خيبات الأمل

عصام قضماني

يبدو أننا على موعد مع خيبات الأمل في قطاع السياحة، فلا يكاد يلتقط أنفاسه حتى يسقط مجددا في معترك المنطقة والإقليم.

التحوط في الاقتصاد كما التحوط في الحروب، يحتاج إلى سيناريوهات وأظن أن الذين توقعوا لهذه الأزمة أن لا تتجاوز أسبوعين أو شهر باتوا يدركون اليوم أن تقديراتهم ليست خاطئة فحسب بل قصيرة النظر.

أظن أن صانع القرار في الأردن سيحتاج إلى أكثر من خزان أفكار خارج حدود التفكير البيروقراطي، باختصار يحتاج إلى جهد جميع الشرائح الفكرية للمساهمة في وضع السيناريوهات، المؤسسات الفكرية والجامعات والمنتديات حتى الإعلام والمحللين والكتاب.

هذه واحدة أما الثانية فهي أن الأولوية الآن للقطاع الأكثر تضررا وسنحتاج إلى إحصائيات مبكرة تعطينا مؤشرات حول حجم الأضرار دون مبالغة ودون تهوين لما أصاب قطاع السياحة ولما ينتظره في قادم الأيام.

قطاع السياحة هو الأكثر حساسية للأحداث سلبية كانت أم إيجابية ودرجة استجابته وتفاعله هي ما يحدد شكل الأداء المقبل للاقتصاد وأكاد أزعم أن منصة إنذار مبكر للتغيرات والتحديات الاقتصادية.

قطاع السياحة لا يجب أن يدار من وزارة أو وزير هو بحاجة لأن يدار من مجلس حكماء وما الوزارة والوزير إلا ذراع تنفيذي لمخرجات هذا المجلس، نقول ذلك طالما أن مفاجآت المنطقة والإقليم والعالم لا تمهل ولا يجب أن تهمل بالتعامل معها على اعتبار أنها مؤقتة أو طارئة.

بدا منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب أن قطاع السياحة الأول في قائمة خيبات الأمل وليس الأخير.

هل يجب أن ننتظر أن تغلق فنادق في البترا والعقبة ووادي رم أبوابها لوقف نزيف الخسائر كي نتدخل بخطط الإنقاذ المتاخرة.

تقع هذه الفنادق وكثير من المؤسسات السياحية مثل المطاعم بين مطرقة تراجع وانعدام السياحة الأجنبية في عز موسمها وسندان التكاليف وضغوط الالتزام بسداد الديون.

هناك في الحكومات من يخجل من الحديث عن السياحة فهو يعتقد أنها تعني الانفتاح وأحياناً يبرر وقوفه ضدها بأنها قد تغير سلوك المجتمع وقد تخترق جداره المحافظ وهذا ليس صحيحاً

أذكر حواراً مع الراحل عقل بلتاجي وأزعم أنه كان أب السياحة في الأردن، قال لكاتب هذا العمود إن أول ما يلحظه السائح الأجنبي قبل قدومه للأردن هو أن يقرأ عن عادات وتقاليد البلد الذي يزوره.

الوضع يشبه ما حصل في موسم كورونا لكن الفرق كان في تحديد حركة السياح قصرا في الأولى بينما في الثانية خيارات السياح الخائفين من زيادة التوترات في المنطقة.

كنا حثثنا على تسويق الأردن مثل بيت هادئ في حي مضطرب لكن ذلك كان يحتاج إلى جهود مضاعفة وفيما يبدو أن المؤسسات المعنية بالترويج لم تعثر على المفتاح فهل كان التسويق خاطئا أم أن الإنفاق عليه كان باهتا؟.

في تقرير سابق حذر البنك الدولي من أن اتساع نطاق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واستمرارها ينطوي على آثار اقتصادية محتملة على الاقتصاد الأردني لا سيما تأثيرها على النشاط السياحي وما يترتب عليها من آثار على إيرادات السياحة والحسابات الخارجية.

تقرير البنك الدولي، قال إن الحرب تشكل “تهديدا” للنشاط السياحي وإيراداته خاصة في بداية مواسم الذروة، بعد التعافي القوي للقطاع السياحي من أزمة كورونا.

نسبة إشغال الفنادق والحجوزات كانت قد تراجعت بنسبة 50 إلى 75% خلال شهرين على بدء العدوان، فما هو وضعها الآن؟.

صناعة الطيران – التي كانت تتعافى لتوها من خسائرها المرتبطة بأزمة كورونا – ليست بعيدة عن مرمى الخسائر وقد تتكبد تكاليف تشغيلية أعلى لأنها تتخذ مسارات أطول لتجنب التحليق فوق مناطق الحرب، وقد تنشأ تكاليف إضافية أيضا في حالة ارتفاع أسعار الوقود، مما قد ينعكس على سعر المستهلك النهائي ويؤثر بشكل أكبر على السياحة.

الأوضاع تبدو أسوأ وربما سيتطلب الأمر إطلاق حزم إنقاذ أسوة بتلك التي أطلقت في أزمة كورونا للحفاظ على العمالة ودعم صمود القطاع كي تبقى الفنادق والمطاعم واقفة.

سيحتاج الأمر إلى سرعة في ردات الفعل لمواجهة النزيف.

قطاع السياحة لا يعمل وحيدا فهو مرتبط بعشرات القطاعات الأخرى مثل المواد الغذائية وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل، والبناء.

قطاع السياحة أو الخاسرين وهو أيضا آخر المتعافين بعد توقف الحرب.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق