كيف يفكر الأردن، وهل نحن جاهزون؟
حسين الرواشدة
هل نحن، أقصد الأردنيين، جاهزون لمواجهة استحقاقات الحرب على غزة، وما بعدها ؟
أعرف أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، وأن ما يدور داخل الغرف المغلقة، في العواصم الكبرى، من سجالات حول الترتيبات القادمة في غزة، والمنطقة أيضا، ستبقى معلّقة بنتائج الحرب، لكن هذا لا يمنع من أن نفكر بكافة السيناريوهات، بل واجبنا أن نفعل ذلك، بلادنا في مرمى النيران، وتداعيات زلزال غزة ستضرب هذه المنطقة التي نحن جزء منها، وأخذ ما يلزم من احتياطات واستعدادات لمواجهة القادم المجهول (هل هو مجهول حقا؟)، أصبح فريضة وطنية واجبة.
لا يوجد لدي إجابة واضحة عن سؤال «الجاهزية» العامة، لكن ما اعرفه هو أن إدارات الدولة مشغولة، منذ بداية الحرب، بهذه المسألة، وتدرك تماما أين نضع اقدامنا، وما هي خياراتنا وإمكانياتنا، ومحددات أدوارنا، وهوامش حركتنا، هذا مفهوم، لكن الأمر يحتاج إلى مسألتين، الأولى : وجود روافع رسمية قادرة على حمل هذا الملف وتنفيذه، وإقناع الأردنيين به، الثانية : ضرورة بروز كتلة وطنية تمثل المجتمع، تشارك وتتفاعل وتتبنى خيارات الدولة، لكي نضمن توافقا عاما، في مرحلة لا تقبل الاختلاف أو الخلاف.
بصراحة أكثر، كيف يفكر الأردن سياسيا للتعامل مع ملف التهجير القسري الذي اعتبره بمثابة إعلان حرب، ومع المعاهدة مع إسرائيل التي أصبحت – وفق بعض التسريبات – مطروحة على الطاولة، ما هو تقدير الموقف الأردني للسيناريوهات المتعلقة بغزة، خاصة بعد الرفض الرسمي لأي مشاركة أمنية في سياق إدارة ما بعد الحرب، ثم ما حجم فاتورة الكلفة السياسية المتوقعة لمواقفنا تجاه الأطراف المشاركة بالحرب، هل سنشهد استدارات سياسية على صعيد علاقاتنا الإقليمية والدولية، وما ملامح دورنا فيما يتعلق بأي مسارات للتسوية القادمة المتوقعة في ملف القضية الفلسطينية؟
إذا أضفنا لذلك ترتيبات الجبهة الداخلية في سياق استئناف مشروع التحديث السياسي، والارتدادات الاقتصادية التي تشير المعلومات إلى أنها بدأت تؤثر على عجلة السياحة وربما الطاقة.. الخ، ثم أي مفاجآت أخرى قد تفرضها امتدادات الحرب وتوسعها، فإن أمامنا تحديات كبرى، و أسئلة عميقة، تحتاج إلى نقاشات وطنية، واستعدادات غير مسبوقة، أشبه ما تكون بحالة الطوارئ، ونحن فعلا في حالة الطوارئ، حتى لو لم يتم الإعلان عنها.
مع الدعوة إلى استنفار الجهد الوطني، واستدعاء همة الأردنيين وعزيمتهم، وعقلنة الخطاب العام، للخروج من وطأة التفكير تحت إيقاع الحرب، تبقى ملاحظتان أُشير إليهما باختصار، الأولى : غياب صوت معظم رجالات الدولة عما يحدث، وما يجب أن نفعله للتعامل مع تداعيات هذه الحرب، هذا الغياب في الأزمات ليس جديدا، لكنه غير مقبول أبدا في هذا الوقت، وفي مثل هذا الظروف الاستثنائية، الثانية: ضرورة وجود مطبخ إعلامي يمثل خطاب الدولة وروايتها، صحيح البث الإعلامي المباشر على امتداد أكثر من شهر نهض بواجبه، وفتح النقاش أمام الأردنيين لمواكبة تطورات الحرب، لكن الصحيح هو أن هذه السيولة الإعلامية تحتاج إلى «مايسترو» يضبط إيقاعها وحركتها، باتجاه أهداف موحدة، تصب في خدمة غزة، وفي مصلحة الأردن أيضا.