مصر وثمن العدوان على غزة

سميح المعايطة

مثلما نحن في الأردن من أكثر الدول إدراكا للمشروع العسكري والسياسي للعدوان على غزة منذ ايامه الاولى فإن الأشقاء في مصر وهم الأقرب جغرافيا وأمنيا وسياسيا لغزة منذ عقود، وعندما بدأ العدوان كان خطر التهجير من غزة الى مصر من اهم معالم مشروع الحكومة الصهيونية وما يزال هذا الخطر قائما، ولهذا كانت مصر مستهدفة من اليوم الأول مثلما هم اهل غزة، وكان الموقف الاردني في حينه واضحا ومشتركا مع الأشقاء المصريين في التصدي لهذا المشروع والتحذير منه، فمصر في الخط الاول لمشروع التهجير والأردن كان يخشى ان تكون الضفة الغربية هدفا ثانيا اذا ما نجح الامر لاسمح الله من غزة.

ولهذا فكل العارفين كانوا يعلمون ان مصر تواجه من العدوان على غزة تحديات لأمنها القومي، ولهذا فمصر كانت مصلحتها المباشرة توقف العدوان وفشل اهدافه وكان هدفا مشتركا مع الأردن بشكل خاص حيث النافذتين العربيتين على غزة والضفة.

لكن المفارقة أن مصر والأردن اكثر دولتين تعرضتا للاستهداف وسيل من الافتراءات والقصص الكاذبة المنظمة من جهات لم تكن معنية بغزة ودماء اهلها بقدر حرصها على التعبير عن حقدها على الأردن ومصر.
وفي الطرف الآخر كانت اسرائيل التي تعلم خطورة ما تفعله على مصر، وانها عندما تصل الى مرحلة متقدمة من العدوان كما هي المرحلة الحالية سيكون التهديد مباشرا لأمن مصر، فاحتلال معبر رفح على الطرف الفلسطيني من قبل اسرائيل كان خطوة عدوانية تسلب السيادة على المعبر من حماس ومن الفلسطينيين عموما، وايضا باتجاه مصر التي تواجه خطرين، إما القبول بوجود اسرائيل على الطرف الآخر من المعبر وفتح المعبر من جانبها وهذا اقرار بما فعلته اسرائيل، والخيار الصعب الآخر اغلاق المعبر المصري وهذا سيؤثر على ادخال المساعدات الى غزة، ولهذا كان البحث عن تفعيل معبر كرم ابو سالم لإدخال المساعدات وهذا ما تم قبل ايام.
ومن جهة أخرى فإن الفعل العسكري الاسرائيلي على الحدود مع مصر حتى وان كان على ارض غزة إلا انه يمثل “تحرشا” سياسيا ونوعا من الاستفزاز حتى وان كان خارج الاراضي المصرية، وما فعلته مصر انها أدركت ما تفعله اسرائيل وكانت الرسائل العسكرية المصرية واضحة خلال الاسابيع الماضية تجاه الاسرائيليين، مع اولوية مصرية في الذهاب الى حلول سياسية لما هو قائم، وان تحافظ مصر على فرصة العودة للمفاوضات لوقف مؤقت او دائم للعدوان باعتبارها الوسيط الاهم.
وآخر الاستفزازات الإسرائيلية كانت الرواية الإسرائيلية بأن من أفسد الاتفاق الاخير بين حماس واسرائيل كان مصر، مع ان مصر هي الوسيط الاهم خلال كل أشهر العدوان، وهو ما فتح الباب خلال الأسبوع الماضي لسجال اعلامي وسياسي بين الطرفين.
لم تتوقف مصر خلال أشهر العدوان على تفاصيل علاقتها مع حماس بل ذهبت الى التعامل مع العدوان باعتباره خطرا على القضية الفلسطينية وايضا يحمل مخاطر مباشرة على الامن القومي المصري، مثلما هو الموقف الاردني الذي تعامل مع غزة باعتبارها أرضا فلسطينية وعليها جزء من الشعب الفلسطيني يتعرض للعدوان بغض النظر عمن يحكم غزة، وذهب الى ابعد نقطة في التصدي لهذا العدوان سياسيا ودبلوماسيا وانسانيا، لكن للأسف كان الاردن اكثر دولة تعرضت للكذب والافتراء ومحاولة العبث بساحته ممن كان يجب ان يقدموا له الشكر والعرفان رغم انه لا ينتظر شكرا لأنه يؤدي واجبه.
العدوان على غزة كان المتضررون منه والمستهدفون به بعد الفلسطينيين وغزة مصر والأردن، لكن مصر بحكم الجغرافيا وعوامل اخرى كانت أول المستهدفين بعد غزة واهلها، وكانت معادلة مصر صعبة ما بين الحفاظ على امنها من عدوانية الاسرائيليين، والعمل على وقف العدوان، او الوصول الى هدنة او اكثر، والتصدي لمشروع التهجير، وان تبقى مصر محتفظة بمسار سياسي دون ان تدخل لمسارات اخرى.
عندما ينتهي هذا العدوان سيقف المنصفون طويلا عند ادوار وأفعال كبيرة قدمتها دول عديدة واجهت اخطار العدوان على غزة وقدمت كل ما تستطيع لنصرة اهل غزة لكنها كانت هدفا للكذب والافتراء والاحقاد التي ليست غيرة على دم اهل غزة بل لأسباب اخرى.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق