محاضرة تناقش موقف الفيلسوف الألماني هابرماس من الحرب على غزة
هلا أخبار – ناقشت محاضرة ألقاها الباحث في علم الاجتماع الدكتور كمال ميرزا، مساء أمس الثلاثاء في مقر الجمعية الفلسفية الأردنية، موقف الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس من العدوان الإسرائيلي وحربه على غزة.
وجاءت المحاضرة على خلفية البيان الذي وقّعه أخيرا “هابرماس” مع مجموعة من الأكاديميين والمفكرين الألمان بعنوان “مبادئ للتضامن”، والذي أنكر فيه على المتظاهرين الألمان المتعاطفين مع غزّة إطلاقهم وصف “الإبادة الجماعية” على ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، واعتبار ذلك ضربا من “معاداة السامية” التي تتنافى مع كون اليهود جزء لا يتجزأ من الحياة الألمانية، وبما يهدد وحدة وتضامن ألمانيا الاتحادية.
وفي المحاضرة التي حملت عنوان “هابرماس وغزّة: هل أصيب وريث مدرسة فرانكفورت بالخَرَف”، وأدارتها عضو الهيئة الإدارية في الجمعية الدكتورة لينا الجزراوي، لفت الدكتور ميرزا الى أن “هابرماس” الذي يبلغ حاليا 94 عاما لم يصب بالخرف، إلا أنّ موقفه من الشعب الفلسطيني ومن غزّة “متسق تماما” على ثلاثة مستويات: متسق في سياق الحضارة الرأسمالية الغربية، أو حضارة التنوير/ الحداثة، ومتسق
في سياق “مدرسة فرانكفورت” التي يعتبر “هابرماس” وريثها الحالي، ومتسق مع فلسفة وطروحات “هابرماس” نفسه.
وبين في محاضرته التي حضرها عدد كبير من المثقفين والمهتمين، أن المستوى الأول يتمثل بأنّ القتل والدمار والعنف والاستلاب والاستبعاد والعنصرية والإمبريالية والتطرّف والإرهاب هي وجوديا (أنطولوجيا) ومعرفيا (ابستمولوجيا) ونفسيا (سيكولوجيا) سمة ونزعة جوهرية في أصل ما يسمّى الحضارة الرأسمالية الغربية، أو حضارة “الرجل الأبيض”، بتنويرها ومشروع حداثتها، وليست مجرد أنماط هامشية أو شاذة خارجة على أصل المسار التاريخي لهذه الحضارة، وانها اختزلت الإنسان في ظل سيادة النزعة المادية.
وفيما يتعلق بالمستوى الثاني، أوضح أن مدرسة فرانكفورت هي “فلسفة اجتماعية”، مشيرا إلى أن علم الاجتماع الحديث هو العلم الذي يدرس المجتمع الرأسمالي الصناعي الغربي، أي المجتمعات التعاقدية، المنضدّة طبقيا، والتي حلّت فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية مكان جميع أشكال العلاقات الاجتماعية السابقة، وتسود فيها مرجعية “المصنع والسوق”.
أما ما يتعلق بالمستوى الثالث، أوضح أنّ “هابرماس” يميّز بين ثلاثة أنواع من “المصالح المعرفية”، فهناك “مصلحة تقنية” مرتبطة بالعمل تفضي إلى ظهور “العلوم الوضعية”، وهناك “مصلحة عملية” مرتبطة بالتواصل تفضي إلى “العلوم التأويلية”، وهناك مصلحة ثالثة منبثقة عن المصلحة العملية، هي مصلحة “الانعتاق والتحرر” تفضي إلى “العلوم النقدية”.
وفسر أنه بحسب “هابرماس” فإن الأفعال المرتبطة بالمصلحة التقنية هي “أفعال استراتيجية” أداتية غائية عقلانية (بالمعنى المادي الترشيدي للعقلانية) يُترك للخبراء والمختصّين والتكنوقراطيين تقديرها وتقريرها، ومن جملة ذلك تقرير أهل الاختصاص من الساسة والعسكر “رد الفعل” المناسب تجاه حماس.
ولفت إلى أن “الأخلاق الكلية” التي ينادي بها “هابرماس”، هي “أخلاق إجرائية” لا يهم مضمونها الذي يعتمد على ظروف المجتمع الخاصة، مبينا أن وجهة نظر “هابرماس” تفضي إلى أنه طالما أنّ القرار بإبادة وتهجير أهالي غزّة قد تم اتخاذه من قبل حكومة خبراء وأهل اختصاص تمّ انتخابهم بطريقة حرّة وديمقراطية والمقصود هنا إسرائيل، فإنّ هذا القرار هو قرار “أخلاقي” حتى ولو كان مضمونه يعني الموت والدمار والإفناء لأهالي غزّة.
وخلص ميرزا إلى أنّ عنصرية “هابرماس” كقومي ألماني، أو كنازي مضمر، منعته من أن يرى فيما يحدث انتقال نزعة “الهيمنة” و”الاستلاب” و”الاستبعاد” الأصيلة في النظام الرأسمالي من طور النظام العالمي حيث إمبريالية الدولة القومية/ الويستفالية.. إلى طور العولمة/ النظام العالمي الجديد حيث إمبريالية الشركات التي تقوّض الدولة، وتستعمرها.
وجرى في ختام المحاضرة حوار مستفيض حول الموضوع شارك فيه عدد من الباحثين والأكاديميين.