المفكر اللبناني وجيه قانصو يعاين إشكالية النقد في المجال العربي
هلا أخبار – عاين المفكر اللبناني الدكتور وجيه قانصو، موضوع إشكالية النقد في المجال العربي، في محاضرة ألقاها مساء أمس الاثنين في منتدى الفكر العربي بعمان.
وفي المحاضرة التي نظمها المنتدى وحملت عنوان ” إشكالية النقد في المجال العربي: كيف ينقد الفكر العربي ذاته” وأدارها مستشار المعهد الملكي للدراسات الدينية الدكتور عامر الحافي الذي قال في تقديمه؛ إن هذه المحاضرة لها 3 أركان؛ الأول النقد، والثاني الواقع العربي، فيما الثالث هو المحاضر .
ولفت الحافي في المحاضرة التي حضرها أمين عام المنتدى الدكتور الصادق الفقيه، إلى أن النقد ليس فقط البحث عن العيوب والنواقص، وإنما هو جزء من التفكير العلمي وهو أحوج ما نكون إليه في العالم العربي، مبينا أن هذا الواقع قد يكون صدمة تقتضي الحفر فيه.
وقال إن ما يجري في غزة هو مؤشر على وجود خلل في الواقع العربي على جميع الصعد، “ومن هنا يأتي سؤال كيف نفهم وكيف ننتقل، فالواقع العربي ليس فقط الراهن وإنما كذلك التراث”، داعيا الى ضرورة تقديم قراءات نقدية لموضوعات من التراث والحداثة والاعتراف بوجود خلل ما.
وفي محاضرته قال قانصو، “للحديث عن التجديد في الفكر العربي فإن ذلك يتطلب الحديث عن النقد، ومفهوم التجديد في الفكر يعني أن هذا الفكر أصبح عاجزا عن تطوير آليات وتقديم مقترحات”، مؤكدا أن “التجديد هو خيارنا كأمة عربية للإنتقال من نقطة معينة للوصول إلى مكان مختلف ونرغب فيه”.
ولفت الى أن هذا الانتقال لا يكون بالقفز، إذ أن نقطة الانتقال يجب أن تكون من الحاضر عبر زرع إمكانات للوصول الى الأفق الذي نريده.
وبين أن التجديد في الفكر هو عملية ذاتية تحصل من داخل الفكر وسمة ذاتية له ودينامية قابلة للتحول وتجديد نفسه، موضحا أن تجديد الفكر كونه ينطلق من الحاضر يحتاج إلى التعرف على ذاته، ولكي يتعرف على ذاته في تلك اللحظة هنا تبدأ لحظة النقد.
وأوضح أن النقد هو الانتقال من التفكير لكي يكون الفكر هو موضوع التفكير حيث تتجلى لحظة الشفافية أمام الذات، لافتا إلى أن النقد ليس فقط دراسة الفكر لذاته وإنما ذات الفكر.
وقال إنه إذا كان الغرض من النقد هو مساءلة النظريات وغيرها فإن النقد هو وقوف الذات أمام ذاتها، فهو هنا ليس عملية معرفية وإنما وجودية وهو كذلك ليس مدخلا للتجديد بل هو جزء من التجديد ولربما التجديد نفسه.
ورأى أن النقد يبدأ كنشاط فكري حينما يصبح النقد وعياً بمعنى أن يصبح الفكر موضوعا للفكر، فينتقل من أن يكون نشاطا طبيعيا الى أن يكون نشاطا واعيا.
واستعرض قانصو مراحل النقد بدءا من المرحلة المنطقية زمن الإغريق، مرورا بالمرحلة التجريبية، فركز النقد آنذاك على الجدوى العملية وليس التماسك المنطقي، ثم ظهور حقبة الوضعيين الذي رأوا أن الفكر إذا لم يكن بالامكان التأكد من صحة الفكرة فلا داعي لها، أي إذا كان لها معنى فهي قابلة للتثبت التجريبي، ثم مرحلة الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط التي نادت بأن يعود العقل إلى ذاته لكي يختبر ذاته ويتأملها، إلا أن كانط نظر إلى صلاحية العقل ومحدوديته؛ فالعقل يستطيع أن يثبت ما هو في الواقع اليومي أما فيما يتعلق بالماورائيات لا يستطيع ان يثبتها، وكذلك لفت كانط الى أن صوابية الفكر في قبوله لدى الجميع .
أما المرحلة الرابعة، بحسب المفكر قانصو، فهي “الابستمية” وهي نظام التفكير والمعرفة وما هي شروط التفكير وتعني كذلك دراسة نظرية المعرفة، مبينا أن “الابستمية” تقول أن العقل ليس كيانا قائما بذاته وإنما هو صنيعة الإنسان نفسه، والانسان مسؤول عن عقله وطبيعة تفكيره.
واعتبر أن هذه المراحل الأربع لا تلغي بعضها، لافتا إلى أن مسار الفكر العربي لم “يتمأسس” رغم أن خطاب النهضة العربي يعود إلى نحو 200 عام مضت .
وقال “حين نمارس نقدا يجب أن يحدث أثره وأن يوجد مؤسسات بالمعنى الاجتماعي”، مستعرضا لحظات خطاب النهضة العربية الثلاث التي راوحت بين فكر الأصالة والتراث وفكر الحرية وفكر التقنية.
وبين أن الحرية أخذت شعارا أكثر من كونها محتوى، فيما التقنية لا تريد تشبيك مع الواقع وهي سيرورة، رائيا أن كل هذه اللحظات في خطاب النهضة العربي كانت أفكارا بلا تاريخ وتفتقد إلى النظريات والأرضية الصلبة التي تقف عليها.
ورأى أن فكر النهضة العربية لم يتأسس على معطيات الواقع، وإنما كان من خارج واقعه، مؤكدا دور الفلسفة لتشخيص الحاضر والكشف عن الحقيقة.
–(بترا)