أوقفوا دعم السلع

كتب سلامة الدرعاوي

أكاد أجزم أن الأردن من الدول القليلة إن لم تكن الوحيدة التي تدعم خزينتها الغني والفقير على حد سواء، والاثنان يحصلان على دعم، مع فارق أن ميسوري الحال يستحوذون على غالبية الدعم الرسمي بحكم حجم استهلاكهم الكبير.

وأجزم أيضاً أن خزينة الدولة الأردنية هي الوحيدة التي لا تفرق في الدعم بين المواطنين والمقيمين على أراضي المملكة، فالكل سواسية في الدعم عكس دول العالم وتحديداً الدول الغنية التي تعطي فارقاً ماليا لصالح مواطنيها أعلى بكثير مما يحصل عليه المقيمون، والتعرفة الكهربائية أفضل مثال على ذلك.

من يصدق أن موازنة مثل موازنة الدولة الأردنية التي تعاني من عجز مالي مزمن يتجاوز الـ2.6 مليار دينار بعد المساعدات والمنح، تقدم دعماً لسلع وخدمات يناهز الـ850 مليون دينار ما بين دعم الخبر والأعلاف والغاز والمعالجات الطبية والمعونة الوطنية؟!

هذا الحجم من الدعم وبهذا الشكل لا يمكن لاقتصاد مثل الاقتصاد الأردني تحمله، لعدة أسباب أهمها أنه يعتبر تشوهاً مالياً حقيقياً، وهدراً للمال العام وضياعا في الموارد المالية التي هي أصلاً محدودة للغاية.

نعم دعم السلع هو ضياع وهدر للمال العام، وسوء إدارة لأموال الدولة، فالأصل أن تدعم الدولة الطبقة الاجتماعية التي بحاجة للدعم، أي أن تدعم المواطن لا أن تدعم السلعة والخدمة التي يستفد منها الغني والفقير، والمواطن والمقيم.

لنأخذ أسطوانة الغاز مثلاً حياً على هذا التشوه المالي المزمن الذي يختبئ وراء قرارات شعبوية لا تغني ولا تسمن من جوع، فأسطوانة الغاز التي تباع اليوم للمستهلك بـ7 دنانير للأسطوانة، كلفتها الحقيقية 10 دنانير، وإذا ما علمنا أن معدل البيع اليومي يتراوح ما بين (150-200) ألف اسطوانة تقريباً، فهذا يعني ان قيمة الدعم تبلغ 600 ألف دينار يومياً وبالشهر يصل لـ18 مليون دينار، وفي العام الواحد يبلغ الاستهلاك 32 مليون اسطوانة، أي ان الدعم السنوي يقارب الـ100 مليون دينار، علماً ان دعم الغاز لعام 2021 تجاوز الـ77 مليون دينار، في حين ان الدعم منذ بداية العام وحتى نهاية أيلول الماضي بلغ 101 مليون دينار، ومن المرجح ان يرتفع هذا الرقم إلى 146 مليون دينار مع نهاية هذا العام، أي ان الخزينة ستتحمل دعماً مالياً فقط لأسطوانات للغاز يبلغ الـ200 مليون دولار، مع التأكيد ان غالبية الاستهلاك يذهب للشرائح الاجتماعية ميسورة الحال والأجانب والسفارات والمقيمين، في حين ان معدلات الاستهلاك للأسر الأردنية الفقيرة ومتوسطة الحال يتراوح بين (1-2) اسطوانة في الشهر، في حين باقي الشرائح الاجتماعية يصل استهلاكها عشرة أضعاف المعدلات السابقة، بمعنى ان الأغنياء والمقتدرين هم من يحصلون على دعم الغاز.

والأمر لا يختلف كثيرا على الخبر، فالحكومة قررت دعم القمح في مشروع قانون موازنة 2023 بما قيمته 277 مليون دينار، يحصل عليه أيضاً الجميع بلا استثناء مع فارق الاستهلاك للأغنياء والمقتدرين الذين يستحوذون على غالبية مخصصات الدعم المباشر للخبز بحكم حجمهم الاستهلاكي الكبير.

دعم السلع بهذا الشكل هو ترجمة حقيقية لضعف الإدارة الحكومية لمواردها المالية، وخضوعها للتخوفات الشعبوية التي تظهر هنا وهناك، وإجبار الحكومة على مواصلة السير بدعم السلع مع يقينها أنه ضياع للمال العام.

إلغاء الدعم المباشر للسلع والتحول الفوري لدعم المواطن هو الوسيلة الأنجع والأنجح في حماية موارد الدولة من الهدر بهذا الشكل، والمسألة لا تحتاج إلى تلك العبقرية في الإدارة بقدر ما هي بحاجة لقاعدة بيانات حقيقية ودقيقة عن دخول المواطنين الأردنيين، ومن ثم تقديم الدعم النقدي لكل الأردنيين المستحقين للدعم بعد اعتماد شريحة أو مستوى دخل معين، يدخل مباشرة في حسابات بنكية لهم تحت مسمى الدعم، يعوض كل كلف الارتفاعات التي تحدث في أسعار تلك السلع والخدمات، وتجنبه بقدر الإمكان تداعيات الأسعار وارتفاعاتها، وتقدم له بطريقة حضارية وموثوقة، معتمدة في ذلك على إعداد تلك البيانات ضمن قاعدة المعلومات الدقيقة في الضريبة والضمان على حد سواء وتطويرها إذا كانت هناك شرائح غير مشمولة في القرى والأماكن النائية.

هذا الإجراء كفيل بوقف الهدر في موارد الدولة المالية ، ويساهم في دعم المواطن المستحق، ويوفر على الخزينة مئات الملايين الضائعة عليها نتيجة سوء إدارتها لسياسات الدعم التي حتى الدول النفطية تخلت عنها. (الغد)





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق