عيد وطنّي بلا منازع

فايز الفايز

بعيداً عن الأحاديث الجانبية، سأدخل في تفاصيل غير موسعة بعد أن مرّ حفل زفاف ولي العهد الأمير الحسين، الذي أشركنا جلالة الملك معه عبر اسبوعين مضيا، بلوحة فسيفسائية وطنية غير مسبوقة، فكما رصدت من العقبة، درّة البحر الأحمر، التي لم تنطفئ شعلتها منذ عيد الفطر بالاحتفالات والفعاليات المحلية والدولية، حتى اختتام الاحتفالات الرسمية بزفاف الأمير وأميرته، مروراً بذلك الطريق الشريطي المتلهف لأفراح الشمال الأوسط، حيث معان التي تقدم دوما نموذج البسالة ثم الطفيلة والشوبك المتربعات على جبال العز، ثم الكرك موئل الأخيار وا?قطرانة التي تحتضن القادمين والغادين من وإلى وجهتي الوطن، ومادبا ذات الثراء الأثري وزيزياء التي احتضنت أول محطة لركب الأوائل ودحرّ أهلها الغرباء وهاهي تطوق بالحب عاصمة الأردن بكل وقارّ.

كان حريّ بالأردنيين أن يجتمعوا على الفرّح الذي صنعوه لأنفسهم بذلك العرس الوطني، وبالفرح العفويّ الذي عبرّ عن لهفتهم بتلك المناسبة كي يفرحوا ويرسموا لوحة تلو الأخرى، لم يستأثر أحد بها، حيث كان الشعب ينتظر مناسبة طفقت أخبارها الآفاق وأوصلت صورها أصقاع العالم، وتحدثت بها كبريات محطات الأخبار والتلفزة، إذ كان الجميع ينتظر مثل هذه المناسبة الكبرى كي يرمي الشعب الوفيّ من ذكريات بئيسة جرّاء جائحة كورونا الأليمة والقاسية، ورحيل الآلاف من الأحباب والأقارب والأصدقاء نتيجة ذلك الوباء الصامت إلى رحمة الله، حيث مر?ت ثلاث سنوات بعدما أشبعتنا حزناً وتراجعاً في نفسية الأغلبية، وبقيت آثارها كشظايا الزجاج في القلوب.

وإلى هناك من أقصى شمال الوطن حيث الرمثا التي تهتز لها الأرض حين تهتز أقدام الرجال، وإربد مفخرة الأجيال وصانعة الرجال الأوائل من الأبطال القدامى والثائرين، إلى عجلون الفخار والافتخار ومستودع الكرام والنوابغ العظام بقلعتها الماثلة رمزاً لتاريخ عروبتنا الذين تخضب تراب غورها بدماء الأطهار القادمين إلى من يثرب إلى اليرموك ليعيدوا أرض العرب إلى أهلها بالحب لا بحد السيوف التي نالت من عربها رماح الفرنجة الأغراب، ثم جرش التي احتضنت ينابيعها أخوة وأحباب، ولم ننس “الفدين” حيث المفرق التي تطرزت بطحاؤها بالقبائل والعا?لات، وبقُبلات ترحب بأشقائنا من كل صوب وحدب، حتى البقعة أول باب للبلقاء، حين ييمّم العشق والرخاء على مشارف السلط ذات النطاقين والعلماء ومخزون الدولة من الخبراء وذخيرة الدولة.

ما رصدناه هنا لا تكفيه مقالة عابرة، قد لا تعجب البعض، ولكن لو رأينا كيف كانت مناطق مرج الحمام وهي تزهو على مرتفعاتها بأعلام خفاقة تستقبل القادمين عبر طريقها المار من جنوب يبعد خمسمئة كيلومترا إلى عنق عمان الأول، لعرفنا كيف كانت عشائرها الكريمة من أقصى غربها إلى جنوب عمان الشرقي لتلامس عشائراً كريمة تمتد من أم الحيران لتعبر القويسمة وأبو علندا انحداراً الى الخشافية ثم سحاب التي تصافح برّالموقرّ وما حولهم جميعاً يحملون بيارق الحب، وتتشابك الأيادي لتصنع فرحاً غير مصطنع، فأولئك الذين ذكرتهم همّ من صنعوا الف?ح وأضرموا شعلة الحب على ميادين عمّان.

قلت إن الفرح عمّ من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وجاءتنا الأخبار، كمثال، من السعودية، إذ أن غالبية الشعب الشقيق هناك كانوا يتابعون مهرجان الزفاف عبر الشاشات الخارجية وفي بيوتهم، ولا شك أن كثيراً من دول العالم العربي والصديقة، قد شاركتنا شعوبها تلك الفرحة التي لم نرها يوما عند أحد من أبناء الملوك أو الرؤساء، فكان كل زفاف يمرّ بالخفاء.

ولكن من أراد أن يكون هذا الفرح حقيقياً ملموساً يستحق فعلاً أن يكون الأقرب من شعبه، فقد حضر على مرآنا ألاف المدعوين لا فرق بينهم من مدعوين أو رسميين، حتى من لم يحضر، لم يثنه العجز عن الوقوف على جنبات الطريق، وإقامة الاحتفالات والأهازيج وتهللت أساريرهم، فكان كل مكان فيه عرس مميزاً، يؤمه الأطفال قبل الكبار، كي يفرحوا ويخرجوا ويقطعوا عقال سنوات بائسة.

هذا هو الشعب الوفيّ الذي يبادل الحب بالحب ويصنع الفرح ليثبت أن الأردنيين لا يخونون عهودهم بل هم عند النداء يتنادون لرفع راية الملك ورمز سلطتهم، فالبسطاء والفقراء احتفلوا بفرح أكبر وأكثر من مليارديراتهم، هذا الشعب يستحق الفرح دوماً، فهّلا زدنا فرحهم ببشرى تفرُح العوائل بأبنائها من العاضين على صخر محبتهم لهذا الوطن وقيادته الحكيمة.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق