ما هي حروب العملات وما تأثيرها على الاقتصاد؟

تحدث حرب العملات عندما يتجه البنك المركزي لدولة ما نحو سياسات نقدية تحفيزية لتخفيض قيمة عملتها المحلية بشكل متعمد، تسمى هذه الإستراتيجية أيضًا بخفض قيمة العملة التنافسية.

جاء مصطلح “حرب العملة” من قبل وزير المالية البرازيلي “جويدو مانتيجا” في عام 2010، حيث كان يصف التنافس بين الولايات المتحدة والصين واليابان، عندما بدا أن كل طرف يريد خفض قيمة عملته، في الوقت الذي كانت فيه عملة البرازيل تعاني من ارتفاع قياسي في القيمة النقدية، مما يضر بنموها الاقتصادي.

الهدف من حرب العملات

تخوض الدول حروب العملات من أجل أن تحصل على ميزة تنافسية في التجارة الدولية، فعندما يخفضون قيمة عملاتهم فإنهم يجعلون صادراتهم ذات تكلفة منخفضة في الأسواق، وبالتالي تقوم الشركات بتصدير المزيد وتصبح أكثر ربحية وتساعد على تخلق وظائف، وذلك يُحسن من النمو الاقتصادي للدولة.

تشجع حروب العملات أيضًا على الاستثمار في الأصول التابعة للدولة، حيث يصبح سوق الأوراق المالية بتكلفة أقل بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وكلما تزايدت حجم الاستثمارات الأجنبية بسبب التكلفة الرخيصة نسبيًا  للأعمال التجارية ارتفع النشاط الاقتصادي للدولة. 

كيف تعمل؟

عادةً يتم تحديد سعر صرف العملة لدولة ما أمام عملة أخري عند التبادل بين الدول، في حرب العملات تقوم الدولة بخفض قيمة عملتها أمام الأخرى بطريقة متعمدة، في الغالب يتم تحديد أسعار عملات الدول أمام الدولار الأمريكي في سوق تداول العملات الأجنبية لأنها العملة الاحتياطية العالمية.

يتم خفض قيمة العملة مع خلال زيادة المعروض النقدي، وبالتالي عندما يزداد مستوى المعروض بأكثر من مستوى الطلب للعملة تتراجع قيمتها.

لدى البنوك المركزية الكثير من الأدوات لرفع مستوى المعروض النقدي من خلال توسيع الائتمان، ويتم ذلك عن طريق تخفيض سعر الفائدة للقروض داخل البنوك والتي تؤثر على القروض للمستهلكين، يمكن للبنوك المركزية أيضًا إضافة ائتمان إلى احتياطي البنوك الوطنية، هذا هو المفهوم الكامن وراء عمليات السوق المفتوح والتيسير الكمي.

تستطيع الدول أيضًا خفض قيمة عملتها عن طريق السياسة المالية التحفيزية، وذلك من خلال توسيع حجم الانفاق أو تخفيض الضرائب، ومع ذلك غالبًا ما تُستخدم السياسات المالية التوسعية لأسباب سياسية وليس الهدف هو حرب العملات.

الولايات المتحدة وحرب العملات

لا تقوم الولايات المتحدة بخفض قيمة عملتها “الدولار الأمريكي” عمدًا، لكنها تلجأ عادةً لاستخدام السياسات النقدية والمالية التحفيزية التي لديها نفس الأثر، على سبيل المثال: زيادة الانفاق تزيد من حجم العجز بسبب الدين بما يُشكل ضغط تراجعي على الدولار الذي يجعله أقل جاذبية للاحتفاظ به. 

في الفترة ما بين عام 2008 وعام 2014، قام البنك الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة قريبة من مستوى الصفر، مما أدى إلى زيادة الائتمان والمعرض النقدي، كما خلق ضغطًا هبوطيًا على الدولار.

لكن الدولار احتفظ بقيمته على الرغم من هذه السياسات التوسعية، نظرًا للدور الفريد للدولار كعملة احتياطية في العالم، حيث يميل المستثمرون إلى شرائه خلال الأوقات الاقتصادية المضطربة كملاذ آمن، على سبيل المثال: تسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط بين عامي 2014 و 2016 في ركود صغير، وتدفق المستثمرون على الدولار مما تسبب في ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 25%.

حرب العملة الصينية

تتحكم الصين في قيمة عملتها “اليوان”، حيث قام بنك الشعب الصيني بربطه بشكل فضفاض بالدولار، إلى جانب مجموعة من العملات الأخرى، وحافظت الحكومة الصينية على بقاء اليوان ضمن نطاق محدود بحوالي 6.20 يوان / دولار.

وقد فاجأ بنك الصين الشعبي الأسواق بخفض قيمة اليوان إلى 6.3845 يوان في 11 أغسطس 2015 من أجل الحصول على ميزة تنافسية، وفي 6 يناير 2016 تراجعت الحكومة عن سياساتها والتحكم في قيمة اليوان بشكل نسبي كجزء من برنامجها للإصلاح الاقتصادي في البلاد.

ولكن في عام 2017 هبط اليوان إلى أدنى مستوياته في 9 سنوات، ولكنها لم تكن في حالة حرب عملات مع الولايات المتحدة، ولكن السبب هو محاولة لتعويض مكاسب الدولار الأمريكي.

وقد حقق اليوان ارتفاع بنحو 25% عندما شهد الدولار الأمريكي ارتفاع بين عام 2014 و 2016، لتصبح صادرات الصين أكثر تكلفة من تلك القادمة من دول غير مرتبطة بالدولار، لهذا كان عليها أن تخفض سعر الصرف لتظل قادرة على المنافسة، بحلول نهاية العام مع انخفاض قيمة الدولار سمحت الصين لليوان بالارتفاع.

حرب العملات اليابانية

صعدت اليابان إلى ساحة معركة حرب العملات في سبتمبر 2010، وذلك عندما قامت الحكومة اليابانية ببيع حيازاتها من عملتها “الين الياباني” لأول مرة منذ 6 سنوات، وكان ذلك كرد فعل على ارتفاع قيمة الين الياباني إلى أعلى مستوياته منذ عام 1995، والذي يعتبر تهديدًا للاقتصاد الياباني الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات.

كان الين الياباني في ارتفاع لأن أغلب الحكومات الأجنبية الأخرى كانت تستخدم الين كعملة آمنة نسبيًا، بعدما  انتقلوا من منطقة اليورو تخوفًا من تراجع قيمة اليورو بسبب أزمة الديون اليونانية، في نفس الوقت، كان هناك قلق أساسي من الدولار الأمريكي نظرًا للديون الأمريكية غير المستدامة، لذلك ابتعدت الحكومات عن الدولار في ذلك الوقت.

ورأي أغلب المحللين أن الين الياباني سيواصل الصعود برغم تدخل الحكومة لمنع هذا، وذلك بسبب تداول العملات الأجنبية (فوركس) وليس بسبب العرض والطلب.

تداول الفوركس له تأثير كبير على الين الياباني والدولار الأمريكي واليورو مقارنة بقوى السوق التقليدية، بمعني أن الحكومة اليابانية يمكنها إغراق السوق بالين في محاولة لخفض قيمتها، ولكن إذا استطاع متداولي الفوركس تحقيق ربح من الين فيستمرون في المزايدة عليه، مما يحافظ على ارتفاع قيمة العملة.

قبل الأزمة المالية لعام 2008 تسبب متداولو الفوركس في مشكلة معاكسة عندما أنشأوا تجارة المناقلة بالين، حيث اقترضوا الين بمعدل فائدة 0%، ثم اشتروا سندات الخزانة الأمريكية بالعملة المقترضة التي كان لها معدل فائدة أعلى، اختفت تجارة الين الياباني عندما خفض البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى الصفر.

الاتحاد الأوروبي

في عام 2013 بدأ الاتحاد الأوروبي في الدخول في حرب العملات، حيث أراد الاتحاد الأوروبي في زيادة حجم صادراته لمحاربة التباطؤ الاقتصادي، وقام البنك المركزي الأوروبي بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى 0.25% في نوفمبر 2013، أدى هذا الإجراء إلى دفع سعر اليورو إلى مستوى 1.3366 دولار.

وفي عام 2016 تراجعت قيمة اليورو بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث صوت سكان المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، عندما هبط الدولار الأمريكي في عام 2017 سجل اليورو ارتفاعًا.

كيف تؤثر علينا؟

حروب العملات تُخفض أسعار الصادرات وتحفز النمو الاقتصادي، لكنهم أيضًا يجعلون الواردات ذات تكلفة عالية، وهذا يضر المستهلكين ويزيد من التضخم، علي سبيل المثال: في عام 2010 أثرت حرب العملات بين الولايات المتحدة والصين سلبًا على أسعار المواد الغذائية.

تشتري الصين سندات الخزانة الأمريكية للحفاظ على انخفاض قيمة عملتها، يؤثر هذا على معدلات الرهن العقاري في الولايات المتحدة من خلال إبقائها منخفضة، مما يجعل قروض الإسكان في المتناول، وذلك لأن سندات الخزانة تؤثر بشكل مباشر على أسعار الفائدة على الرهن العقاري، يتعين على البنوك خفض معدلات الرهن العقاري عندما تنخفض عوائد الخزينة أو تخاطر بخسارة المستثمرين.

التضخم

حروب العملات تخلق تضخمًا، لكنها ليست كافية لتؤدي إلى العنف كما ادعى البعض، كان المضاربون على السلع سببًا لأعمال الشغب بسبب الغذاء عام 2008، مع تداعيات الأزمة المالية العالمية على أسعار أسواق الأسهم هرب المستثمرون إلى أسواق السلع.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار النفط إلى مستوى قياسي بلغ 145 دولار للبرميل في يوليو، مما دفع أسعار الغاز إلى 4 دولارات للغالون، انتشرت فقاعة الأصول هذه إلى أسواق القمح والذهب والعقود الآجلة الأخرى ذات الصلة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بشكل كبير.

من غير المحتمل أن تؤدي حرب العملة التالية إلى أزمة أسوأ من تلك التي حدثت في عام 2008، ولكن يشير البعض إلى عدة مؤشرات على أن إحداها وشيكة الحدوث لكن انخفاض الدولار ليس انهيارًا، لا يمكن أن ينهار الدولار إلا إذا كان هناك بديل قابل للتطبيق لدوره كعملة احتياطية للعالم.

أدت حروب العملة إلى ضوابط على رأس المال في الصين، لكن هذا لأنه اقتصاد موجه، من غير المحتمل أن يحدث ذلك في اقتصاد السوق الحر مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ولن يقف الرأسماليون مع ذلك.

يشير المثيرون للقلق أيضًا إلى عمليات الإنقاذ التي حدثت في اليونان وأيرلندا لا علاقة لها بحروب العملة في الاتحاد الأوروبي، بدلاً من ذلك، كانت أزمة ديون منطقة اليورو ناتجة عن المقرضين المتحمسين الذين وقعوا في أزمة عام 2008.





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق