الملكة تضع حقائق للعالم أراد تغييبها

نيفين عبد الهادي

تحيّرك الملفات وبلاغة القول وصدق المشاعر، وحقيقة المواقف، من أين تبدأ وماذا تخطّ عندما فكرت في الكتابة عن كلمة جلالة الملكة رانيا العبدالله في القمة السنوية لعالم شاب واحد، التي عُقدت في مدينة مونتريال بكندا، وأمام حشد من الحضور ضم شبابا من 190 دولة ، فهي الجرأة والثقة بعدالة القضية والحسم أمام العالم بحقيقة ما يحدث من جرائم على أهلنا في غزة، والموقف الصادق من وجع الغزيين في تحذير من جلالتها بأن ما يحدث « يجر العالم نحو حالة من الفوضى».

كلمة هامة جدا، وفي أهميتها تفاصيل كثيرة، وعميقة، مبنية على حقائق وواقع، أراد العالم إغفاله ربما بقصد أو بغير قصد، لكنه تم ويتم إغفاله مع سبق الإصرار، ما يجعل من حديث جلالتها أمام 190 دولة، هو نور الحقيقة يسطع في سماء غطّتها غيوم التعتيم، وفرض رواية الاحتلال، لتنجلي بقول الملكة في القمة هذه الغيوم، واضعة جلالتها العالم أمام حقائق أراد تغييبها، ليس هذا فحسب إنما وضعته أمام مسؤولياته تجاه ما يحدث بوضوح أقل ما يوصف به أنه رأس هرم الوضوح.

في العدالة والمساواة تحدثت جلالتها أنها حق بشري لنا جميعا، وهذا العالم يستحق ذلك بشكل يطغى به حُكم القانون على القوة، ومواجهة جرائم الحرب، بلا استثناءات، وبكل وضوح وشفافية وعظمة القول وحسمه قالت جلالتها إن الجميع يستحق هذا العيش، لا أن يحدد جواز السفر أو لون البشرة إذ قالت جلالتها «نستحق أن ندرك أن قيمتنا لا يحددها جواز السفر الذي نحمله أو لون بشرتنا، بل إنسانيتنا بحد ذاتها»، مختصر واقع بواقعية دون مداراة أو تغليف أو زخرفة لأي من بشاعة ما يعيشه الأهل في غزة من مجازر وإبادة ووجع منذ عام لتضعه جلالة الملكة على منبر دولي وبلغتهم بثقة المعلومة والتفاصيل.

وفي رسالة عبقرية من جلالتها، حثت الشباب على قراءة التاريخ، وخاطبتهم بالقول «حاولوا أن تتخيلوا واقع الحياة تحت وطأة الاحتلال الساحق، تعرفوا على روابط الفلسطينيين العميقة بالأرض وأشجار الزيتون التي ورثوها عن أجدادهم»، جاعلة من التاريخ حكما فيما يحدث في فلسطين، ونهجا واقعيا لقراءة واقع اليوم من خلال الأمس، ليصلوا للمعرفة بروابط الفلسطينيين بأرضهم وزيتونهم وارثهم، رسالة بكل ما حددته الدراسات والخطط والبرامج لوضع العالم بسر هذا التشبّث الفلسطيني بالأرض، وكذلك لوضع العالم بحقيقة فلسطين، وذلك من خلال صفحات التاريخ التي ستحكي للعالم لمن فلسطين ولماذا يفتديها الفلسطينيون بأرواحهم.

وفي حديثها عن غزة، هذا الحديث الموجع والذي حكته ملامح جلالتها كما كلماتها، إذ قرأنا في ملامح جلالتها ألمها على غزة، لتنقل ما بقلبها بكلمات أجزم أنها غيّرت قناعات أجيال، ووضعتهم أمام مسؤولياتهم الإنسانية في التعامل مع حال غزة، لترى أن الحديث عن السلام في يوم للسلام نجبر للحديث به عن الحرب، بتغييب كامل للقوانين وللإنسانية ولقرارات قضائية دولية، تمضي الحرب غير تاركة أي خيارات أو احتماليات، وقالت «عندما أنظر إلى غزة اليوم، لا أرى إلا خيارات زائفة، إما موت سريع بقنابل ورصاص، أو موت بطيء من الجوع والمرض، لا احتمالات – حتميات فقط، تلك ليست خيارات على الإطلاق»، وجع الملكة تحكيه كلماتها ولغة ملامحها وجرأة طرحها.

جملة حقائق وضعتها جلالة الملك رانيا على طاولة دولية تضم 190 دولة، ما يحدث في غزة، ما كانت تعيشه غزة والتي طالما وصفت بأنها سجن مفتوح، لتصبح اليوم زنزانة خانقة، حقيقة الاحتلال غير الشرعي لفلسطين، وأن لا مجال للصبر وليس وقفا مؤقتا للعدوان على غزة، فلا بد من سلام حقيقي.. واضعة جلالتها أمام الشباب حقيقة واحدة «السلام لا يحدث صدفة، السلام مثل الأمل هو خيار- خيار فشل عالمنا في اتخاذه لفترة أطول بكثير مما ينبغي، حان الوقت لاختيار طريق آخر، ويمكن لجيلكم أن يساعد في تمهيد الطريق».

(الدستور)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق