ولي العهد يجري مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية

هلا أخبار – أجرى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية، بمناسبة “اليوبيل الفضي” لتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية.

وتحدث سمو ولي العهد في المقابلة، التي بُثت اليوم الأحد، عن فترة الخمسة وعشرين عاما الماضية، وأبرز مواقف الأردن وإنجازاته، وما واجهه من تحديات، وتطلعاته للمستقبل.

وأشار سموه إلى منعة الأردن وقدرته على تخطي ظروف الإقليم المعقدة، وأهمية العلاقات الاستراتيجية التي تتمتع بها المملكة.

وتطرقت المقابلة إلى جملة من المواضيع السياسية والاقتصادية وأبرز التطورات على الساحة الإقليمية.

وتخلل المقابلة زيارة إلى محمية غابات عجلون التابعة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، تناولت الجانب الشخصي لسمو ولي العهد، وعددا من المحاور حول السياحة في الأردن.

وتاليا النص الكامل للمقابلة، التي أجراها الإعلامي طاهر بركة:

 

العربية: أهلا ومرحبا بكم سمو الأمير. شكرا لثقتكم بقناة العربية، على ذكر اليوبيل الفضي اسمح لنا أن نبدأ بالسنوات الخمس والعشرين الماضية، هذه السنوات لا شك حملت الكثير من التحديات للأردن أولا محليا وإقليميا، وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كيف تنظر إلى تخطي الأردن لكل تلك التحديات؟ 

سمو ولي العهد: سيدي في البداية أود أن أشكر قناة العربية، وأشكرك على هذه الفرصة.

وبالنسبة لسؤالك عن تجاوز التحديات آخر خمس وعشرين سنة، لأن شعبنا واع ٍ، ومؤسساتنا قوية، ولدينا قيادة تفكر لبعيد. ونحن تاريخيا دولة متزنة، ولا نسمح للانفعال والمزاج بالتأثير على قراراتنا.

وأعلم أن الناس لا يرغبون بسماع الحديث عن التحديات، لكن المهمة آخر 25 سنة، لم تكن سهلة، الربيع العربي وتبعاته، وحروب على حدودنا من كل جهة، كورونا، إرهاب، وأزمات اقتصادية عالمية.. إلى آخر القائمة.

اقتصادنا خسر مليارات الدولارات بسبب انقطاع الغاز المصري وإغلاق الحدود مع سوريا، وفرص أخرى ضاعت؛ بسبب انعدام الاستقرار في الإقليم.

ولكن سيدي عند المقارنة مع الدول الأخرى، لا يوجد دولة مرت بظروف مثل الظروف التي مر بها الأردن، ولأسباب خارجة عن إرادتنا، وتجاوزتها بسلام مثل الأردن.

جلالة الملك، ومن قبله جدي الملك الحسين – رحمه الله – عَمِلا على بناء علاقات مع قادة الدول أساسها الاحترام، ولذلك يُسمع صوت الأردن ولو كان هناك اختلاف في وجهات النظر.

 

العربية: هذه نقطة مهمة أسمح لي بالتركيز عليها إذا سمحت لأنه يجب أن نضع بمقابلها أن الأردن بعد كل هذه التحديات التي تحدثت عنها سموك، بلد صغير نحبه ونحب شعبه كثيرا وفي قلبنا كبير ولكن بلد صغير المساحة محدود الموارد، بالتالي يجب أن نسأل عن كيفية أو إمكانية استقطاب جلالة الملك عبدالله الثاني العالم إلى جانب الأردن، وأن يكسب هذه المكانة والاحترام له وللأردن لدى العالم؟

سمو ولي العهد: أريد أن أضيف نقطة لسؤالك السابق. السؤال المهم بالنسبة لي اليوم، هو كيف سيكون شكل الخمسة وعشرين سنة القادمة؟ أولويتي أن يكون الأردن أقوى، وأن نعتمد على أنفسنا، وأن يكون لدينا اكتفاء ذاتي.

ضروري أن نقوم بتطوير تعليمنا، وصناعتنا، وأن نروج للسياحة بشكل أفضل، وأن نزيد حجم الاستثمار ونفتح أسواقا جديدة.

ضروري أن يكون في كل مرحلة، واقعية في التخطيط، وتكون لدينا مرونة جميعنا، وأن نتوقع أن تكون هناك أزمات بالمستقبل، لكن يجب أن نحضر أنفسنا لها وأن نكون مستعدين لكل السيناريوهات.

بالنسبة لسؤالك، قد يبدو الذي أريد أن أقوله أمرا بديهيا، لكن جلالة الملك إنسان صادق، وكلامه في الغرف المغلقة ذاته في العلن، لا يغير موقفه، وهذا للأسف بعالم السياسة اليوم صفة نادرة.

شخصية جلالة الملك، محبوبة لأنه ليس شخصا متكلفا أو متصنعا؛ ولذلك يثق به الجميع.

والأهم أنه عندما يتكلم جلالة الملك عن شيء، فهو يقصده، ونصيحته لكل قادة الدول دائما تكون بمكانها.

المريح خلال الأزمات، أن هدوء جلالة الملك وحكمته تنتقل لجميع من حوله، ولا يسمح للانفعال أو التوتر أن يؤثر على قراراته.

 

العربية: لكن بدون شك كان هناك الكثير من الظروف الصعبة التي اضطر للتعامل معها، جزء من أعباء القيادة، وسموك كنت شاهدا على الكثير منها ولا أعلم إذا تسمح لي بسؤالك عن أبرز هذه الظروف الصعبة التي اضطر الملك للتعامل معها، وأصعب القرارات التي أتخذها بناء عليه؟

سمو ولي العهد: ربما كان يجب أن تسأل جلالة الملك عن أصعب قرار، لكن أي قرار يتخذه أي قائد يحب بلده، يكون قرارا ليس سهلا، لأن هنالك اعتبارات سياسية واستراتيجية.

ومن الممكن أن أقدم مثالا على ذلك، حرب العراق في 2003، حيث كان موقف جلالة الملك، واضحا ضد الحرب، وظل مصرا على رأيه أنها قرار خاطئ وعبثي.

وفي ذلك الحين كان لا بد من أن يوازن الأردن بين علاقات مستقرة وجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ورفض الحرب في الوقت ذاته.

الموقف في حينها كان صعبا، لم يُرض الداخل ولا الخارج، لكنه حمى مصالح الأردنيين المستقبلية.

جلالة الملك كان همه ألا تنطلق أية عمليات عسكرية من الأردن أو عبر المجال الجوي، رغم كل الضغوطات الخارجية الكبيرة.

جلالة الملك كان يستطيع أن يتخذ موقفا عاطفيا لكنه كان قد يتسبب بانجرار بلاده إلى حرب. ونحن بدون حرب ندفع لليوم ثمن ما حصل.

كان قرار جلالته حكيما، ومن يقول إن حياة القائد سهلة، يكون غير واقعي.

 

العربية: على ذكر الحروب، ذكرت حرب العراق وهذا كان في 2003، ولكن الحروب في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها مستمرة للأسف، وإحدى هذه الحروب الحرب على غزة في هذه الفترة والتي لا تزال مستمرة، كيف يتابع سمو الأمير والعائلة المشاهد المروعة التي تصل من غزة؟  

سمو ولي العهد: بغضب وبألم وبصدمة. من جلالة الملك إلى أي شخص في الشارع جميعنا لدينا نفس الشعور.

من غير المعقول أن العالم أجمع ليس قادرا على وقف المأساة التي تحدث! جميعنا مصدومون من عجز العالم أن يوقف هذه المذبحة، والشعوب في منطقتنا فقدت ثقتها بالمجتمع الدولي ومصداقيته وهم على حق.

لغاية اليوم أكثر من 35 ألف شهيد، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال. ما هو الرقم الذي يجب أن نصل له ليتحرك العالم؟ سيدي هذه أرواح أناس وليست فقط أرقاما.

نقوم بعمل كل شيء ضمن قدرتنا لمساعدة أشقائنا، وطبعا لدينا شعور أنه يجب أن نقدم أكثر، وبصراحة لغاية توقف الحرب، على كل دولة أن تشعر بالتقصير.

الأردن يخوض معركة دبلوماسية وسياسية منذ بداية الأزمة، وساعدنا بتغيير مواقف الكثير من الدول تجاه إسرائيل.

القضية الفلسطينية قضيتنا، وبالرغم من الكلف السياسية أو الاقتصادية التي ندفعها، سنستمر بالقيام بدورنا تجاه الشعب الفلسطيني.

وأولويتي أن نحافظ على أمن واستقرار البلاد، لأن الأردن القوي هو القادر على الدفاع عن القضية الفلسطينية، ليكون أكبر سند للشعب الفلسطيني.

اليوم كل تركيزنا على غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية تقوم بتفجير الأوضاع في الضفة الغربية وتحاول جر المنطقة لحرب إقليمية.

وبالعودة لسنة 2023، كان هنالك 500 شهيد في الضفة الغربية، وعند العودة لما قبل “السابع من أكتوبر” كانت الأكثر دموية في آخر عشر سنوات، وأعود لأكرر هذه ليست أرقاما بل أرواح أناس.

 

العربية: رسائل مهمة جدا في هذه الفترة سمو الأمير أشكرك عليها، وأريد أن أتابع في الموضوع ذاته إذا سمحت لي، انطلاقا من مرحلة ما بعد أحداث “السابع من أكتوبر” بما أنك ذكرتها بالاسم هل لا يزال هناك فرصة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بعد “السابع من أكتوبر”؟

سمو ولي العهد: الحكومة الإسرائيلية تحاول أن تروج للعالم أجمع أن الصراع بدأ في “السابع من أكتوبر”. فلنعد لما قبل “7 أكتوبر”، ولكل خطابات جلالة الملك في آخر خمس وعشرين سنة، وكيف حذر جلالته من أن الاستمرار في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني سيؤدي لكارثة في المنطقة، وانظر لما يجري اليوم.

منذ سنوات وهناك محاولات لتهميش القضية، والناس فقدت ثقتها بالعملية السلمية.

ونحن كعرب منذ سنوات ندعو للسلام، منذ مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية سنة 2002، كان هناك إجماع عربي أن الحل الوحيد هو منح الفلسطينيين حقوقهم وإنهاء الاحتلال مقابل علاقات مع إسرائيل.

منذ 2002 لليوم هل ترى أن إسرائيل تريد سلاما؟ نحن نتعامل مع حكومة تسيطر عليها أجندة متطرفة، فيها وزراء يدعون بالعلن لإبادة الفلسطينيين.

منذ أوسلو لليوم، عدد المستوطنين ارتفع من 200 ألف لأكثر من 700 ألف. هذا لا يحقق سلاما.

السؤال المهم لنا جميعا اليوم: هل الهدف التطبيع لأجل التطبيع؟

في النهاية السلام الحقيقي هو بين الشعوب، وإذا الشعوب لم تقتنع أنه تمت تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، لن تؤمن بالسلام ولن تقبل علاقات طبيعية.

 

العربية: سمو الأمير من التحديات الكثيرة التي واجهت الأردن في الفترة الأخيرة أيضا موضوع تهريب المخدرات والأسلحة على الحدود مع سوريا، كيف تتعاملون مع هذا الملف من حيث منصبكم وليا للعهد؟

سمو ولي العهد: من الواضح أن الأردن مستهدف. نوعية وكمية المخدرات والمتفجرات التي نضبطها، وطريقة التهريب الممنهجة غير مسبوقة وليست منطقية.

عند ضبط كميات من مادة “تي إن تي” المتفجرة، ونرى الطريقة الهجومية للتهريب، ما معنى ذلك؟ هذا استهداف واضح.

هذه عمليات منظمة لجماعات مسلحة، وواضح أن لديها إمكانيات كبيرة وتستهدف الأمن الوطني الأردني، وتستهدف دول الإقليم، باعتبار أن الأراضي الأردنية بوابة للمنطقة كلها.

المهم أن أي تعدِ على سيادة الأردن مرفوض قطعيا، وسنتصدى له.

 

العربية: سمو الأمير دعني أبني شيئا ما على السؤال السابق، كيف تنظرون إلى التقارب الأخير بين إيران وبعض الدول العربية؟

سمو ولي العهد: في البداية، رحم الله الرئيس الإيراني وكل من كان على الطائرة العمودية، وعزائي للشعب الإيراني والحكومة الإيرانية.

بالنسبة لسؤالك، نحن في الأردن دائما نطمح لتهدئة كل التوترات في المنطقة، نحن وكل العرب، نريد علاقات طيبة مع إيران، قائمة على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخر.

إذا أردنا أن تكون لدينا هذه العلاقات الصحية، فمن الضروري أن تكون هناك معالجة لكل أسباب التوتر.

هناك حوار أردني – إيراني حول كل القضايا، ونتمنى أن يثمر إن شاء الله، لكن بالنسبة لي، الأولوية ألا يتحول الأردن لساحة حرب إقليمية.

بالنهاية أولويتنا أن نحمي أمننا الوطني، ونحمي سيادتنا واقتصادنا وأن نحمي أمن الناس.

منطقتنا مشبعة بالتوترات، ولسنا بحاجة لمزيد من التأزيم.

 

العربية: الأردن تحمل الكثير من أعباء هذه الحروب ولو لم تكن على أرضه، مثلا على الأقل موضوع اللاجئين من مختلف الدول المحيطة التي شهدت حروبا ومنهم اللاجئون السوريون أيضا في الأردن، كيف تنظرون إلى مستقبل اللاجئين السوريين في الأردن ولأي مدى تعتقدون سمو الأمير أنه لا تزال هناك فرصة قائمة للعودة الطوعية لهؤلاء اللاجئين؟

سمو ولي العهد: حل قضية اللاجئين هو في عودتهم لوطنهم. وأنا متأكد أن اللاجئين يتمنون العودة لبلادهم. لدينا اتصالات مع عدة جهات، لإيجاد بيئة مناسبة للعودة الطوعية.

يوجد في الأردن أكثر من مليون و300 ألف لاجئ سوري، 50 بالمئة منهم تحت سن 15 سنة.

من في العالم قام بمثل ما فعله الأردنيون الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم لإخوانهم السوريين؟

لكن السنة الماضية لم يتلق الأردن سوى 29 بالمئة من متطلبات الاستجابة للأزمة السورية. عمليا، لن نستطيع أن نقوم بتوفير حياة كريمة من خدمات وغيرها لإخواننا السوريين، إذا لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته.

 

العربية: موضوع اللاجئين السوريين وتحمل الإخوة لبعضهم البعض هذا مهم وضروري وموجود في الأردن وكل الدول، لكن لم ينعكس بالشكل الكافي تكاملا بين الدول على مر العقود الماضية، إلى أي مدى سمو الأمير تؤمن بفكرة التكامل العربي؟ 

سمو ولي العهد: نحن كأردنيين دائما جاهزون للعمل مع إخواننا في المنطقة، ومن مصلحة كل العرب أن يكون هناك هذا التقارب، والدولة الأردنية أساسا مشروع عربي بني على فكرة عروبية.

وأعلم أن الوحدة بالجغرافيا وبالقرار فكرة “رومانسية” اليوم، لأن لكل بلد ظروفه وأولوياته، لكن التكامل العربي العملي المبني على تعاون حول قضايا معينة وأهداف مشتركة له منافع كبيرة، أمنية واقتصادية وسياسية على المنطقة ككل، لأنه يعني: أسواقا أكبر، وتأثيرا دوليا أقوى، وتبادلا للخبرات والعقول، وفرصا لشبابنا، ومستقبلا أفضل لمجتمعاتنا.

 

العربية: ولكن هذا بحاجة إلى بعض الأمثلة على تجارب معينة من علاقاتكم وتجاربكم مع دول المنطقة خاصة الدول المجاورة كالمملكة العربية السعودية التي يحدث بها تغير تاريخي، يقود رؤيتها حاليا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رؤية طموحة للغاية، كيف تنظرون سمو الأمير لهذه الرؤية تحديدا؟  

سمو ولي العهد: أنا أعتبر الأمير محمد، أخا وصديقا مقربا، ونحن بصراحة على تواصل منذ أن تعرفنا على بعضنا البعض، نلتقي كل عدة أشهر، بدون رسميات طبعا.

بصراحة أنا معجب برؤية سموه الواضحة، وتصميمه أن يقدم الأفضل لشعبه وبلده، ورؤية الأمير محمد الطموحة والجريئة ستنعكس إيجابيا على المنطقة ككل، وكل العالم سيستفيد من هذا النجاح، وإن شاء الله، سنزيد التعاون، وسنعمل لمستقبل أفضل لشعوبنا.

 

العربية: إذن نحن نتحدث عن نظرة ولي العهد الأردني كنظرة إيجابية لمستقبل العلاقات السعودية – الأردنية ككل بناء على ذلك؟

سمو ولي العهد: أكيد، هي علاقة تاريخية ومستقبلنا مشترك، وهذا ليس فقط شعارا. مصلحة المنطقة كلها أن يستمر هذا التعاون بكل أشكاله السياسية والأمنية والاقتصادية، لأنه في النهاية أمننا واحد واستقرارنا واحد.

أنا والأمير محمد دائما هدفنا أن نزيد هذا التعاون. والشعب السعودي شعب شهم وأصيل، وأصحاب نخوة. ونحن بطبيعة شعوبنا قريبون من بعضهم البعض، وللعلم أنت تتكلم عن أنسبائي الآن.

 

العربية: فرصة أن نبارك لك مجددا بزواجكم وبمولودكم القادم إن شاء الله، ولكن التغيير سمو الأمير دائما ما يكون بحاجة لقرارات صعبة إذا ما تحدثنا عن تغيير، نتحدث عن تحديث بالمعنى السياسي بالمعنى المؤسساتي، لا بد أن يكون هناك أصوات أحيانا معارضة للتحديث السياسي والمؤسساتي مثل بعض الأصوات التي نسمع عنها أصوات معارضة في الأردن لهذا التحديث، كيف تقاربون مثل هذه الأصوات وكيف تتعاملون معها؟ 

سمو ولي العهد: أولا، أنا لا أفضل هذه التسميات. ليس مطلوبا من الموالي أن يكون متشددا، والمعارض، لو انتقد السياسات تبقى وطنيّته كاملة، وهذا هو المطلوب.

عموما هذا التنوع مظهر صحي، والنقد البناء مفيد، وهو الذي يصب في مصلحة الوطن، وأنا ضد وصم الناس بناء على آرائهم، إذا كانت تأخذ كل المعطيات ومدروسة ولا تكون عبارة عن تعنت غير منطقي.

ما ينقصنا اليوم في الحوار السياسي أن يكون الحوار حول قضايا معينة وبرامج عمل مثل الصحة، والتعليم، والاقتصاد.

نريد برامج عمل بغض النظر من يقدمها سواء كان معارضا أو غيره. نريد برامج.

 

العربية: جميل وهذا المهم في الناحية العملية للموضوع ولكن الأزمات تقود إلى ما لا يحمد عقباه أحيانا في عديد من دول العالم، وإذا تحدثنا عن هذه الأزمات مثلا في الأردن ربما قد يخشى البعض أن يقود ذلك في أحيان معينة كما حصل في حوادث سابقة إلى فرز هويات فرعية مناطقية أو إقليمية على مختلف الأصعدة، كيف تنظر سمو الأمير إلى حالة التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي في الأردن، لأنها نقطة في غاية الأهمية؟

سمو ولي العهد: على العكس ما ساعدنا كثيرا في الخروج من أزمات كثيرة هو تماسك الأردنيين، وهناك بدلا من الدليل ألف. في المواقف الصعبة كلنا نقف مع بعضنا البعض، ونحن أمة واحدة.

الهويات الفرعية شيء طبيعي ونراه في كل بلد وفي كل مجتمع، لكن المظلة الأساسية هي الهوية الأردنية.

ليس عيبا أو حراما أن تفتخر بأصلك، شركسيا أو بدويا أو شاميا أو أردنيا من أصل فلسطيني، المهم أن تكون أردنيا وتحب البلد.

ولو تسألني، أنا أرى أن إعادة خدمة العلم ضرورة؛ ليكون الجيل الجديد منضبطا ومرتبطا بأرضه.

 

العربية: سمو الأمير أربط السؤال السابق بأحداث سابقة حدثت في الأردن ولو أني أعرف جيدا أنك من الجيل الذي لم يعاصرها، ولكن هي أحداث مؤسفة بدون شك في الأردن وكان لها الكثير من أثرها وتداعياتها، أحداث السبعينيات من القرن الماضي، واسمح لي، أنا مهتم ببرامجي بالتاريخ بعض الشيء، كيف تنظرون إلى الوراء عندما تتذكرون هذه الأحداث؟

سمو ولي العهد: أنا لا أقبل أن يكون الأردن أسيرا لأزمة حدثت قبل خمسين سنة. نحن كدولة تخطينا هذه المرحلة منذ زمن.

هي كانت أزمة بين النظام والفوضى، ونحن دولة قانون. المهم أن ننظر إلى المستقبل، أريد الأردن أن يكون متماسكا وقادرا على تجاوز أي شيء.

 

العربية: سمو الأمير، إضافة لمنصبكم أنت عسكريا تحمل رتبة نقيب في الجيش العربي، حدثنا قليلا عن دورك العسكري؟

سمو ولي العهد: أنا أعتبر نفسي عسكريا منذ أن كنت صغيرا، والتحقت رسميا في 2017 تقريبا.

جلالة الملك كان حريصا على تنويع خبراتي، وأن يكون لدي معرفة بكل جوانب عمل الجيش، سواء كان ذلك من خلال الدورات قبل التحاقي بالخدمة العسكرية، وحتى بعد التحاقي. مسار خدمتي ودوامي لم يكونا تقليديين بالمعنى، ولذلك يهمني أن أستفيد من كل لحظة أمضيها في الجيش.

انتسبت لدورات في البحرية، والعمليات الخاصة، والمشاة، وفي مناطق مختلفة، وخدمت في سلاح الجو، وأخدم حاليا مساعدا لقائد سرية في الدروع.

هذا التنوع علمني دروسا كثيرة.

هناك مثال أتذكره دائما: كانت خلفيتي مشاة وكنا نتدرب كثيرا مع العمليات الخاصة وكنا كثيرا ما نتعامل مع طائرات عمودية، لكن عندما التحقت بسلاح الجو الملكي، وأصبح لدي بعض الخبرة، لاحظت أن الذي كنا نطلبه أحيانا من الطيارين ومن الطائرة العمودية لم يكن واقعيا دائما، أن تهبط في مكان خطر مثلا. هذه التفاصيل يمكن فقط للطيارين أن يعرفوها، وهذه التفاصيل في العمليات ممكن أن تفرق بين الحياة أو الموت، وهذا علمني درسا بسيطا أنه عندما تريد نتائج لا بد أن تقدر ظروف وخبرة المختصين، لتحصل على نتائج أفضل وأكثر واقعية.

 

العربية: سمو الأمير، إلى جانب السياسة والعسكرية وكل الجوانب الأخرى التي توليها الاهتمام الكبير هناك أيضا الاقتصاد، أولا الاقتصاد الأردني كيف تنظر إليه؟

سمو ولي العهد: الأولوية اليوم هي الاقتصاد، وأعلم أن البعض لديهم قناعة أن الملفات السياسية هي الطريق لحل مشاكلنا، لكن أرى أن الحل الجذري هو الاقتصاد.

كيف نتوقع من الشباب أن ينتسبوا لأحزاب وهم عاطلون عن العمل؟ قوتنا بالتأكيد في اقتصادنا.

لنتكلم بواقعية، ليس لدينا موارد كبيرة، لكن لدينا موارد بشرية وهذا الأهم، ونحن قادرون وجاهزون للتكامل مع جيراننا في المنطقة ولتوسيع أسواقنا، لكن يجب أن يكون هناك عمل مؤسسي، وأن نعمل على المستوى التعليمي، ونطور البيئة الاستثمارية ونعمل على قطاع عام يخدم المواطن والمستثمر.

هناك مؤسسات أعلم عنها، دون ذكرها، إذا تغيب 50 بالمئة من الموظفين فيها عن العمل، لن يكون هناك أي تأثير، وهذا ليس منطقيا. فمن الضروري أن نأهل كوادرنا لنزيد الإنتاجية.

أنا لست راضيا عن الوضع الاقتصادي 100 بالمئة، وأرى أن هناك فرصا أكبر يجب أن نستثمرها، لكن في الوقت نفسه دائما ما أقول إنه بالرغم من أن موقعنا يشكل صعوبة علينا ويجعل حجم سوقنا المحلي أصغر، لكن أنا متفائل أنه في المستقبل إن شاء الله. لا بد أن يستقر الوضع ويصبح موقعنا استراتيجيا سياسيا واقتصاديا لصالحنا هذه المرة.

 

 

العربية: لماذا سمو الأمير، تولون شخصيا، كما قرأت كثيرا في أثناء تحضيراتي لهذا اللقاء، أهمية خاصة لموضوع التعليم المهني والتقني؟

سمو ولي العهد: لأنه لدينا نسبة بطالة كبيرة بين الشباب، وجزء من هذه المشكلة أنه لدينا عدد كبير ممن يحملون شهادات دبلوم أو أعلى، يريدون أن يكونوا مهندسين أو محامين أو أطباء، وهذا من حقهم، لكن عدد الفرص في سوق العمل قليلة.

بالمقابل هناك نسبة قليلة يدرسون تخصصات مهنية، مع أن عدد الفرص أكبر في سوق العمل الأردني، والعالمي أكبر بكثير، وبمدخول أفضل ومدة دراسة أقصر.

نحن نعمل على عدة مسارات: أولا تحسين التعليم المهني في المدارس، فأصبحنا نعتمد على برامج دولية مثل ال “BTEC”، في أكثر من 280 موقعا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، ورفع مستوى مراكز التدريب وتطوير المناهج.

هناك موضوع أتحدث فيه منذ فترة، ويسعدني اليوم – الحمد لله –  أن ثقافة العيب تغيرت، والدليل أن هذه السنة كانت الأفضل في الإقبال على التدريب المهني بين طلبة المدارس.

 

العربية: جامعة الحسين التقنية لها دور كبير يبدو في هذا المجال، أليس كذلك؟

سمو ولي العهد: جزء من هذا المجهود، صحيح. نحن في البداية وضعنا هدفا طموحا جدا وهو أن تكون نسبة التوظيف خلال أول 6 أشهر من التخرج 100 بالمئة، وحققنا هذا الهدف. وهذا دليل أنه عندما نضع هكذا معيارا عاليا ونكون طموحين نستطيع الوصول لأهدافنا.

اليوم في الجامعة، لدينا 2800 طالب وطالبة، والجامعة دعمت أكثر من 60 شركة ناشئة، وهذه التجربة أتمنى أن تأخذها الجامعات وتطورها وتساهم في حل مشاكل الشباب، مما يجعلنا سعيدين.

 

العربية: هل عند الحديث عن التعليم التقني والمهني نكون بعيدين عما يشغل العالم كله اليوم ويسيطر عليه وهو قطاع التكنولوجيا، هل بالإمكان الحديث عن مستقبل تكنولوجيا جيد في الأردن؟

سمو ولي العهد: جلالة الملك بدأ هذا الملف من سنوات طويلة، بالرغم من معارضة البعض في ذلك الوقت، وبقي مصرا، لأن لديه رؤية بعيدة المدى.

الحمد لله، هناك نجاحات كثيرة في هذا الملف، 27 بالمئة من أهم الشركات الناشئة في المنطقة يديرها أردنيون، و75 بالمئة من المحتوى العربي على الإنترنت مصدره الأردن، و60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادنا يعتمد على قطاع الخدمات.

تستطيع الشركات اليوم أن تستفيد من البنية التحتية الرقمية، ومن الإعفاءات الضريبية والتشريعات، والكوادر البشرية المؤهلة الذين يجيدون اللغتين العربية والإنجليزية، ويعرفون التكنولوجيا جيدا.

صحيح أن سوقنا المحلي ليس كبيرا، لكن في هذا القطاع بالذات، حجم السوق ليس مهما، لأن العالم كله هو السوق.

الأردن مكان ممتاز لتأسيس مكاتب للدعم الفني والتقني، ولتأسيس الشركات، والدليل واضح، الشركات الأولى والأكبر في المنطقة، تأسست على أيدي أردنيين.

 

العربية: سمو الأمير نحن نختم هذا الجزء فقط من المقابلة، لدينا المزيد من الأسئلة، أرجو أن تتحملنا في ذلك، المزيد من الإجابات التي ننتظرها، خاصة فيما يتعلق ببعض الجوانب الخاصة بشخصيتكم التي لم يسمع عنها المشاهد العربي من قبل، لكن هذه الأسئلة نتركها إلى عجلون السياحية الأردنية الشهيرة، حيث سنرافقكم في هذه الجولة سمو الأمير، شكرا لوجودكم معنا في هذه المقابلة.

مشاهدينا الكرام، إذن نتابع وإياكم بعد الفاصل الجزء المتبقي من هذا اللقاء، وماذا في بعض الجوانب الخاصة بشخصية سمو الأمير، فأرجو أن تكونوا معنا.

العربية: سمو الأمير، شكراً مرة جديدة، والشكر الأكبر لأنك حررتني من ارتداء البذلة الرسمية، لأنه متعب جداً، جميل أن نقوم بالتسجيل مع ضيوف شباب، لكن لدي فضول شخصي، الساعة لماذا دائماً أراك في كل اللقاءات التي قابلتك فيها ترتديها بالمقلوب؟

سمو ولي العهد: من الغريب كم يُطرح عليّ هذا السؤال، وهو أمر بسيط، عادة عسكرية تسهل عليك معرفة الوقت عندما تكون ممسكاً السلاح.

وتبين أنها تفيد خلال الاجتماعات، فمن الأسهل أن أعرف الوقت دون أن أحرج الآخرين.

 

العربية: سمو الأمير، نحن في منطقة غاية بالجمال، على مد البصر كل هذه الغابات والأحراش والمناطق الخضراء، ماذا تعني لك هذه المناطق السياحية ونحن في عجلون بشمال الأردن، خاصة على الصعيد السياحي؟ 

سمو ولي العهد: سيدي القطاع السياحي من أهم القطاعات لاقتصادنا، إذ يساهم بأكثر من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

الحمد لله الأردن يوجد فيه كل شيء، مناطق خضراء، وجبال وبحر وصحراء، وعندنا آثار عمرها 14 ألف سنة.

الأردن متحف، فلدينا أكثر من 100 ألف موقع أثري.

 

العربية: 100 ألف، هل كلها مستغلة بالشكل المناسب باعتقادكم؟

سمو ولي العهد: يجب أن يتم العمل عليها بشكل أكبر، وأنا مقتنع أن هذه الكنوز هي نفطنا المستقبلي.

عملنا كثيرا لوضع الأردن على “خارطة السياحة العالمية”: يوجد 6 مواقع مدرجة على قائمة “اليونسكو”، والسابع والثامن في طور الإعداد.

والأهم أنه لا يوجد طقس أجمل من طقس الأردن، ومن حسن حظي أنني زرت الكثير من الدول ولم أرَ أجمل من الطقس هنا. شعبنا ترحابهم جميل، والسائح دائماً يشعر في الأردن بالأمان.

لا أخفيك، أنا لدي شغف بالقطاع السياحي، وعندي إيمان أننا نستطيع الوصول لوضع أفضل بكثير من الوضع الحالي، لكن حجم الاستثمار بالقطاع ليس بالمستوى المطلوب، وسيكون هناك عمل كبير، وإن شاء الله، سنسير إلى الأمام ليس خطوة فقط، بل نريد أن نسير عشر خطوات.

 

العربية: على ذكر الأمان، مثل الأمان الذي حاولت سمو الأمير أن تعطيني إياه في الطائرة العمودية، بما أنها كانت أول تجربة لي على الإطلاق، وكانت قيادة هذه الطائرات متعة لك وتدربت عليها كثيرا، أريد أن أعرف منك ما هي هواياتك الأخرى؟

سمو ولي العهد: سيدي بالنسبة لي رقم واحد كرة القدم أحب أن ألعبها وأتابعها.

وأتابع “الفنون القتالية المختلطة” وأحياناً الملاكمة.

 

العربية: هل فِرَقك المفضلة محليا أو إقليميا معروفة أو تفضل عدم الكشف عنها؟

سمو ولي العهد: أعتقد أن الناس تعرفها.

 

العربية: هل لديك إمكانية للثقة بالناس بسهولة؟

سمو ولي العهد: سيدي الثقة، أنا من مدرسة أن الثقة تأتي بالتدرج، ولا تمنح للأبد، وتبنى بالمواقف وليس بالكلام، وأنا طبيعتي لا أثق بكل الناس مباشرة، أثق بالأشخاص إذا عرفت كفاءتهم، وفهمهم للملفات، وإذا كان كلامهم منطقيا.

أعلم بالتأكيد أن هناك أناسا يحاولون إيصال معلومات معينة؛ لأن لديهم هدفا معينا أو يريدون شيئا مني، لكن من المهم أن يكون الشخص واعيا ويفهم الشخصيات التي يتعامل معها.

وأنا على عاتقي مسؤولية كبيرة، وأتعامل معها بجدية، لأنني مدرك أن قراراتي أو قرارات أي مسؤول من الممكن أن تؤثر على حياة كثير من الناس.

هذه المسؤولية بالقرارات والكفاءة هي التي نطمح أن نراها في القطاع العام.

 

العربية: سمو الأمير، على ذكر ما يقال أو يحاول البعض أن يقوله لك أو يمرره لك بحكم موقعكم ومنصبكم، يحضرني سؤال عن العلاقة بين القصر والناس، يقول البعض أن هناك فجوة بين القصر والناس، وتحملني على هذا السؤال سمو الأمير، كيف تعلق عليه؟

سمو ولي العهد: سيدي، ماذا يعني القصر؟ القصر من الناس. أعلم أن المقصود هنا هو مركز صنع القرار، لكن الموظفين في مؤسسات الدولة من أين؟ هم من أهل البلاد.

أكيد منظومة القصر تتطور، وتتغير الكفاءات الموجودة فيه، وأهم شيء بالنسبة لنا أن نرى الأكفأ.

من المؤكد أن الأخطاء تحدث، والخطأ في الاجتهاد وارد، لكن أريد العودة لسؤالك، سيدي أنا دائما مع الناس، وللعلم أنا ألتقي آلاف المواطنين في كل عام، واسأل أي شخص جلست معه، لا يوجد أي مناسبة قمت فيها بصد شخص، أو طلبت من فريقي أن يحذروا الناس أو يمنعوهم من الحديث بموضوع، وعندما أشعر أن هناك شخصا مترددا بالحديث، أبادر بسؤاله.

اليوم في العالم لا أحد بعيد عما يحدث مع هذا الانفتاح الكبير.

 

العربية: بالتالي هذا يدفعني لسؤال عن دوركم سمو الأمير في القصر، سموكم تسلمتم ولاية العهد في عام 2009، ومن الواضح أن جلالة الملك يوكل إليكم الكثير من المهام المهمة على مختلف الصعد محليا وإقليميا، الناس تريد أن تعرف هل لسمو الأمير كولي للعهد دور في صنع السياسات في المملكة الأردنية الهاشمية؟ هل لديكم دور في تعيين القيادات في المناصب العليا؟  

سمو ولي العهد: سيدي أنا أعتقد، أنك سألت وأجبت السؤال، وأتشرف بثقة جلالة الملك، وإن شاء الله أكون على قدر هذه الثقة. بالتأكيد لي رأي، لكن أنا أقدر كيف ومتى أقدم رأيي لأي كان، لكن في النهاية نحن دولة مؤسسات، وهناك خيط رفيع بين التعدي على السلطات وبين تقديم المشورة.

 

العربية: على ذكر العلاقة بالناس، لا بد من حدوث الكثير من المواقف الصعبة أحيانا، كيف تتجاوزها؟ أيضاً المواطن الأردني والمشاهد العربي يريد أن يعرف كيف تتعامل مع الغضب، هل تغضب؟ ومتى وفي أي حالات؟ وكيف تتعامل معه؟

سمو ولي العهد: سيدي أنا تهمني النتائج، ولدي مشكلة مع الشخص الذي يؤكد مقدرته على فعل أمر ما، ويقول “حاضر سيدي”، و”أبشر”، ويعد بعمل أمر ما، ومن ثم أكتشف أنه لم يقم بعمله ولا يتحمل مسؤولية أيضا.

المهم بالنسبة لي أن أرى إنجازا على الأرض، سواء وعدت بعمله أو لا، المهم عدم إضاعة الفرص.

صعب أن أرى تكرار الخطأ وأن أتجاوز ذلك. أعلم أن هذا قد يزعج بعض الناس مني، لكن الموضوع ليس شخصيا، هناك ألم حقيقي عند الناس، يوجد فقر وبطالة، وهناك شعور بغياب العدالة، والناس يستحقون منا الأفضل.

 

العربية: سمو الأمير، الجميع بات يعلم أنكم تنتظرون مولودكم القادم، إن شاء الله، جو العائلة كيف عشته، فجلالة الملك وجلالة الملكة يوليان أهمية كبيرة لجو العائلة كما نرى في الصور والفيديوهات، كيف عشته شخصيا وكيف تريد أن يعيشه أولادك أيضا؟

سمو ولي العهد: سيدي، والدي، حفظه الله، دائما أتذكر أنه كان موجودا رغم كل انشغاله، وهو حريص أن يكون حاضرا في كل المناسبات، ليس فقط في الأحداث الكبيرة، ليس فقط الأعياد والتخرج، كان يحضر في أبسط الفعاليات.

أوصلني للجامعة، وأوصلني أيضاً لـ “أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية”، وساعدني بنقل أمتعتي للغرفة، وكان يحضر فعاليات ذوي الطلبة، وتمارين عسكرية شاركت فيها.

ومع كل الضغط الذي يقع على عاتقه، يعلم كم هو مهم لأبنائه أن يكون الأهل متواجدين، ونحن يوميا نحاول أن نتناول العشاء مع بعضنا البعض، والوالدة أيضا، كانت دائما موجودة بكل شيء مهم.

أتوقع أن الشخص منا لا يدرك هذا المجهود الكبير الذي يقدمونه الأهل إلا عندما يكبر، فالوالدة أيضا كانت تتابعنا خلال الدراسة، وتقوم بمساعدتنا في حل الواجبات، وتستيقظ معنا بالصباح، وتتأكد من أن نكون مرتدين للزي المدرسي وجاهزين، وتتابع أدق التفاصيل، ماذا نفعل، ننام على الوقت، وأهم شيء، كانت تستمر بتذكيرنا ألا نغتر بأنفسنا.

الحمد لله أنا أعتبر أنني تربيت في بيئة صحية طبيعية، وإن شاء الله أستطيع أن أمنح أولادي اهتماما مثل الذي منحتني إياه عائلتي.

 

العربية: هل هذه العلاقة مع جلالة الملك وجلالة الملكة، تجعلك سمو الأمير تأخذ راحتك في كل القرارات التي تتخذها أو تتوقع أحيانا أن تتخذ قرارات مثلا ويوقفها جلالة الملك، هل حصل ذلك معك؟

ولي العهد: أكيد سيدي أمور صغيرة

 

العربية: شخصية أو عملية أو سياسية؟

ولي العهد: الحمد لله لست متهورا، قرار كبير لا، لم يوقفه جلالة الملك لي، بالعكس كان يشجعني ويوجهني، وأستطيع ذكر مثال لك، عندما كنت في ساندهيرست مثلا، هناك لحظات صعبة تكون فيها المعنويات سيئة جدا. كان هناك ضغط جسدي ونفسي كبير، كانت لدي إصابة بالركبة، وكان لا بد أن نقطع مسافات طويلة ونحن نحمل وزنا كبيرا، طبعا عدا عن التمارين وفحوصات اللياقة وقلة النوم.

وأنا متأكد أن كل من يذهب إلى ساندهيرست يمر بنفس الظروف، تأتيه لحظات تكون المعنويات متدنية.

مثلي مثل أي شخص تحدثت مع عائلتي، وتحدثت مع جلالة الملك، وقمت بالتلميح لهم حول الصعوبة، لكن جلالته شجعني ورفع معنوياتي، وتعلمت درسا أنه يجب على الشخص أن ينهي أي شيء يبدأ به، حتى لو كان هناك تعب. غريب أن الناس يعتقدون أن ساندهيرست كلية عسكرية بخدمات فندقية، لكن الواقع مختلف، هي ليست سهلة، والحمد لله أني أكملت دراستي هناك، وتعلمت كثيرا من التجربة.

 

العربية: هذا كان قبل الزواج وبعد الزواج مرحلة أخرى، كيف تغيرت حياتك؟

سمو ولي العهد: الحمد لله سيدي، تغيرت للأفضل ونعمة كبيرة أني عثرت على شريكة حياتي، والزواج ساعدني أن أكون أكثر هدوءا. رجوة هادئة، وظلها خفيف، وطيبة المعشر، كما أن لديها صديقات في الأردن منذ زمن، لذلك هي معتادة على البلد، وهذا سهّل عليها كثيرا.

عادة، نجلس كثيرا في البيت، تعلم لا نستطيع الخروج كثيرا، والحمد لله نحن سعيدون، والآن نحن متحمسون كثيراً للمرحلة الجديدة، كل شيء سيتغير مع الأولاد.

 

العربية: ما هو شعورك بإحساس الأبوة القادم؟

سمو ولي العهد: لا أعلم ماذا علي أن أتوقع، لكن الحمد لله متحمسون والأهل متحمسون. الوالدة بدأت بشراء حاجيات منذ أسابيع، إن شاء الله أنها مرحلة جميلة.

العربية: سمو الأمير، تحدثنا في بداية المقابلة عن الكثير من التحديات السياسية المحلية والإقليمية، وأجمعنا أن الأردن بالطبع تجاوز مراحل صعبة في تاريخه. يبقى المستقبل، إلى أي مدى سمو الأمير قلق على مستقبل الأردن؟

سمو ولي العهد: بالطبع سيدي، لكن لا أسمح للقلق أن يسيطر عليَّ. من الخطورة ألا يقلق الإنسان، فهذا يعني أنه لا يرى المشاكل من حوله، ومن الضروري أن يكون الشخص واقعيا، وأن يرى المخاطر التي من الممكن أن تؤثر على العالم.

انظر حولك، هناك سياسيون يتحكمون بمصير دول وهم يفتقدون لأدنى معايير الأخلاق. انتهازية وتلّون، وانتهاك لحقوق الناس، بدون أية محاسبة حقيقية. ويجب أن يكون الجميع لديه بُعد نظر، بعيدا عن المكاسب السياسية.

من المهم أن نفكر بالعالم الذي سيعيش به أبناؤنا، ونبدأ بحل المشاكل اليوم. إذا كانت هناك رسالة بالنسبة لمستقبل الأردن، أنا مقتنع أن الجيل الجديد قادر على البناء على ما بُني، فليس لدينا خيار سوى أن نكون منفتحين على التغيير ولدينا المهارات والعقول.

الأردن صامد، وسيبقى صامدا، وأنا أرى الخير والأمل في عيون الناس، والحمد لله، أنا متفائل ولدي إيمان أن الأردن سيكون مكانا أفضل.

 

العربية: إن شاء الله، وهذا ما نتمناه، أشكرك في ختام هذا اللقاء على منحنا الفرصة وعلى ثقتك مجددا في قناة العربية، وعلى تحملنا في بعض الأسئلة التي عادة ما تكون حساسة في أروقة القصور وعند العائلات الملكية، شكرا لكم سيدي.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق