الوطن أكبر منا جميعا

د. عبدالمهدي القطامين

حين تندلع المواجهات الفيس بوكية لتطال هذا الشخص او ذاك وهذا المدير او ذاك وهذه الجهة او تلك وحين تطحن الات وسائل التقاطع الأجتماعي وتضرب بعنف لا يرحم فأن للوطن قلب يخفق تماما كما تخفق قلوبنا وخاطر يكسر تماما كما تكسر خواطرنا وحزن يجتاح مكامن الخوف والرعب والحقد …

الوطن يا سادتي ليس ثوبا فنخلعه ولا معطفا فنطويه ولا كرسيا نتمرجح عليه ولا لعبة فنكسرها مثلما يكسر الاطفال العابهم ولا نزوة نفعلها ونتوب بعدها ولا هدفا فنصوب عليه رصاص بنادقنا وغث كلامنا وقيح احقادنا .

الوطن يا سادتي هو مبتدانا ومنتهانا هو صرختنا الاولى وحشرجتنا الاخيرة هو بعض خوفنا عندما ولجنا المدارس صغارا نتأبط كتبنا وقرطاسيتنا نقف باجلال امام المعلم نلثغ في حرف السين وترتج اقدامنا خوفا من مجهول قادم .

الوطن يا سادتي هو ذلك الحبل السري الذي تستأصله الام وتدفنه في التراب تزرعه لينمو ويكبر ويصبح عنوانا للذاكرة وامتدادا لحياة اخرى قادمة .

الوطن يا سادتي ليس كمشة تراب نطأها ونمشي ولا ارضا ندوسها ونمضي ولا صورة نعلقها على الجدار …الوطن هو حيث نوسد رؤوسنا فنسمع دقات قلبه ونسمع همسه ونلمس مواجعه وعتابه  حين يضيق ذرعا بما نفعل فلا يغضب ولا يرغي ولا يزبد بل يضمنا لصدره ويهتف …يا هلا بربعي وعزوتي .

الوطن يا سادتي هو جمل المحامل هو الصبور حين ينفد الصبر هو الحنون حين تجف العواطف وهو الاول والاخر وهو الذي اذا وقع كثرت سكاكينه فحذار حذار .

لقد عشنا وعاش وطننا منذ نشأته على شفا جرف هار ينتظر الأصدقاء قبل الأعداء متى نهوي الى مستقره البعيد …. انها لعبة الفوضى غير الخلاقة تطل برأسها بعد ان نظرو اليها طويلا فوضى تطيح بالثوابت وتزعزع المستقر وتوصل الناس الى اليأس …. اليأس من الحياة واليأس من الوطن واليأس مما فيه تلك هي الخطوة الأولى لتصفية الوطن الموزعة دماءه بين القبائل والقوى ، كل يريد منه كتفا ومغنما ، وسط استقطاب وهمي وسياسة مرسومة.

لقد ضار البعض ان هذا الوطن الصغير حجما الكبير انفة وعزة وكبرياء ….. ضارهم انه ظل صامدا منذ نشأته عصيا على مؤامراتهم فجاءوا على غفلة من اهله وسط جوع وتيه وعدم يقين وفقدان ثقة جاءوا على قميصه بدم كذب وارادوا ان يلقوه في الجب ثم يصرخون : لقد اكله الذئب ونحن عنه غافلون .

فالله الله أيها الأردنيون في وطنكم ، فأن الخبيث يطرده الطيب ، وان طغمة الفساد زائلة وانه لا يصح الا الصحيح ، وصحيحنا هو ان نرى الوطن معافى من كيدهم ان نراه مثل دم الشهداء مقدسا عزيزا غاليا …. ان نراه مثل اقحوانة في وسط صحراء…. ان نراه ابيا لا يهاب…. ان نراه ونسمع نبضه يسري في شريان القلب…. عضوا عليه بالنواجذ أيها الأردنيون حتى وان جعتم فثمة امل يلوح لا تتركوه وحيدا في مهب الريح يصارع قدره وحده….. هو ذاته أيها الأصدقاء الذي عرفناه صغارا كنا نشاكسه ونلثم ثراه كنا نخبئه بين الآه واللآه …. كنا نغار من النسائم ان هبت تداعب خصلات شعره نضمه الى الصدر المعنى ويضمنا الى صدره الموله .

هو ذاته حتى ولو علقت بأهدابه بعض اشواك الفساد …. هو ذاته حتى ولوبتنا به بغير عشاء ….. هو اول العشق ومنتهاه …. هو اول من رآنا وآخر ما نراه ، ونهتف في حالكات الليالي : اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه.

فيا أيها الأصدقاء قولوا لهم لن تمروا من هنا …. فهنا كانت مؤتة وحد الدقيق وحطين والكرامة …. هنا كان جعفر وزيد وعبدالله …. هنا كان الحارث الرابع وصلاح الدين وشرحبيل والحارث بن عمير وحابس وكايد ومنصور…. هنا رائحة دم الشهادة المعطرة بنجيع لأراض ولن نخذل دماءهم الفواحة في عنان السماء لعيون فوضى غير خلاقة ، فوضى تبدد امننا وتحيله الى َسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً.





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق