التجربة الفنلندية في التنمية المهنية للمعلمين
بقلم: المعلمة صفاء احمد الغويري

ظهرت التحولات المعرفية والتكنولوجية في الآونة الأخيرة، مما توجب التنمية المهنية للمعلمين وخاصة في ظل ظهور المزيد من التخصصات التي أدت لإحداث انطلاقة جديدة في مختلف مجالات المعرفة وصولا لتأسيس تعليم متكامل، وبالتالي تغيير في المهام المنوط بكل معلم كتأكيد على أهمية الابتكار وتطوير القدرات البشرية بوصفها المصدر المهم للنمو الاقتصادي، فمن خلال التنمية المهنية للمعلمين وتطوير قدراتهم يمكن الإسهام في الموروث الثقافي والمشاركة في الحوار الاجتماعي وتحسين كفاءة الفرد والمجتمع، بالإضافة للسعي إلى تعزيز الأوضاع المهنية لينتفع بها الجميع.
وترتكز التنمية المهنية للمعلمين على العديد من المحاور الأساسية التي تتضمنها البرامج التأهيلية في إطار برامج التجديد لتطوير مهارات المعلمين في ضوء البرامج التوجيهية المنبثقة عن التوجيه الفني، كما تتنوع التنمية المهنية للمعلمين في أثناء الخدمة فهناك العديد من البرنامج التدريبية للمعلمين من خلال مراكز المعلمين والتي تعتمد على توفير الكفايات التعليمية، وهذا بدوره يتطلب تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلمين بوسائل فعالة، ورفع كفاءتهم تكنولوجيًا.
وبالنظر للتجربة الفنلندية فإن الارتقاء بالعملية التعليمية كانت من أهم أهدافها من خلال السعي الدائم لتنمية المعلمين مهنيًا، إذ تم العمل على تكاتف كافة العناصر لتحقيق الأهداف التعليمية، بدءً من ثقافة المدرسة والتي تبنى على الاستقلالية، والتي تشير إلى استقلالية الإدارة المدرسية واستقلالية المعلمين، بالإضافة لتوفر ثقافة الاحترام بين الجميع داخل المدرسة وخارجها، والمشاركة الفعالة من قبل الجميع لتحقيق أهداف المدرسة.
ويشعر المعلم لديهم يشعر بالفخر لكونه معلم، ويستمد فخره من احترامه لمهنته ومن نظرة المجتمع له، فالجميع يقدر المعلم ويعينه كونه صاحب مهنة مرموقة محترمة ويتنافس عليها الكثيرين؛ لذا يتولد لديه شعور بالمسؤولية تجاه طلبته ومجتمعه يدفعه بشكل دائمًا للسعي دائما نحو تنمية نفسه مهنيا، واستشعاره لذلك ساعده في تغيير استراتيجياته التدريسية وتنويعها بما يخدم العملية التعليمية مما ساعد على رفع مستوى التحصيل لدى الطلبة باختلاف فروقاتهم الفردية، ويمكن الإشارة هنا إلى أن المعلم هو سر النجاح في العميلة التعليمية في الجمهورية الفنلندية.
والمؤسسات التعليمية الفنلندية لم تقم بحميل المعلم أية اعباء قد تسهم في التأثير السلبي على أدائه، وعملت على توفير كافة سبل الراحة والاطمئنان له، فعلى سبيل المثال اعطي المعلم درجة كبيرة من الحرية إذ لا يتوجب عليه أن يقوم بالاختبارات الشهرية ويعطى الحرية في الاختلاط والاحتكاك بالطلبة ومعرفة مستوياتهم وجوانب شخصيتهم والتعرف على ميولهم واثرائهم علميا، كما أن وزارة التعليم الفنلندية تعطي المعلمين الحرية في اختيار المقرر المناسب والقدرة على الحذف والإضافة بما يتناسب الأهداف التعليمية.
ولا بد من ذكر أن المعلم في فنلندا مؤهل على أكمل وجه تعليميًا وأخلاقيا أيضا وهي صفة هامة يجب تواجدها في المعلم، وبذلك فإن النجاح في النظام الفنلندي يعود إلى نوعية المدرسة والثقة في المعلم، وتدريبه المستمر وتنميته المهنية الدائمة، ومنحه المسؤولية الكاملة عن التعليم والمنهج والإدارة الصفية.
كما وتركز سياسة التنمية المهنية للمعلمين في فنلندا على مجموعة من السياسات التعليمية التي أسهمت في تطوير أدائهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كمعايير القبول العاملية العالية لهم، بالإضافة إلى برامج الإعداد المتميزة في المحتوى وطرق التدريس، ولا ننسى أن سياسة تعزيز السلطة المهنية للمعلمين واستقلالهم فهي من السياسات المهمة التي تعمل على التنمية المهنية لهم. كما أن هناك نظام للأجور والحوافز مما يدفعه للعمل الجاد والتركيز على جوهر التعليم وفلسفته ودعم منظومة الابداع والابتكار. وفي ظل حاجة التعليم في الأردن للتطوير كان لا بد من التوجه للمراجعة المستمرة لسياسات إعداد المعلم وتطويرها في ظل نظام تكاملي لإعداد المعلمين يركز على إعدادهم علمياً وتربوياً ومهنياً.