التضخم الجامح والنصف المليء من الكأس

يوسف ضمره

يعاني الاقتصاد العالمي من داء التضخم الذي بات الشغل الشاغل للبنوك المركزية قاطبة، حيث يعكس الارتفاعات الكبيرة وغير المنطقية لأسعار السلع والخدمات على المستهلكين.

صحيح أن الأزمة الأوكرانية الروسية أثرت سلبا على مستويات الأسعار وقادت أسعار السلع والخدمات الى الارتفاع وخصوصا أثمان الوقود والطاقة، لكن الولايات المتحدة التي طبعت كميات كبيرة من النقود، خصوصا أثناء تداعيات جائحة كورونا عبر برامج التسيير الكمي، دفعت بالتضخم للوصول لأعلى مستوى منذ 40 عاما لتكون سببا جوهريا لما يحدث الآن.

ووصل العديد من دول العالم إلى أن أثمان قيمة طباعة النقود وتوفيرها أعلى من القدرة الشرائية التي توفرها، حيث يحتاج البعض في تلك الحالة وعندما يصبح الوضع خارج السيطرة إلى أن يطبع كمية كبيرة من النقود لتطارد كمية قليلة من السلع.

الشقيقة مصر بعد التعويم الثاني لسعر الجنيه، تعاني من قفز أسعار السلع والخدمات فيها، حيث انخفض سعر الجنيه الشهر الماضي 25 %، ومنذ بداية العام 56 %، بمعنى أن وصفة صندوق النقد الدولي بأن مرونة سعر الجنيه تستطيع احتواء أزمة النقد الأجنبي، تسببت بالتضخم الكبير، بعد سنوات على تلك السياسة التي انتهجتها مصر بالتعاون مع صندوق النقد.

الكثير من دول الإقليم باتت فيها السياسة النقدية عاجزة عن مجاراة التطورات العالمية والتي أثرت فيها سلبا مثل لبنان وتركيا، حتى أن المواطن أو المستثمر فيها تكبد خسائر أفقدته نسبة كبيرة من رساميله وبات غير قادر على التخارج منها، لعجز الجهاز المصرفي عن القيام بدوره بتحويل الأموال خارجها. وهنا لا بد من الإشارة، ورغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني كما هو الحال في معظم دول العالم حتى المتقدمة منها، إلى أن السياسة النقدية الأردنية تعمل بكفاءة عالية على امتصاص صدمة معدلات التضخم والتي تعد منخفضة نتيجة الاجراءات الوقائية التي اتخذها البنك المركزي الاردني.

وفي الأداء الاقتصادي المحلي، يوجد العديد من المؤشرات الايجابية، كالتحسن القوي في الصادرات، والتعافي في القطاع السياحي، وزيادة في الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى المملكة، وكل ذلك رفع معدل النمو الاقتصادي ليُسجل نمواً بنسبة 2.5 % خلال الربع الأول من عام 2022، وارتفع هذا النمو إلى 2.9 % خلال الربع الثاني من العام الحالي. وهذا الأداء دفع صندوق النقد الدولي في مراجعته الخامسة لرفع توقعات النمو الاقتصادي لعام 2022 من 2.4 % إلى 2.7 %، وهذه إشارة إيجابية أخرى تأتي في الوقت الذي قام فيه الصندوق بتقييم أكثر في توقعات النمو للعديد من الدول حول العالم.

من الايجابيات المهمة محليا، هو أن معدل التضخم المُسجل في المملكة، لم يتجاوز 4.1 % خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2022، رغم أن العديد من دول العالم والمنطقة باتت تُعاني من معدلات تضخم تتجاوز 8 %، وذلك بفضل الإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها لتخفيف حدة الضغوط التضخمية، إلى جانب ردة الفعل السريعة في السياسة النقدية من قبل البنك المركزي للتصدي لهذه الضغوط.

الجهاز المصرفي الأردني سليم ومتين والأفضل على مستوى المنطقة، ويتمتع بمستويات مرتفعة من رأس المال، والدينار الأردني قوي تدعمه الاحتياطيات الأجنبية التي تتجاوز حالياً 16 مليار دولار، كلها إشارات موضوعية إيجابية من بيت الخبرة البنك المركزي تُطمئن الأردنيين، وتدعونا للتفاؤل وترك حالة التشاؤم الموجودة عند البعض حيال الأوضاع الاقتصادية. فأساسيات الاقتصاد السليم أصبحت موجودة لدينا اليوم أكثر من أي وقت مضى، والمهمة التالية للحكومة هي الخروج بإجراءات وخطط عمل لتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي، لتحقيق هذه الرؤية وبما يحقق تطلعات جلالة الملك عبدالله الثاني.





هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق