المدينة الجديدة في كتاب التكليف

عصام قضماني

هذه هي المرة الأولى التي يُذكر فيها مشروع المدينة الجديدة في كتب التكليف السامي على مدى ثلاث حكومات، مما يعني أن إنجازه قد أصبح توجيهاً ملكياً. فكرة المدينة الجديدة طرحتها حكومة الدكتور هاني الملقي قبل أن تستبعدها حكومة الدكتور عمر الرزاز، ثم أعادت حكومة الدكتور بشر الخصاونة إحيائها، لتصبح في النهاية تكليفاً ملكياً لحكومة الدكتور جعفر حسان المنتظرة.

هناك أسباب عديدة تدفع لتأييد مشروع المدينة الجديدة شرق العاصمة، لكن هناك محاذير تتمثل في احتمال تحول الفكرة إلى مشروع عقاري بدلاً من أن يكون هدفها تنموياً اقتصادياً واجتماعياً كما ورد في كتاب التكليف. بدلاً من أن يقود القطاع الخاص التنمية كفكرة، قد يصبح مالكاً عقارياً يعيش من ريع العقار، مما يتطلب من الحكومة ضمان بدل الإيجارات وعوائد البيع.

إذا كان الهدف هو بناء مدينة ذكية تنتقل إليها الحكومة جزئياً، فيجب أن تضمن ملكية مبانيها التي ستجذب إليها وحولها مباني يمتلكها القطاع الخاص لأغراض متعددة. كانت هناك أفكار عديدة، منها مثلاً بناء مدن صغيرة ذكية حول عمان لاستقطاب السكان والعمال وبعض المباني الحكومية، وهي فكرة قدمتها جمعية مستثمري قطاع السكان ونوقشت بالفعل، لكن لم تتحرك أي خطوة في هذا الاتجاه.

المهم هو أن تكون المدينة الجديدة إنتاجية بمعنى أن تضمن استرداد رأس المال المدفوع للخزينة وللقطاع الخاص. أهمية الشراكة الواسعة للقطاع الخاص في هذا المشروع تكمن في إعفاء الحكومة من الإنفاق على إنشاء المباني، حيث يجدر بالمستثمرين المحتملين تولي هذه المهمة لمصلحة الحكومة مقابل منحهم أراضي فيها وإعفاءات سخية لمشاريعهم.

المدينة الجديدة فكرة قديمة طرحت على مر الحكومات، لكنها كانت كلما لمعت أطفئت جذوتها بحجة الوقت غير المناسب والإمكانات المحدودة وصعوبات التمويل. هناك من يعتقد أن المدينة الجديدة ستورط الخزينة بديون ثقيلة، ومصدر القلق هو التجربة المصرية، لكن من قال إن القاهرة الجديدة كمشروع غير ناجح؟

الفكرة طموحة ويمكن إبقاؤها حية إلى أن تتوافر لها عوامل التنفيذ. هل آن أوان المشروع الذي أصبح حاجة اقتصادية واجتماعية لإنقاذ عمان من الزحام والضيق والعشوائية التي ردها أمين عمان يوسف الشواربة إلى الزيادة السكانية الطارئة التي سبقت التنظيم؟

الظروف الاقتصادية الراهنة وضعت الحكومة في موقع الدفاع، وإن صح أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فيتعين أن تهاجم بمشروع وطني كبير ينشل الاقتصاد من الجمود، ويوقف سيل البطالة، ويشغل الأعمال والقطاعات، ويشغل المدخرات الوطنية، ويجذب المستثمرين. وما من وعاء أفضل لكل هذا من مشروع عقاري يخلق ثروة جديدة وأصولاً جديدة ويبعث الروح في أراضي خزينة رخيصة ومهملة سترتفع قيمتها بعد وضع أول حجر أساس. وما على الحكومة سوى المساهمة بقيمة أصول تمتلكها في نواحي عمان، مثل أراض ومباني ثمينة بلا عائد، وتترك التمويل للقطاع الخاص.

في الأردن، يتجمع عدد كبير من السكان في مساحة صغيرة، بينما العكس صحيح في الجنوب. العاصمة والبلقاء والزرقاء ومأدبا تمثل 16.2% من مساحة المملكة، ويقطنها 60.4% من السكان، بينما الجنوب، بما في ذلك الكرك ومعان والطفيلة والعقبة، يمثل 51.2% من مساحة المملكة ويقطنها 10.1% من السكان.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق