تصنيع الأزمات وكلفتها في الأردن

ماهر أبو طير

أنا وغيري مع فلسطين، عقيدة وحياة، ومع قطاع غزة، ولا نحب إسرائيل، ونريد قطع العلاقة معها، ونصنفها عدوا، وأرشيفي وأرشيف غيري يشهد على أن هذه مواقف مكتوبة.
المرء لديه موقف لا يعتذر عنه، ولا عن غيره، حتى لا يتم استدراجنا إلى مساحات التبرير، حين نتحدث عن الأردن، حيث لا معقولية أبدا لحالة توزيع شهادات الوطنية، أو سلبها.
قيل مرارا إن اشتعال النار في بيت شقيقك التوأم الذي يجاورك في بيته أيضا، تفرض عليك الوقوف معه، ومحاولة إطفاء النار، ولا تكون مساندته بإشعال بيتك أيضا، ولا فتح نوافذ بيتك لدخول أدخنة الحريق إليه، وهذه قاعدة أخلاقية لا يختلف عليها أي شخص عاقل أو منطقي.
هذه الأيام هناك حالة تصعيد متدرج في الأردن، وكأن المطلوب جر الأردن إلى حالة الحرب، من خلال تصنيع أزمة داخلية أردنية لاعتبارات مختلفة، على خلفية ملف غزة، هذا على الرغم من أن الأردن سمح منذ السابع من أكتوبر بالمسيرات والمظاهرات، وفقا لمعايير قانونية، وسمح بحملات الإغاثة الشعبية، وقام بجهود رسمية إغاثية لافتة للانتباه، بل إن الأردن كان أول من استطاع فتح ثغرة جوية لإنزال المساعدات، وصنع مسارا عالميا للإغاثة الجوية، وهو أيضا الذي أدار حملة سياسية عالمية على مستوى الاتصالات مع رؤساء الدول، والعواصم النافذة من أجل وقف الحرب، إدراكا منه لكلفتها، وخطرها الأمني والاستراتيجي على الأردن.
لماذا يكون الأردن حصرا في امتحان لا ينتهي طوال عمره يراد عبره إفشاله فيه كل مرة، ويتم إعفاء غيره من دول عربية وإسلامية من ذات الأسئلة، ويتم تحميل البلد الذي يواجه أزمات معقدة كل هذه الأثقال، وكأن المقصود تلطيخ سمعته، واستصغاره، ونقل النار إليه، في ظل مخططات علنية لليمين الإسرائيلي تستهدف الأردن، وتريد نقل الفوضى إليه، وحل مشكلة الضفة الغربية، وهذا لن يتأتى إلا في حالة فوضى مفتوحة دموية.
هذا الاستهداف قد يتورط فيه البعض محليا بحسن نية أو سوء نية، لكن كلفته الإجمالية خطيرة جدا، في ظل اعتقاد البعض أن تثوير الأردن وخلخلته داخليا هو الحل لقطاع غزة، بالرغم من أننا نرى أن عمليات التثوير الشعبي لا تنجح للأسف داخل القدس، ولا في الضفة الغربية، ولا في فلسطين المحتلة عام 1948، بما يعني أن سيناريو التثوير في الأردن، مثير للأسئلة حقا.
مناسبة الكلام ما نراه يوميا، من تصعيد قد يأخذ البلد إلى مكان لا نريده أبدا، وهذا يفرض بكل صراحة التهدئة، وعدم الدخول في مواجهات، ووقف التخوين، وتصغير البلد، والتوقف عن محاولة افتعال أزمة داخلية، خصوصا، أن حق التظاهر مثلا مكفول، لكن دون تجاوزات، والتراجع عن تأسيس “نواة نارية” لازمة داخلية قد تتحول إلى محنة، من خلال تصرفات كثيرة.
كثرة تذهب بعيدا في الكلام وتتحدث عن وجود أجندات ومندسين وحملات إلكترونية مدارة من الخارج، ووجود معلومات عن تعليمات لخلخلة الأردن داخليا، فهذه تعبيرات لا أريد مناقشتها، لأنها تجلب كل مرة ردود فعل ناقدة، ولا يقبلها كثيرون، والأهم هنا ليس اللجوء إلى هذه الصياغات، بل التنبه إلى الكلفة الإجمالية على الأردن واستقراره، ولمن تصب منفعة أي خلخلة داخلية، مغطاة بحسن النية أو سوء النية، في ظل مخططات إعادة رسم كل الإقليم.
لا يمكن أن يكون تأزيم الأردن، أمرا مقبولا، ولا طبيعيا، لأن العدو ليس الأردن، والعدو محدد وواضح، وكل المطالبات التي يتم طرحها طبيعية، وتم طرحها سابقا ومرارا، لكن إدارة المشهد يجب أن تحسب جيدا من سيكون المستفيد أو الخاسر إذا انفلتت الأمور وخرجت عن السيطرة.
الفلسطينيون يعتبرون الأردن متنفسهم في هذه الدنيا، فمن هو العاقل تحت عنوان نصرة فلسطين يريد مد الحريق إلى هنا، فيما المقاومة الميدانية ذاتها داخل القطاع تدرك من هو عدوها، وهذا يفرض على الصعيد المحلي أن تقوم كل القوى بمراعاة التوقيت، وعقلنة المشهد، حتى يبقى الأردن آمنا، وحتى يتم إغلاق الباب في وجه التأويلات.
سؤالان متبقيان: هل يعقل أن يكون الانتقام من إسرائيل، بنقل المواجهة إلى الأردن، وهل يفهم بعضنا من جهة ثانية إكراهات الموقع الجيوسياسي للأردن، وكلفة هذه الإكراهات؟.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق