بطولات أردنية إنسانية ودبلوماسـيـة فــي غــزة
نيفين عبدالهادي
يتفق السياسيون والمحللون والعسكريون على أن الحرب على أهلنا في غزة تواجه بمعركتين لا تقل إحداهما أهمية عن الأخرى، أولهما المعركة العسكرية في ميدان الحرب، والأخرى دبلوماسية وتفاوضية، ولكل منها مناضلون ومحاربون سعيا للانتصار لغزة ومواطنيها الأبرياء، وانتصارا للسلام الذي بات بعيد المنال في واقع الحال الذي ارتكب به الاحتلال الإسرائيلي أبشع وأخطر جرائم الحرب.
وبطبيعة الحال ودون أي جدال فقد تسيّد الأردن بقيادة جلالة الملك الجانب الدبلوماسي، وغدا بطلها بحرفيّة التطبيق والعمل، والسعي منذ ما يقارب الأربعة أشهر بشكل حثيث وعملي لوقف الحرب التي يشنها الاحتلال على الأهل في غزة، وسرعة ادخال المساعدات التي عمل في سعي حثيث لإدخالها من كافة المعابر الممكنة وبكافة الوسائل المتاحة، ليسجّل بطولات دبلوماسية إنسانية حقيقية يتحدث بها لسان حال كل الأهل في غزة وفي الضفة الغربية، حيث يؤكدون على أن الأردن هو السند الحقيقي لفلسطين والفلسطينيين.
بالأمس، في كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال زيارته إلى صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية، أكد جلالته على «أهمية تعلم الدروس من تجربة رواندا في محاربة الخطاب اللاإنساني الذي يغذي الصراعات. وقال جلالته في كلمته «علينا أن نتمسك بإنسانيتنا حتى نتجنب الوقوع في الهاوية»، نعم ففي الإنسانية والحفاظ عليها والتمسك بها نحفظ يومنا وغدنا، ويحمي الدول والشعوب والعالم من الوقوع في الهاوية، رسالة عميقة هامة، بدلالات ثرية بأن المضي في درب الحروب والإبادة وتغييب مبادئ الإنسانية لن يكون القادم سوى «الهاوية».
وفي حقيقة هامة تحدث بها جلالة الملك بعدما تحدث عن جرائم الإبادة في رواندا، وكم تحمل أبعادا يجب الأخذ بها على محمل التنبّه والحذر، قال جلالته (أصبح نحو 30 ألفا في قطاع غزة في عداد الشهداء والمفقودين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والغالبية العظمى منهم، أي حوالي 70 بالمئة، من النساء والأطفال. لقد تجاوز عدد الضحايا الأطفال في غزة عدد الضحايا من الأطفال في كل الصراعات والحروب التي شهدها العالم خلال العام الماضي مجتمعة. وفقد العديد من الأطفال الناجين أحد والديهم أو كلاهما. أمامنا جيل كامل من الأيتام)، واقع وضعه جلالة الملك بحقائق يغمض العالم أعينه عنها، يضعه جلالة الملك بشفافية ووضوح، محرّكا ساكن هذا الواقع الذي تجاوز كل معاني الخطورة، بتأكيدات واضحة وحاسمة من جلالته على أنه «دون التوصل للسلام العادل على أساس حل الدولتين، سيستمر العالم بدفع ثمن باهظ لفشله في حل هذا الصراع، ولن نتمكن أبدا من أن ننعم بالسلام والاستقرار الحقيقيين في الشرق الأوسط».
بطولة دبلوماسية وإنسانية بحجم تحديات المرحلة، فوسط ما يحدث في غزة، واستمراره لن ننعم بالسلام والاستقرار في منطقتنا، حتى في العالم، ذلك أن بقاء واقع الحال على ما هو عليه من حرب إسرائيلية على غزة والقصف العشوائي، والدمار والمجازر لن يكون هناك أي أمل بالاستقرار، ولمن لا يرى هذه الحقيقة التي وضعها جلالة الملك أمام العالم حتما سيقود الوضع لمزيد من الدمار والمجازر، ويزداد عدد الأيتام في غزة، وعدد الشهداء الأبرياء من المدنيين، وفي ذلك نخط تاريخ هذه المرحلة بأقلام عبّأت محابرها من دموع العيون، ودماء الأبرياء، ونتركها مرحلة متخمة بالمجازر، وحرب الإبادة، وخطى بعيدة أميالا عن السلام الحقيقي والاستقرار والتنمية.
الدور الأردني تجاه الأهل في غزة، لم ولن يتوقف، وقد سجّل بطولات دبلوماسية ربما انفرد بها في الكثير من المحافل الدولية، وغدت عمّان محطة أساسية في كافة المباحثات والجهود التي تبذل لوقف الحرب، ناهيك عن بطولاته الإنسانية والاغاثية، وبطبيعة الحال بطولات نشامى القوات المسلحة، في إيصال المساعدات من خلال الإنزالات، ودور الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية التي تسيّر شبه يوميا شاحنات مساعدات.
الدستور