إعلان حرب :ماذا يعني أردنياً؟
حسين الرواشدة
منذ بدء العدوان على غزة، تكررت لازمة «إعلان حرب»، على ألسنة العديد من المسؤولين الأردنيين، جاء ذلك في سياق تحذير الكيان المحتل من القيام بالتهجير القسري للفلسطينيين، هذا الإعلان يمكن فهمه في ثلاثة مسارات، الأول : تصعيد الخطاب الدبلوماسي الأردني، بصورة أكثر خشونة، لإيصال رسائل واضحة وحازمة إلى تل أبيب، وغيرها من العواصم الدولية، مفادها أن الأردن سيستخدم كل ما لديه من أوراق سياسية في هذه المرحلة، لكن إذا تم تهديد مصالحه العليا فإن سيعتبر ذلك إعلان حرب، وبالتالي فإن خيار الرد وارد وجاهز؛ التلويح بالحرب هنا ليس مجرد كلام مرسل، وإنما خيار واقعي، وقرار حتمي أيضا.
المسار الثاني : يبدو أن لدى الأردن معلومات او تقديرات تفيد أن المحتل الإسرائيلي سيفتح جبهة الضفة الغربية، بعد غزة، وبالتالي فإن الخطر أصبح داهما، ويقتضي التعامل معه بمنطق الحرب لا السياسة، المقصود بالحرب، هنا، الدفاع عن الدولة ووجودها وهويتها بكل الوسائل المتاحة لرد المعتدي مهما كان، المسار الثالث : تطمين المجتمع الأردني على قوة الدولة وقدرتها على قيادة الشارع، والتناغم، تماما، مع مطالبه، ثم تهيئته للاستعداد لكل الخيارات في المرحلة القادمة، ومنها خيار الحرب، هذا الذي غاب عن الخطاب الأردني منذ حرب الكرامة.
هل نحن جاهزون للحرب؟ أثق، أولا، بجيشنا العربي البطل ثقة مطلقة، وأدرك، تماما، أن بلدنا لا يفكر في إعلان الحرب على أحد، لكنه قادر على الدفاع عن نفسه إذا ما فُرضت عليه، الجاهزية، هنا، تتجاوز القدرات العسكرية إلى مستلزمات أخرى، أهمها وحدة الجبهة الداخلية وقوتها وصلابة تماسكها، وأعتقد أن ذلك متوفر الآن، فالأردنيون موحدون دائما، خاصة عند الأزمات، لكن يبقى أن نفكر، منذ الآن، باستحقاقات أوسع تجعلنا أكثر استعدادا وجاهزية، ذلك أن استدعاء خطاب الحرب، وإعادة التذكير بوجود «عدو» يهددنا، هو أفضل ما أنجزناه في هذه المرحلة.
استدعاء خطاب الحرب، بعد عقود من الاسترخاء الوطني، ضروري ومهم، كما أنه يشكل حالة أردنية جديدة، تتناسب مع استحقاقات ما بعد العدوان على غزة، بما كشفه من من وقائع، وما سيترتب عليه من تحولات في المنطقة، لكن هذا الاستدعاء يجب أن يتجاوز حدود الاستخدام السياسي، أو التوظيف المرحلي، لكي يؤسس قواعد مجتمع جديد، في إطار استراتيجي للدولة، هذا يحتاج، بالطبع، إلى أن نتعاطى مع الموضوع بعقل هادئ، وخطط مدروسة، تبدأ بتغيير حقيقي في كافة المجالات: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية..الخ، لأن أي مجتمع يضع على أجندته إمكانية مواجهة الحرب، يحتاج إلى مقومات وروافع وأدوات، تضمن له القدرة على خوضها، ثم الانتصار فيها.
حين ندقق في الخطاب السياسي الأردني تجاه القضية الفلسطينية. والمحتل الإسرائيلي تحديدا، نجد أن سلسلة من التحذيرات او التلويح بحدوث تصادم في العلاقات، بدأت بالتدرج منذ سنوات، مع هيمنة التيار اليميني الصهيوني المتطرف على الحكم، ثم تصاعدت قبل العدوان على غزة، وصولا إلى لحظة الصدمة الكبرى ( 7 اكتوبر) التي قلبت كل الموازين، ربما أدرك الأردن، في هذه اللحظة بالذات، أن مرحلة إدارة الصراع مع تل أبيب انتهت، وبدأت مرحلة حسم الصراع، وبالتالي تبخرت عملية السلام وبدأت مرحلة الحرب، سياسيا واقتصاديا، وربما عسكريا أيضا.
باختصار، إذا كنا في حرب، أو أمام حرب قادمة، هذا يعني، أو يجب أن يعني، تغييرات جذرية، تبدأ على الفور، لمنظومة واسعة من الاعتبارات والحسابات والخيارات القائمة، أو بصيغة أخرى، إعداد ميدان المعركة بما يلزم من متطلبات على كافة الأصعدة، لقد فعلنا ذلك قبل نحو 50 عاما، ولا بد أن نفعله الآن، إذا صدقت النوايا، وصحت العزائم.