أكاديميون اقتصاديون: برنامج الإصلاح الجديد يعزز الثقة بالاقتصاد الوطني

هلا أخبار- أكد أكاديميون مختصون بالشأن الاقتصادي أن البرنامج الجديد للإصلاح المالي والنقدي الموقع مع صندوق النقد الدولي يأتي لتأكيد سلامة الإصلاحات الاقتصادية التي يتبناها الأردن، وقوة ورصانة الاقتصاد الأردني بمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.

وقالوا إن البرنامج الجديد يعزز الثقة بالاقتصاد الوطني، ويرسم ملامح أولويات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة، ولاسيما فيما يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي.

وأضافوا أن البرنامج يبعث رسائل إيجابية للمؤسسات الدولية المانحة والمستثمرين الأجانب بقوة ومنعة الاقتصاد الوطني ما يمهد الطريق للمزيد من فرص الاقتراض الدولي والمحلي.

ووقع الأردن وصندوق النقد الدولي اتفاقا على مستوى الخبراء للبدء بتنفيذ برنامج وطني جديد للإصلاح المالي والنقدي يمتد للسنوات الأربع المقبلة، بقيمة إجمالية تصل إلى 1.2 مليار دولار، بعد إتمام متطلبات المراجعة السابعة بنجاح.

وقال وزير المالية محمد العسعس، إن البرنامج تم إعداده من قبل وزارات ومؤسسات أردنية مختصة وسيساعد المملكة على المحافظة على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي عبر رفع تنافسية الاقتصاد الوطني ودعم التصدير بهدف خلق الوظائف لتخفيف نسبة البطالة، إضافة إلى التوسع بالحماية الاجتماعية.

وأكد التزام الحكومة في الاستمرار بمكافحة التهرب والتجنب الضريبي، وهو ما يحقق عدالة ضريبية ويرفع الإيرادات العامة للخزينة بدون إضافة أي أعباء ضريبية جديدة على المواطنين، مشددا على أن البرنامج لا يتضمن رفعا لأي ضرائب أو فرض ضرائب جديدة.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد الدكتور نوح الشياب إن أهمية البرنامج الجديد للإصلاحات الاقتصادية الذي تم توقيعه بين الأردن وصندوق النقد الدولي، تكمن في أمرين أولهما: أنه يأتي تأكيدا من الصندوق على سلامة الإصلاحات الاقتصادية التي تبناها الأردن في آخر أربع سنوات ونجاح المراجعة الأخيرة التي قام بها الصندوق وثانيهما ان الاقتصاد الوطني محصن ولا يواجه مخاطر مقلقة.

وأضاف الشياب أن البرنامج يبعث برسائل تطمين الى جميع المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين وأصحاب الأعمال، ويحسن بيئة الأعمال والاستثمار وتقييم الأردن وقوة اقتصاده من قبل المؤسسات الدولية الأخرى، مشيرا الى صدور تقرير لوكالة فيتش أكد تثبيت تصنيف الأردن الائتماني وقدرة اقتصاده على مواجهة التحديات.

وأشار الى أن البرنامج الجديد رسم ملامح أولويات السياسة الاقتصادية للمرحلة من 2024-2028، حيث اكد أهمية الاستمرار في سياسة الضبط المالي وتقليل عجز الموازنة ومعالجة ظاهرة الدين العام والحفاظ على الاستقرار النقدي والعمل على تحقيق معدلات النمو المستدامة، مضيفا أن البرنامج يشكل خطة للعمل للأربع سنوات المقبلة ويمكن البناء عليه والتوسع به لتحقيق الأهداف الأردنية المنشودة.

وأكد الشياب أن أهمية هذا البرنامج تزداد في ظل وجود رؤية التحديث الاقتصادي التي رسمت طريق الإصلاح الاقتصادي للسنوات العشر القادمة وحددت أولويات ومحاور الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي فإن الأصل في الأمور ان يقوم هذا البرنامج بتدعيم مسيرة تنفيذ البرامج والأهداف التي تركز عليها الرؤية.

وأوضح أن البرنامج يحدد الإطار العام والمحاور الرئيسية التي يتوجب التركيز عليها والتي جاءت بناء على مراجعات الصندوق لأماكن القوى والضعف في الاقتصاد الأردني، مؤكدا ان أعضاء فريق الصندوق يقدمون توصياتهم ويرسمون السياسات للأردن حسب فهمهم لواقع اقتصاديات الدول الشبيهة بالمملكة.

أما بخصوص الظروف الإقليمية والعالمية الحالية، قال الشياب إن الحقيقة الرئيسة التي يجب ذكرها ان الاقتصاد الوطني اعتاد على الصدمات واثبت انه قادر على الصمود بالرغم من كثرة التقلبات والتحديات الإقليمية والعالمية، مبينا أن البرنامج الجديد يبعث برسائل إيجابية الى المؤسسات المانحة والمستثمرين الأجانب برصانة وقوة الاقتصاد الوطني.

بدوره، قال أستاذ مساعد في قسم العلوم المالية والمصرفية في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد الدويري، إن الأردن أنهى البرنامج الذي وقعه مع الصندوق في بداية 2020 من خلال سبع مراجعات، أثبت من خلالها نجاح مسيرة الإصلاح الاقتصادي، رغم نسبتها المتواضعة، نتيجة للأزمات التي رافقت هذا البرنامج من تبعات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية ومسلسل التضخم الذي اجتاح العالم.

وأضاف الدويري أن الأردن مطالب اليوم على المستويات كافة، بالمضي بمسيرة الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجها، مؤكدا أن هذا البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي يعد بمثابة الضمان لهذه المسيرة ولتحقيق أهداف اقتصادية على رأسها المديونية التي أرهقت كاهل الاقتصاد الأردني وتخفيف نسب البطالة والعجز وتحقيق نسب نمو واقعية في الاقتصاد الأردني دون أي مغالاة في التوقعات.

ودعا إلى ضرورة المواءمة بين البرنامج مع الصندوق وبين محركات رؤية التحديث الاقتصادي للوصول إلى التنمية الاقتصادية المنشودة من خلال زيادة الإيرادات العامة دون اللجوء إلى فرض ضرائب ورسوم جديدة، وإنما من خلال زيادة الإنفاق الرأسمالي وجذب الاستثمار الخارجي لتوفير فرص عمل وزيادة تنافسية المنتج الأردني.

وأكد أهمية صياغة تفاصيل البرنامج الجديد بفكر اقتصادي ومالي وطني، والذي يمتلك المعرفة التامة بتفاصيل الاقتصاد المحلي والظروف والمؤثرات التي تؤثر على هذا الاقتصاد، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعطي الدولة الأردنية امتلاك وحرية قرارها الاقتصادي دون تدخل وإملاءات من الصندوق.

وبين أن الوضع الراهن إقليميا ودوليا سيؤثر على اقتصادات دول المنطقة، ومن بينها الأردن، مضيفا أن ” الحكومة عكفت في توقعاتها السابقة رغم ارتباطها ببرامج صندوق النقد على أن تكون هذه التوقعات اقل من توقعات الصندوق، وبالتالي تأخذ دائما اسو ء الاحتمالات في توقعاتها مما يشكل تحوطا اقتصاديا لأي تطورات سلبية”.

وأوضح أن الأردن نجح بالمراجعات السبع في برنامج الصندوق السابقة ما مكنه في العام الماضي من الحصول على خمسة أضعاف لاصدارات اليوروبوند بأسعار فائدة منخفضة إذا تم مقارنتها بديون دول الإقليم، الأمر الذي يؤكد أن استمرار نهج الإصلاح الاقتصادي بإشراف من صندوق النقد الدولي ويؤكد جدية الأردن بهذا النهج مدعوما برأي مؤسسات التصنيف الائتمانية العالمية، بالتالي يفتح شهية مؤسسات التمويل الدولية لإقراض الأردن، كما تؤثر مثل هذه البرامج على التصور الأولي للمستثمر الأجنبي بوصفها بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار.

وأوضح الدويري أن الدين لا يمثل عبئا على الدول التي تنتهج فكرا اقتصاديا مستداما وتسعى بجدية نحو تحقيق تنمية اقتصادية، مؤكدا أهمية ان لا يقتصر الأمر على تحميل الاقتصاد المزيد من الديون دون الاستغلال الأمثل الذي يمكنه من إقامة مشروعات تنموية وتحريك عجلة الاقتصاد، والابتعاد عن ترحيل الأزمات المالية.

من جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري ان البرنامج الجديد و المراجعة من قبل الصندوق لها فائدة وهي “الملاءة المالية”، حيث يمكن الأردن من الحصول على المزيد من القروض، مشددا على ضرورة تسريع مبدأ الاعتماد على الذات.

وأكد أهمية أن يكون هناك مفاوضات مع الصندوق على بعض النقاط المالية مثل إعادة النظر في النظام الضريبي والتخفيف من الضرائب على المواطنين؛ كإلغاء ضريبة المبيعات المقدرة بـ 16 بالمئة، وفي المقابل التركيز على ضريبة الدخل والتهرب الضريبي وبالتالي تتجه الأمور في مسارها الصحيح.

وأشار إلى إن الظروف الحالية الإقليمية والعالمية لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد من حيث انخفاض الدخل السياحي وتراجع الاستثمار الأجنبي، مشددا على ضرورة التقاط الدروس والعبر المستفادة من العدوان الإسرائيلي على غزة، وتركيز الاهتمام نحو الأمن الغذائي والمياه وأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب أي طارئ.

وأكد الدكتور الحموري أن المطلوب حاليا من قبل الجهات المعنية في ظل ما تشهده المنطقة من حالة عدم استقرار سياسي، الاعتماد على الذات والتركيز على المستثمر المحلي وتقديم الدعم اللازم له، موضحا أن الاستثمار المحلي يشكل قاعدة ثابتة لجذب الاستثمار الأجنبي إلى المملكة.

بدوره، اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية الدكتور رعد التل، أن برنامج الإصلاح المالي والنقدي يعد أمرا ضرورياً للاقتصاد الوطني، حيث يهدف إلى تحسين الاستقرار المالي والنقدي وزيادة الثقة بالاقتصاد، ويُتوقع أن يقلل من الدين العام ويعزز الإنفاق العام بشكل مستدام.

وشدد التل على ضرورة مواءمة البرنامج مع رؤية التحديث الاقتصادي لضمان تحقيق الأهداف المحددة وتحسين الوضع الاقتصادي بشكل شامل، مؤكدا أهمية صياغة البرنامج بأيد وفكر أردني، حيث يُعد أمراً هاماً لأنه يساعد في تعزيز الاندماج والتأقلم مع الواقع المحلي بشكل أفضل.

وفيما يخص التوقعات الصادرة من الصندوق النقدي الدولي، بين التل أن التوقعات عادة مبنية على دراسات وتحليلات، لكن الظروف السياسية والاقتصادية الحالية يمكن أن تؤثر على مدى دقة هذه التوقعات.

ولفت التل إلى أنه من الممكن أن يؤدي البرنامج إلى فتح فرص للحصول على مديونية بأسعار أكثر تفضيلية، ولكن زيادة المديونية تعتمد على كيفية إدارة البرنامج واستخدام الأموال بشكل مسؤول، مؤكدا أن البرنامج الجديد يعد جاذبًا للاستثمار الأجنبي إذا نجح في تعزيز الثقة بالاقتصاد وخلق بيئة استثمارية مستدامة ومواتية.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق