نحو حوار تشاركي لتنمية البترا: كيف نحقق رؤية التحديث الاقتصادي؟

د. اسماعيل أبو عامود

تضمنت رؤية التحديث الاقتصادي أهدافًا واضحة لتطوير وإدارة المرافق السياحية والمواقع الأثرية، وتطوير منتجات سياحية جديدة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار وتسهيل السفر وتنقل السياح داخل الأردن بتكاليف مناسبة وخدمات تنافسية. كما شملت الرؤية مبادرات لتطوير مهارات العاملين في القطاع السياحي، وتحديث البيانات لاتخاذ القرارات الصائبة، وتطوير الهوية التجارية للسياحة الأردنية، وإطلاق مبادرات تعزز مكانة الأردن كوجهة سياحية عالمية. هذه الرؤية تتطلب تفعيلًا حقيقيًا على أرض الواقع، وليس الاكتفاء بإجراءات أمنية آنية.

تعد السياحة من أهم القطاعات الحيوية في الأردن، حيث تسهم بشكل كبير في رفد الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل، خاصة في المناطق الأثرية مثل البترا، أيقونة السياحة الأردنية وأحد عجائب الدنيا السبع الجديدة. بعد التراجع الكبير في أعداد السياح بسبب الأزمات الإقليمية مثل حرب غزة، أصبح من الضروري بذل كل الجهود الممكنة لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، وتوفير بيئة آمنة وممتعة لهم في مواقعنا السياحية. ولكن ما حدث في البترا مؤخرًا يثير العديد من التساؤلات حول النهج المتبع في إدارة الأزمات والحفاظ على سمعة الموقع الأثري.

شهدت البترا الأحد الماضي أحداثًا مؤسفة تمثلت في اعتداءات على حافلات النقل السياحي، مما دفع مديرية الأمن العام بالتعاون مع سلطة إقليم البترا إلى التدخل الأمني. هذا الإجراء الأمني -كما ورد من السلطة- جاء استكمالًا لحملة سيادة القانون التي بدأت منذ ديسمبر الماضي بهدف إزالة المخالفات من الموقع الأثري وتوفير بيئة آمنة للزوار. ونحن جميعًا نؤكد دعمنا الكامل لسيادة القانون ونرفض بشدة أي اعتداء على الممتلكات العامة، إذ أن أمن وسلامة المواقع السياحية والزوار لا يقلان أهمية عن تحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمعات المحلية. فالحفاظ على هذه المواقع السياحية ليس فقط للحفاظ على التاريخ بل لحماية مستقبلنا الاقتصادي.

ومع ذلك، يبقى التساؤل: هل الحل الأمني وحده كافٍ للتعامل مع التحديات التنموية في البترا؟ لقد شهدت السنوات الماضية العديد من الخطط التنموية التي أطلقتها السلطة بهدف تطوير المنطقة وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية لأبناء المجتمع المحلي، مثل خطط الإسكان ومشاركة المجتمع المحلي في أم صيحون في العملية التنموية. ومع ذلك، تأخرت هذه الخطط وتغيرت مع تغير الحكومات لأسباب مؤسسية وإدارية أو تمويلية، مما زاد من تعقيد الأوضاع.

إن ما حدث في البترا لم يكن مجرد خلل إداري، بل هو مؤشر على ضرورة إعادة النظر في كيفية إدارة الأزمات وتطوير القطاع السياحي بما يليق بمكانة الأردن. الصور والفيديوهات التي انتشرت تلقي بظلالها السلبية على سمعة الأردن كوجهة سياحية آمنة. كيف يمكن أن نطلب من السياح العودة إلى البترا وهم يشاهدون مشاهد كهذه؟.

إن العجز عن تنفيذ خطط تنموية فعالة لحل المشاكل والاحتقان في منطقة أم صيحون، واللجوء بدلاً من ذلك إلى التدخل الأمني، لا يفضي الى تحقيق اهداف الرؤية الاقتصادية. من غير المقبول أن يتحمل جهاز الأمن العام مسؤولية عجز الادارات أوأن يُدفعوا إلى الواجهة في كل أزمة. هؤلاء الرجال الأوفياء مهمتهم حماية المواطنين وضيوف الأردن، وليس أن يتحملوا أعباء إخفاقات المسؤولين في إدارة الأزمات.

قناعاتي ونهجي التنموي كمتخصص في التنمية الاقتصادية واقتصاديات السياحة كان وما زال يعتمد على الحوار والتشاركية مع المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات التنموية التي تهمهم، والعمل بشكل مشترك لتحقيق التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الجميع دون المساس بأمن المواقع السياحية وسمعتها والالتزام بالقانون.

البترا ليست مجرد موقع أثري؛ هي رمز للأردن، وأي مساس بها سيؤدي إلى تداعيات وخيمة على السياحة والاقتصاد الوطني. المطلوب هو قيادة تسعى لحلول تنموية مستدامة وشراكة حقيقية مع المجتمع المحلي، بعيدًا عن الحلول السريعة التي قد تحمل أعباء إضافية على الأمن، وتساهم في تفاقم المشاكل بدلاً من حلها.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق