لا يتحدثون بصراحة عن الضفة الغربية

ماهر أبو طير

لا تعرف لماذا لا يتحدث السياسيون بصراحة، برغم معرفتهم أسرارا كثيرة، إضافة إلى تحليلهم للمشهد، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها كارثة عربية تقليدية اعتدنا عليها طوال عقود.
لنتحدث هنا بصراحة وبدرجة أعلى حول الضفة الغربية تحديدا التي يفترض أن تكون أرضا للدولة الفلسطينية وفقا لحدود 1967، ولنكرر مجددا استحالة نشوء دولة فلسطينية مكتملة لأن من يحكمون إسرائيل من خلال المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية في الحكومة والكنيست، ومعهم جمهور الاحتلال يعتبرون الضفة الغربية “يهودا والسامرة” بما تعنيه دينيا لإسرائيل.
هل نصدق أن إسرائيل بكل ألوانها سوف تسلم الضفة الغربية للفلسطينيين المسلمين والمسيحيين من أجل إقامة دولتهم، ونحن نعرف أن الضفة الغربية بالمفهوم التوراتي تعتبر منطقة دينية مقدسة سواء في القدس حيث استهداف الحرم القدسي والمسجد الأقصى، والخليل حيث الحرم الإبراهيمي في الخليل، ونابلس، ومواقع ثانية.
وفقا لمعاهدة أوسلو وملحقاتها تم تقسيم أرض الضفة الغربية إلى 3 مناطق، مع احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على الحدود والأمن الخارجي والقدس والمستوطنات ومسؤولية الأمن الشامل للإسرائيليين، والمناطق الثلاث هي مناطق “أ”: تمثل 18% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسلطة الفلسطينية، مناطق “ب” وتمثل أيضاً 18% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع إداريا للسلطة الفلسطينية في شؤون الصحة والتعليم وإدارة الاقتصاد، وتتشارك أمنيا مع الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرا مناطق “ج” وتمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، وقد نص اتفاق أوسلو على تسليمها للسلطة الفلسطينية، ولكن إسرائيل احتفظت بسيطرتها الكاملة عليها، بما في ذلك شؤون الأمن والتخطيط والبناء، فهي تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، ولم تسلمها إلى السلطة الفلسطينية.
هذا يعني أن تجمعات الفلسطينيين الفعلية تعادل 18% فقط من كل الضفة التي تعادل 21% من كل فلسطين التاريخية، وما يراد قوله الآن أن الضفة هذه الأيام وهي تتعرض لجرائم إسرائيلية يومية، واعتقالات بالآلاف، ومع تسليح مئات آلاف المستوطنين، في طريقها إلى سيناريوهات خطيرة، من أبرزها إفلات ميلشيات المستوطنين للهجوم على المدن والقرى القريبة منهم بهدف إزاحتهم داخليا، وتحريكهم على أساس كتل بشرية نحو مناطق ثانية وتحديدا إلى منطقة أريحا وغور الأردن، إذا تمكنوا من ذلك نيابة عن الجيش الإسرائيلي.
عدد سكان الضفة الغربية بلغ عام 2023 وفقا لجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نحو 3 ملايين و257 ألف نسمة، يتوزعون على 11 محافظة محاطة بالمستوطنات والتجمعات الاستيطانية المؤقتة، ولا انسيابية في الحركة داخل الضفة الغربية، بسبب تقطيع المدن، والحواجز واستمرار مصادرة الأراضي، وبناء وحدات استيطانية جديدة، في سياق يقول إن مرحلة الاستيطان بعد اتفاقية أوسلو كانت الأخطر والأغزر من حيث العدد والامتداد.
هذا يعني أن إسرائيل طوال 3 عقود ماضية ومنذ أوسلو لم تتعامل مع أرض الضفة الغربية باعتبارها للفلسطينيين، بل سيطرت عليها وواصلت سرقة الأرض والبناء، والسبب بسيط فهي في المفهوم الإسرائيلي تعد أرضا توارتية لا يمكن التنازل عنها للشعب الفلسطيني.
يقال كل هذا الكلام لأولئك الذين يظنون أن هناك احتمالات لقيام دولة فلسطينية في أرض لها تعريفها الخاص إسرائيليا، وهو تعريف لا يجرؤ أحد في كيان الاحتلال على تجاوزه.
لقد كانت الكارثة الأكبر التي تعرض لها الفلسطينيون تتمثل باتفاقية أوسلو التي اعترفت بإسرائيل ولم تحصد دولة، ومنحت الاحتلال الوقت والأمن والسلام لإكمال مشروعه في الضفة.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق