منتدون يدعون إلى صناعة محرك بحث عربي
هلا أخبار – نظم مجمع اللغة العربية الأردني ندوةً بعنوان “اللغة العربية والعوالم الجديدة”، أدارها الأمين العام للمجمع الأستاذ الدكتور محمد السعودي، وشارك فيها الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة الأستاذ الدكتور امحمد المستغانمي عضو مجلس أمناء مجمع اللغة بالشارقة، وعضو مجمع اللغة العربية الأردني الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين.
وجاء في استهلال السعودي للندوة التي أقيمت صباح اليوم الخميس الحادي والعشرين من أيلول لعام ٢٠٢٣م، الشكر لاتحاد الناشرين الأردنيين ولوزارة الثقافة وأمانة عمان، والقائمين على المعرض، وأشار إلى أن الندوة تجيب عن جملة من التساؤلات حول واقع اللغة العربية في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، حيث إن اللغة العربية رغم كل الظروف صامدة نابضة كما عهدناها على مرّ العصور.
لكن شيوع بعض المصطلحات الجديدة مثل “الترند” و”الترويقة” تجعلنا نتساءل عما إذا كانت هذه اللغة قاصرة عن مواكبة التكنولوجيا المعاصرة، وهل استطاع القائمون على الثقافة العربية ومؤسسات الفكر العربي الوصول إلى الناس من خلال هذه اللغة، وهل أصبحت النظرية اللغوية اليوم خافتةً في عقول أهل التفكير باللغة؟ وهل أصبح التجديد تنينًا تخشاه الجامعات ومراكز التفكير العربي فيما يخص مواكبة حركة المصطلح العالمي؟ وأضاف: حتى لا نجلد الذات أكثر مما يجب، نستعرض التجربة الألمانية والصينية واليابانية والكورية التي قدمت العلوم باللغة العربيّة لأبنائها، وعرّبت ونجحت، بل إن العالم العربي اليوم يتجه إلى هذه الأمم التي أصبحت فيها الشخصية الثقافية حاضرةً ولها احترامها في المجتمعات الغربية.
وبدأ المستغانمي حديثه عن اللغة العربية بأنها تعيشُ اليوم على غرار أخواتها من اللغات العالميّة مرحلةً عسيرةً بسبب التّجاذبات العنيفة والتّفاعل القويّ الذي أحدثه الانفجار المعلوماتي العالميّ، وعلى الرّغم ممّا تمتلكه العربيّة من خصائص ومزايا أهّلتها للبقاء بل ورغّبت العالمين في تعلُّمها والتّواصل بها، إلّا أنّ المبذول من الجهد والمال والوقت والتّخطيط لدعمها وتقوية جانبها قليلٌ نزرٌ بالنّسبة لطبيعتها ومكانتها الأمميّة.
وأشار إلى أن الإحصاءات الحديثة تتحدث عن أنّ اللغة العربيّة تتبوّأُ المنزلة الخامسة في نسبة المتحدّثين بها في العالم الذي يحفل بسبعة آلاف لغة، ولا مريةَ أنَّ هذه منزلةٌ ساميةٌ جدًا، وهي السّادسة في ترتيب الّلغات الرّسميّة في منظّمة الأمم المتّحدة، وهي منقبة ثانية.
سيّما أن العرب الذين يتحدّثون بها يتجاوز عددهم (٤٢٠) مليون نسمة، والمسلمين الذين يمارسون شعائرهم بها يربو الآن عددهم على المليارين من البشر. وهي تعيش اليوم في وسطٍ تتجاذَبُهُ عواملُ تأثير وتأثّر قويّة، والعربيّة – كما هو الشّأن بالنّسبة لجميع اللغات- ليست وسيلةً للتواصل فحسب، وإنّما هي حاملة فكر، ووعاء الثقافة المجتمعيّة العربيّة وديوان التراث الأدبي وذاكرة أحداث الأمّة.
وتساءل عن دور أبناء اللغة العربيّة تُجاه لغتهم العظيمةِ المزايا في عالم الانفجار المعلوماتي الذي يعجّ بالتّطبيقات المتنوّعة ومواقع التّواصل الكثيرة الغزيرة؟ وعن موقع العربيّة في الشّابكة العنكبوتيّة؟ وعن كميّة المنشورات باللسان العربي؟ وعن نوعها جودةً ورداءةً وصحّةً ولحنًا؟ وعن مدى تناسبها مع حجم العربيّة ومنزلتها العالميّة؟ وأين وصل البحث العلميّ المتعلّق بالذّكاء الاصطناعيّ واللغة العربيّة؟ وهل ثمّة بحوثٌ جادّة في هذا المجال الحيويّ اليوم؟ ثم ما السّياسات اللغويّة التي يرسمها أصحاب القرار للتّمكين للسان العربيّ عالميّاً؟ وما حجمُ الأموال المبذولة في البحث العلمي اللغويّ، ونسبة الأطروحات العلميّة في مجال حوسبة اللغة العربيّة؟
واختتم المستغانمي حديثه أن ثمة أسئلة ومحاور كثيرة أخرى يُثيرها موضوع اللغة العربيّة وعلاقتها بالعوالم الجديدة، وهي بحاجة إلى دراسات ومشاورات وتنقيب عن حلول جادّة شاملة كإنشاء محرك بحث عربي شامل ودقيق يتكئ على مدونة لغوية ثرية ومحللات صرفية تعمل بذكاء اصطناعي مميز بجهود مؤسسية يتصالح فيها اللغوي مع الحاسوبي في مشروع ضخم يتعاون فيه القطاع العام مع رجال الأعمال في القطاع الخاص ضمن خطط استراتيجيّة مدروسة، وتضافر جهود كلّ المهتمّين بالشّأن اللغوي حكومات وأفرادًا للتّمكين للعربيّة التي اجتباها الباري سبحانه لتكون وعاءً للذّكر المقدّس.
وفي مداخلة السعافين التي استهلها بالإشارة إلى واقع اللغة العربيّة في الوطن العربي وفي العالم، أوجز بعض التحدّيات الأساسيّة التي تجابه اللغة العربيّة في زمن التّنافس الثّقافي والحضاري، وانحسار مشاركة أمّتنا العربيّة في المنجز الثّقافي والعلمي والتكنولوجي، الذي يؤثر بطبيعة الحال على دورها، واستيعابها للمصطلحات الجديدة بل على دورها في التعليم العالي ومجابهة الأخطار المختلفة، كخطر الإحلال الذي يمتدّ من الجامعات إلى مرحلة التّعليم العام، وفي موقع اللّغة العربيّة التي لم تكن قديماً وحيدةً في محيطها، فقد كانت لغة العلم والفكر والأدب. وقامت بدور المنتج والنّاقل معًا، وأثّرت تأثيرًا هائلاً في نهضة الغرب الحديث. ومن الطّبيعي ألّا نراها تواجه من التحديات كما تواجهه الآن في واقعنا المعاصر بسبب “ثنائيّة الضّعف والقوّة” كما أسماها السعافين بالمعنى الماديّ والرّمزي، فملامح الضّعف شاملة على الأصعدة كافّة، ما أورث الوهن أحيانًا والشّعور بالدّونيّة نتيجة ظروفٍ مختلفة؛ فقد تخلّت طوعًا أو قصرًا عن دورها الرّيادي في الفكر والعلوم والآداب.
وهي برأي السعافين تتعرّض لمنافسة من ينتجون العلم والمعرفة، وتقف أحيانًا عاجزة حتّى عن الاستهلاك فهي تُعاني في المنهاج، فمن يتأمل بنية منهج اللغة العربيّة في التعليم العام يلاحظ ضآلة المساحة الممنوحة للمادّة، وبدل أن يحرص المنهاج على دعم محتوى المادّة بفروعها المختلفة، نلحظ تراجعًا واضحًا في هذا الصّدد على مستوى الكمّ والنّوع معًا.
ويرى السعافين أنّ أيّ أحد له معرفة بمناهج تدريس اللغات الأجنبيّة في مراحل التّعليم العام يلحظ قوّة المنهاج كمًّا وكيفًا وعمقًا، ولا يقف واضع المنهاج أمام السّهولة والصّعوبة كما يقف واضعو المناهج في بلادنا. والذي يؤسف له أنّ التلميذ في رياض الأطفال يعرف بعض المصطلحات التي لا يعرفها الطلاب إلاّ في المرحلة الجامعيّة أحيانًا. ومّما يلاحظ على منهاج اللغة العربيّة تراجع الحرص على جودة النصوص التي تصلح للمحاكاة من شعرٍ ونثرٍ وفكر بأقلام رموزٍ يوثق بلغتهم وفكرهم، فاختيار النصّ يجب ألاّ يخضع لاعتبارات غير قدرة النّص على تحقيق المعيار اللغوي. ويلاحظ متتبّع المنهاج ضعف الحرص على الحفظ باعتباره أداةً لتقويم اللّسان، وتزويد الذّاكرة بما يسعفها في المواقف التّعليميّة بحججٍ واهية لا علاقة لها بالأسس العلميّة لبناء المناهج.
ويعزو السعافين هذا التراجع إلى عدم الاهتمام بحفظ القرآن لما فيه من فوائد مختلفة، ومن دور المحاكاة في هذا المجال، وإلى انّ المنهاج لا يهتم بالكتابة الإبداعيّة التي تمكّن المتعلّم من إتقان المهارات الأساسيّة في مرحلة مبكّرة وتدريبه على الإبداع والتّخييل، إضافةً إلى مزاحمة المدارس الأجنبيّة وتكاثرها وضعف منهاج اللغة العربيّة فيها أو عدم وجوده بالمرّة، وتدريس العلوم في الكليّات العلميّة في الجامعات بلغات أجنبيّة حتّى إن بعض الجامعات تدرّس بعض مساقات الكليّات الإنسانيّة بلغاتٍ أجنبيّة.
ومن التطلعات التي يشير إليها السعافين للنهوض بدور اللغة العربية قيام بعض مجامع اللغة العربيّة أو اتّحاد المجامع باقتراح منهج نموذجي للغة العربيّة يُراعى فيه مستوى المادّة وقيمة النّصوص المدروسة والجوانب التربويّة والنفسيّة والثّقافيّة والحضاريّة للمتلقّين بعيدًا عن محدّدات الوزارات والحكومات وكوادرها المختلفة.
والاهتمام بمدوّنة اللغة العربيّة على الشّبكة العنكبوتيّة، وبكفاءة محرّك التّرجمة، ومراجعة مدوّنات اللّغات الأخرى في المدارس الأجنبيّة والخاصّة، بل وضرورة الإشراف على منهج اللغة العربيّة والتّربية الإسلاميّة بشكل خاصّ، فأي تهاون في ذلك ينعكس سلبًا على شخصيّة الفرد على مستوى الوطن والأمّة والحضارة.
ويؤكد السعافين أن عدم الاعتزاز باللغة عاملٌ من عوامل التخلّف والانحطاط، والاعتزاز ليس بالقول ولكن بالفعل من خلال الخبرة المربّية.
ويشير أيضًا إلى أهمية العناية بالمصطلح ومحاولة توحيده في المجالات كافّة، خشيةَ الغموض وضياع الجهد والوقت. أمّا في المجالات العلميّة فالأمر يحتاج إلى قرارٍ سياسيّ يجعل تدريس العلوم ومن ثمّ مصطلحاتها باللغة العربيّة، وتجنب فوضى النّشر، فمن الملاحظ أنّ نشر المواد والنّصوص لدى دور النّشر ووسائل التّواصل الاجتماعي والمنصّات المختلفة يعاني من فوضى غريبة تضرّ بمستوى مدوّنة اللّغة العربيّة التي لا تخضع لأي رقابة إطلاقًا حتّى اختلط الحابل بالنّابل، ويستتبع ذلك فوضى المعايير في كلّ المجالات التي تخصّ اللّغة، ومنها فوضى النّقد، فقد شاع في هذه الأيّام ضعف بعض النّصوص إلى درجةٍ مقلقة. إذ نلاحظ استسهال الحكم النقدي على أعمالٍ ضعيفة وفي غياب المعايير تُصاب اللغة بضررٍ كبير. ونلاحظ غلبة النقل والمحاكاة وضعف الإبداع وضحالة التّطبيق، ثم تأتي الجوائز والتّحكيم، فيلاحظ أحيانًا عدم الاهتمام الجديّ بعمليّة التّحكيم، ناهيك عن ضعف الإقبال على تخصّص اللغة العربيّة قياسًا بالحال في الماضي.
واختتم السعافين حديثه عن أهمية اللغة والإعلام التي لا بدّ فيهما من الاهتمام بالإعلاميين وتأهيلهم تأهيلاً عاليًا على المستوى اللغوي؛ لأن الإعلام أداة تعليم وتثقيف وصقلٍ للّغة وتطوير لمهارة التّعبير، مبرزًا أهمية الاعتناء بالنص وتطوير اللغة، فالحديث عن نظريّة نقديّة عربيّة ليس ذا جدوى إن لم يقترن بنصوصٍ ذات قيمة عالية تشقّ مسالك جديدة، فالنصّ المتفوّق عادةً يسبق النّظريّة، وأجود النّصوص التي تبنى على غير مثال.