متغيرات اقتصادية عالمية تستوجب مراعاتها محليا

النائب خير أبو صعيليك

عزز الدولار الامريكي ارتفاعاته المتتالية بفعل السياسة النقدية المتشددة التي يفرضها المجلس الاحتياطي ‏الفيدرالي الامركي ، حيث وصل الدولار لاعلى مستوى له منذ 20عاما” مقابل العملات الرئيسية الاخرى ‏و خاصة اليورو و الين الياباني و الجنيه الاسترليني والذي هبط لادنى مستوى له منذ العام 1985 مؤشرا” ‏على ازمة هيكلية يعاني منها الاقتصاد البريطاني اضطرت معها رئيسة الوزراء المعينة حديثا” ليز تراس ‏لبحث خطة للتخفيض الضريبي ما لبثت ان تراجعت عنها بعد انتقادات حادة.‏

من الواضح ان جهود الفيدرالي الامريكي في كبح جماح التضخم من خلال الرفع المتكرر لسعر الفائدة لن ‏تؤدي الى نتائج كاملة ، والسبب في ذلك ارتفاع كلف الطاقة و ما رافق ذلك من اضطراب ضخ الغاز ‏الروسي في الخط الناقل نوردستريم.‏

لقد فرضت الاضطرابات الجيوسياسية بين روسيا و اكرانيا توترات بالغة الاهمية على السوق الاوروبي ‏ومن ثم على سلاسل التزويد العالمية ومن المؤكد ان هذه الاضطربات وما تبعها من مواقف سياسية ‏ستسغرق وقت طويل حيث لا يلوح في الافق القريب بوادر حلول سياسية.‏

لكل ما سبق فان التوقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي او الدخول في حالة ركود لها ما يبررها وهو ‏ما عزز قلق المستثمرين بخصوص محافظهم في الاسواق العالمية.‏

ماذا يعني ربط الدينار الاردني بالدولار الامريكي ؟

لعبت سياسة البنك المركزي الاردني المتمثلة بربط الدينار الاردني مع الدولار الامركي منذ اكتوبر- ‏‏1995 دورا” كبيرا” في تعزيز الاستقرار النقدي المحلي و النأي عن تذبذب الايرادات و علميات ‏المضاربة التي قد يتعرض لها الدينار، ولا يجد البنك المركزي الاردني مناصا” من اللحاق و متابعة رفع ‏سعر الفائدة على الدينار تماشيا” مع قرارات الفيدرالي الامريكي و السبب المباشر في ذلك منع عملية ‏الدولرة و المحافظة على جاذبية الدينار كاحد ادوات الادخار.‏

غير ان الاثار السلبية لهذا الربط تتمثل في الحد من قدرة الحكومة على تحقيق النسبة المستهدفة للنمو في ‏الناتج الاجمالي المحلي و التي هي بالاساس متواضعة ليضيف ذلك عبء جديد على الاقتصاد الوطني.‏

القطاع السياحي سيتأثر نتيجة لذلك و خاصة السياح القادمون من دول انخفضت عملتها مثل اوروبا و ‏اليابان حيث سيضطر هؤلاء السياح لانفاق اموال اكثر لتحقيق نفس الخدمة السابقة.‏

و تمتد هذه الاثار لتشمل سوق العمل المحلي والذي سيكون مغريا” للعمالة غير الاردنية والتي ستسفيد من ‏فرق تحويل الدينار الاردني الى عملتها المحلية في بلدانها الاصلية وسيكون كلفة العمالة مرتفعة امام ‏المستثمر مقارنة مع نفس الفرصة الاستثمارية في دول اخرى انخفضت عملتها.‏

كل هذه الاثار السلبية يجب تحملها و لا تنفي اهمية ربط الدينار بالدولار فالمكاسب طويلة الامد على ‏الاستقرار النقدي و السلم المجتمعي ستكون اكثر اهمية.‏

السياسة المالية مدعوة للاستفادة من هذه التحولات المرحلية، فالديون المستحقة على الاردن لصالح دول ‏اوروبا و اليابان والمقدرة بما لا يقل عن 200 مليون يورو ، تكون قد انخفضت مقابل الدولار و بالتالي لا ‏بد من دراسة امكانية استبدالها بعمليات اقتراض اخرى تساهم في تقليل كلفة خدمة الدين العام والذي ‏تقترب نسبته من 15% من اجمالي الموازنة العامة وهي بلا مجال للشك نسبة كابوسية.‏

التضخم

رغم ان الرقم القياسي لاسعار المستهلك ( التضخم ) ارتفع في الاردن الى 5.34 % على اساس سنوي هذا ‏العام ( تموز ) ورغم انها النسبة الاعلى منذ العام 2018 الا ان هذه النسبة مازالت ضمن الحدود العليا ‏للمنطقة غير المقلقة اذا ما احسن التعامل معها.‏

سلبيات التضخم كثيرة ومعروفة للكافة ومنها تعزيز التفاوت في الدخل بين الاغنياء و الفقراء ، غير ان ‏احد ايجابياتها ارتفاع الايرادات المقدرة في الموازنة العامة ، فالتضخم هو ايراد جديد غير منصوص عليه ‏في القانون وهو صديق المالية العامة.

نمو الناتج الاجمالي المحلي

بالرغم من ان نسب نمو الناتج الاجمالي ما زالت متواضعة الا انه يمكن القول بوضوح ان الاقتصاد ‏الاردني تخلص من حالة الانكماش الاقتصادي الذي شهدته المملكة في العام 2020 ( عام الكورونا )، ‏حيث حقق قطاع الصناعات الاستخراجية معدلات نمو مرتفعة و صلت 7.4% وكذلك قطاع الانشاءات و ‏بنسبة بلغت 4.9 % ، وارتفاع الدخل السياحي بفعل تدفق اعداد مرتفعة من السياح الى المملكة ساهمت ‏برفع نسبة الاشغال و خاصة في منطقة العقبة الاقتصادية تحت ما يسمى

‎( Revens Tourism )‎‏ وقد صرح رئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ان الاقليم يحتاج الى ‏‏12000 غرفة فندقية بينما يتوفر حاليا” 5000 غرفة فقط.‏

يشير الرسم البياني المرفق ان نمو الناتج الاجمالي المحلي الاردني الاسمي و الحقيقي قد سلك ‏V-Shape‏ ‏عند مقارنة هذه النسب للنصف الاول من هذا العام مع النسب المتحققة لنفس الفترة من العام 2019 ( قبل ‏كورونا )‏

و بناءا” على التحليل الوارد اعلاه فليسمن الحصافة الاستسلام لنسب التضخم المرتفعة او الرفع المتكرر ‏لسعر الفائدة ، ومن هنا فانني ادعو البنك المركزي لان يكون هناك اكثر من سعر فائدة بحيث يتم تمييز ‏القطاعات الاستثمارية ايجابيا” و بفوائد اقل ولا بد للسياسة المالية ( الحكومة ) ان تفكر في تعزيز عمل ‏مؤسسات الاقراض المتخصص او ايجادها بحيث يتم منح فوائد اقل و اعني بذلك بنك الانماء الصناعي او ‏بنوك زراعية او بنوك تنموية وهو عرف معمول به في كثير من دول العالم.‏

يساعدنا هذا الفهم لطبيعة و مسارات الاقتصاد العالمي و التغيرات الجيوسياسية في تقليل حالة عدم اليقين ‏ومستوى الشك حول الافاق المستقبلية للاقتصاد المحلي و ايجاد الحلول المناسبة التي تدعم السلم ‏الاجتماعي و توفيرالعيش الكريم للمواطن الاردني الذي يستحق ان نبذل من اجله كل جهد صادق ‏ومخلص.‏





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق