

هذا ما لا يريده أو يفعله الأردن، كما لا يريده الفلسطينيون، حتى لو أجبر كلاهما على ذلك بقوة السلاح، فالأردن لن يقبل أن يكون بديل الاحتلال الإسرائيلي، وأن يجهز على المشروع الوطني الفلسطيني.

تقديم المساعدات ومنح أولوية للعمالة الأردنية إذا ما ضمت فلسطين، واللعب على وتر صعوبات الأردن الاقتصادية، ليس إلا أوهاما غير وطنية أثبت التاريخ أنها سراب واهن، تتحطم أمام معادلات استقرار الدول وسيادتها.

حتى إسرائيل، وجل يمينها ذاته، غادرت هذه المطالب لأنها منسلخة عن الواقع، وتهديد لمصالح أهم دولة استراتيجيا لإسرائيل وهي الأردن.

اليميني المتشدد أرييل شارون انسحب أحاديا من غزة، وكان على وشك فعل ذلك بالضفة، ليس حبا بالفلسطينيين، وإنما لقناعته السياسية أن استمرار التشابك ديمغرافيا مع الضفة وغزة سوف يؤدي لحل الدولة الواحدة وهذا انتحار لإسرائيل.

أما بنيامين نتنياهو، فهو أيضا غادر هذه العقلية لعلمه أذيتها للجارة الأردن، ورغم أن هذا الأخير يمثل الأنموذج الأسوأ للشعبوية السياسية، والأردن يمقته سياسيا، لكنه لم يتجاوز الحد بتقديم اقتراحات تطالب الأردن بحل القضية على حساب سيادته ومصالحه واستقراره، لعلمه باستحالة ذلك.

حل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، يبقى الحل الأمثل لجميع الاطراف، لذلك ومع كل المعيقات الميدانية والسياسية التي تقف بطريقه، يبقى الحل الأكثر عقلانية ومنطقية، وجوهر المشروع الوطني للفلسطينيين، ومصلحة حاسمة للأردن، وهو كذلك لإسرائيل، لأن بديله حل الدولة الواحدة، إسرائيل، التي ستكون دولة بقوميتين، إسرائيلية وفلسطينية، وعندها سيكون أمام اسرائيل خيار إما أن تصبح دولة فصل عنصري، أو أن تتلاشى لصالح الأغلبية الفلسطينية بالوسائل الديمقراطية.

اختلال ميزان القوة لصالح إسرائيل لا يعني أن الآخرين منعدمو التأثير، والمتتبع لتطور الصراع يرى أن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وأنها منذ مدريد تتكبد خسائر دولية متتابعة وينحصر مدى قبولها ودعمها دوليا، وذلك لأن الطرف الآخر يطور استخدام أدوات مقاومته غير العسكرية المهمة والمؤثرة، ويستمر بحصد مزيد من التعاطف الدولي على حساب إسرائيل.

الهدف واضح، وهو إحقاق الهوية الوطنية الفلسطينية في الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني، ولا بديل عن ذلك.

منطق القوة متغير متطور، فلم تعد الغلبة العسكرية أداته الوحيدة أو الحاسمة، خاصة في حالة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أطروحات حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن تعد مساسا مباشرا بمصالحه الاستراتيجية العليا، وهو أمام هذه الأطروحات سيوظف أقصى أدواته المتعددة والمؤثرة بما يمنع أي جهة من حل هذا النزاع على حساب استقراره ومصالحه.

الفلسطينيون شعب الدولة الفلسطينية القادمة، وليسوا جزءا من أي دولة أخرى كائنا ما كانت، والدولة الفلسطينية ستقوم، وتكون بحدها الأدنى دولة قابلة للحياة وقادرة على منح الجنسية، وحظا طيبا أن تجد أي أردني أو فلسطيني يقبل بغير ذلك أو لا يقاتل لآخر رمق دفاعا عنه.

 

الغد






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق