2024 عام استثنائي في أجندة الأردن
ماهر أبو طير
أعود إلى خبراء استشراف المستقبل، في القطاعات كافة، وأغلب توقعاتهم المنشورة في سنين ماضية كانت تتحدث عن سنوات صعبة مقبلة على الطريق، لاعتبارات مختلفة.
في نهايات هذا العام، فإن المؤكد أن العام المقبل سيكون أصعب هنا في الأردن، والكلام هنا لا يقال من باب التركيز على السلبية والتشاؤم، بل لأن الظرف الداخلي من جهة، وظروف الإقليم، ضاغطة جدا، وتبدو المهمة الأولى منحصرة بالتخفيف من كلف الأزمات الداخلية، والمحيطة بنا، لا وقفها، لأن وقف الأزمات بحد ذاتها، ليس أمرا بهذه السهولة التي يظنها كثيرون، خصوصا مع الترابطات التي نراها من حيث التأثير بين كل حلقات الإقليم.
ربما من أهم الملفات خلال العام 2024، على الصعيد الداخلي-الإقليمي المشترك تثبيت الاستقرار، في ظل ظروف ضاغطة بعضها يعد داخليا ويتم تصنيعه محليا، وبعضه بسبب أزمات الجوار وبالتحديد فلسطين، والحدود مع سورية، والمخاوف من أزمات مفتوحة على صعيد التهجير، وإنهاء المشروع الفلسطيني، وتمدد الحرب على المستوى الإقليمي، وما يتعلق بملف البحر الأحمر والملاحة والتجارة والنفط، وصولا إلى تداعيات حرب الحدود السورية، التي تترابط بشكل أو آخر مع مهددات الحدود الأردنية مع العراق، وما يرتبط أيضا بمهددات من جانب جماعات سياسية مسلحة موجودة، أو قد تتأسس على وقع كل هذه الظروف.
من أهم الملفات أيضا خلال العام 2024 الملف المرتبط بإسرائيل، والأخطار التي يمكن تحليلها حول المشروع الإسرائيلي بخصوص المنطقة، والأردن، وإذا كان الأردن يراهن على خارطة تحالفات تحميه على مستوى الإقليم، فإن هذه التحالفات وبشكل منطقي غير مضمونة تماما، لأن النفوذ الإسرائيلي في العالم، يشكل خطرا من نوع ثان، وهذا يعني أن علينا أن نقرأ جيدا آفاق المشروع الإسرائيلي، وحالة التوحش السياسية والعسكرية والرعاية الغربية لأولويات الكيان، ومدى اضطرار إسرائيل لفرض سيناريوهات جديدة في كل المنطقة.
ومع هذا، تقييمات الوضع الاقتصادي على الصعيد الداخلي، وتأثر هذا الوضع بالتراجعات الاقتصادية، وأسعار النفط، وما يرتبط بنسب البطالة التي ترتفع، بحيث تدفع الجامعات عشرات آلاف الخريجين إلى الأرصفة كل سنة، مع شدة التنافس على الوظائف، وانخفاض الأجور، وعدم قدرة القطاع الخاص على توليد الوظائف، بل كل الخشية تنحصر بإغلاق الوظائف، وخسارة الآلاف لأعمالهم في قطاعات مثل السياحة، كما أن الملف الاقتصادي يرتبط بالعجز والمديوينة، وارتفاع النسب كل سنة بقيمة تتجاوز الملياري دولار في المتوسط، والمخاوف من إمدادات الطاقة من الغاز الفلسطيني المنهوب إسرائيلياً وكلف ذلك على الخزينة، وتأثر قطاعات حيوية مثل السياحة والعقار، وغير ذلك من قطاعات تلقت ضربة أسوأ من كورونا، خلال الأشهر القليلة الماضية، لأن أزمة كورونا حظيت بمعالجات حكومية من خلال الخزينة والبنك المركزي والضمان الاجتماعي، فيما هذه الظروف تترك أثرها المباشر، على كل القطاعات، وسط مؤشرات على أن لا تدخل إغاثيا حتى الآن لهذه القطاعات.
وسط العنوانين السابقين، يجهد الأردن لإدامة مساراته الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو يعلن رسميا عن انتخابات نيابية مقبلة، حتى الآن، إذا لم تتدهور ظروف الإقليم بشكل واسع، في ظل معادلات على صلة بالشعار الانتخابي، والعنوان الحزبي، والبرامج، ونوعية التحشيد المسبقة، ثم نوعية النواب، وسط مناخات على صلة بالتوتر الشعبي بسبب ظروف الإقليم من جهة، والأوضاع الاقتصادية التي تؤثر بشكل عام.
هذه بعض الملفات التي يعرفها الكل وليست سرا، على أي حال، لكن ما يمكن قوله، إن العام 2024 سيكون استثنائيا في أجندة المائة عام الأخيرة، ليس على الأردن وحسب بل على كل دول المنطقة، لاعتبارات مختلفة، مهما حاول البعض التهوين من هكذا قراءات، وهذا يعني أننا بحاجة الى إدارة استثنائية لهذه الخارطة المعقدة، خصوصا أن مبدأ تسكين الأزمات يصلح في تواقيت غير هذه التواقيت، مثلما أن الإدارة اليومية لكل هذه الأزمات مفيدة في مرات ثانية، بما يوجب علينا دون مبالغات، أن نعمل معا، على بلورة إدارة مختلفة.
مر الأردن بتواقيت أصعب طوال تاريخه، وكان ينجو كل مرة بفضل الله، ورغم كل الهواجس اليوم، فإنه ليس أمامنا إلا صون هذا البلد بكل ما أوتينا من عقل وقوة، وضمير أيضا، خصوصا أن العام 2024 يعد استثنائيا أيضا على كل دول المنطقة بشكل عام.