منطوق الرئيس في هذا التوقيت

ماهر أبو طير

الذي استمع إلى مقابلة الرئيس السوري مع شبكة تلفزيونية عربية يقرأ بعمق أمرين، أولهما نبرة المنتصر بعد سنوات من الحرب حرقت كل شيء، ونبرة اتهامات الرئيس لغيره فقط.
من اللافت للانتباه حقا، أن يتحدث الرئيس بهذه النبرة، أي نبرة المنتصر، فلا تعرف ماهية الانتصار الذي يشعر به الرئيس هنا، وملايين السوريين تشردوا في الدنيا، غير الذين قتلوا واختفوا أو تضرروا، فوق خراب البنية التحتية ودمارها، وتضرر الاقتصاد السوري، وشراكة دمشق الرسمية في هذا المشهد، سواء المدار من الداخل أو الخارج، بسبب فشل دمشق في وقف ما تسميه مؤامرة عليه، بغير الاشتباك بذات تكنيكات المؤامرة، أي القتل والتدمير.

ثم تأتيك نبرة توزيع الاتهامات، دون أي اعتراف بأي سوء إدارة من دمشق الرسمية في إدارة هذا الصراع الذي شهدته سورية، ودون أي إقرار بوجود أخطاء مستمرة، وليس أدل على ذلك من إنكار الرئيس لعلاقة الدولة السورية بكل تجارة المخدرات، واتهام دول عربية بكونها رعت الفوضى، وهي المسؤولة عن حالة الخراب الاقتصادي، وهي بالضرورة لا بد أن تعوض السوريين ماليا، من خلال مبادرات دولية على صلة بإعادة الإعمار، وتمويل المشاريع.
يأتي منطوق الأسد، في توقيت هو الأكثر حساسية، وهذا التوقيت لا يقول علنا على المستوى الدبلوماسي، ان هناك حرجاً عربياً، جراء فشل المبادرات لاسترداد دمشق الرسمية إلى المجال العربي، وقد فشلت أولا مبادرة الأردن التي جاءت تحت عنوان” خطوة مقابل خطوة” فيما لم يقدم السوريون أي دعم فعلي وعملي لبقية المبادرات العربية، واكتفوا من المشهد ببضعة لقاءات واتصالات، وحملة علاقات عامة لتحسين السمعة، وبث التوهم بأن دمشق ستنفك من محاورها.
والسؤال يتنزل هنا حول سبب عدم حديث الرئيس الأسد صراحة عن سبب إفشاله لكل المبادرات العربية، التي تم طرحها عليه، ولماذا اختار التورية من خلال إعادة طرح شروطه المعروفة ؟.
لقد تسرب سابقا، أن دمشق الرسمية تريد تنفيذ شرطين أساسيين لقبول الوصفات العربية للصراع داخل سورية، وحل مشكلة اللاجئين السوريين، وملف المخدرات، وهذان الشرطان يرتبطان من جهة بحاجة سورية إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الأعمار وإقامة المشاريع من خلال مبادرات عربية ودولية لتمويل إعادة الإعمار، وإطلاق مشاريع اقتصادية، وثاني الشرطين رفع عقوبات قيصر الأميركية عن دمشق، لتحسين الوضع الاقتصادي، بدلا من الحالة الراهنة.
تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد لم تكن موفقة وغائبة عن عمق المشهد، وكأن الرئيس في عالم آخر، إلى درجة أنه يقول عن المطالبات برحيله ما نصه..” لم يكن هناك مطالبات داخلية برحيل الرئيس، والرئيس لا يرحل بسبب ضغط خارجي أو حرب خارجية والتنحي بسبب الضغوط الخارجية يعتبر هروبا وهو ما لم يكن مطروحا، وعدد المطالبين بالرحيل لم يتجاوز الـ100 ألف ونيف بأحسن الأحوال في كل المحافظات مقابل عشرات الملايين من السوريين”.
في تأويلات لمنطوق الرئيس، ربما أراد الرئيس التعبير بشكل علني عن شروط دمشق الرسمية، لإعادة التأهيل سياسيا، خصوصا، في ملف إعادة الإعمار، وعقوبات قيصر، وما يرتبط بملف اللاجئين والمخدرات، وبرغم أن دوائر القرار في المنطقة العربية والعالم تعرف هذه الشروط علنا، إلا أن اشهارها من جانب الرئيس، يراد منه الضغط عربيا ودوليا، وعدم انتظار أي تنازل أو ” خطوة اولى” من السوريين ذاتهم، أي أن “الخطوة الأولى” يجب أن تأتي من خارج سورية.
في كل الأحوال لا يمكن هنا أن نقرأ أي تحول جذري في منطوق الرئيس الأسد، حيث يبقى مثيرا ان تبقى ذات المفردات والصياغات في منطوقه السياسي، حتى برغم كل السنين التي مرت على الشعب السوري، وعلى نظام حكمه، فتغير كل شيء في سورية، ودول الجوار والإقليم والعالم، وبقي الرئيس كما هو، فلا تغير ولا تبدل، ولا أعاد تقييم كل الموقف.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق