الأردن ليس “ألعوبة” بيد متطرفين صهاينة
مكرم الطراونة
على امتداد العقود الماضية، ومنذ تأسيس الكيان الصهيوني لصقا للجغرافيا الأردنية، ظلت مقولة إن “الأردن وطن بديل” للفلسطينيين الذين تم تهجيرهم، وأولئك الذين من الممكن أن توضع مخططات لتهجيرهم لاحقا، حاضرة على الدوام في القاموس الصهيوني، وفي أدبيات بعض الجهات ووسائل الإعلام التي لم تستطع يوما قراءة المشهد الأردني على حقيقته، ولا تمكّنت من معرفة ما الذي يعنيه مثل هذا الأمر لأصغر أردني!
“لن يحدث أبدا”؛ إنها مقولة جلالة الملك عبد الله الثاني من على منبر الجمعية العامّة للأمم المتحدة، والتي قالها بكل تأكيد على ما تحتمله من معنى، وما تحمله من تحدٍ وإصرار بأن الأوطان لا يمكن أن تكون “ألعوبة” بيد متطرفين يعيثون فسادا في الأرض، ولا يقيمون وزنا لقدسية الحياة البشرية، ولا مقدسات الأمم والشعوب.
“لن يحدث أبدا”، هي المقولة التي يرددها ملايين الأردنيين من وراء جلالة الملك، وهم يعلمون تماما أن إحباط مثل تلك المخططات من الممكن أن تصل ضريبته إلى ثمن باهظ، لكنها ضريبة استعد الأردني على دفعها من دمه وماله وأبنائه، ليظل الوطن سالما معافى وبعيدا عن خطط المخربين وألاعيبهم.
الثوابت لا تتغير بالتقادم، ولا تتبدل بتغير الظروف. هي ثوابت لأنها محفورة في قلب ووجدان القيادة الهاشمية، ومن خلفها شعب كامل يموت دونها. إنه الشعب الأردني الذي ظل دائما يقاسم أخاه الفلسطيني كل ما يملك، ويكون الأول الذي يهب لنجدته في ساعة الحاجة.
إن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، والدفاع عن حقوقه، وعن القدس والمقدسات، لم يكن عملا سهلا بالنسبة للأردن الذي دفع ثمنا كبيرا في سبيل ذلك، خصوصا محاولات شق الصف الوطني، والتشكيك بمواقف الأردن القومية والعروبية، لكن ذلك لم يؤثر في المواقف الحقيقية لهذا البلد الذي صمم على الدوام على أن يكون هو الصوت الأعلى في الدفاع عن قضية مقدسة، تركها كثيرون، ولم يعودوا يأبهون بمصيرها.
رأينا الصلابة الملكية كيف تكون، حين حامت فوق المنطقة هواجس “صفقة القرن” البائدة، وكيف انفرد الأردن وحيدا في مواجهتها، رغم أن الكثيرين اعتبروا أن الصفقة أمر واقع، ولا يمكن مجابهتها. لكن الملك، ومن منطلق إيمانه بعدالة القضية التي يتبناها، وإيمانه بشعبه الذي لا يمكن أن يجمع على ضلالة، حمل قضيته إلى مختلف منابر العالم، وقام بجولات دبلوماسية مكوكية لحشد التأييد لوجهة النظر الأردنية، والتي استطاعت في نهاية الأمر أن تطيح بتلك الصفقة المشبوهة.
نتذكر وقتها “لاءات الملك” الثلاث التي أطلقها من الزرقاء: “كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، والقدس خط أحمر”، والتي جاءت بمثابة عنوان للموقف الأردني الثابت الذي لا يمكن زحزحته، فهي كلمات تختصر الكثير تجاه القضية الفلسطينية وعملية السلام والوصاية الهاسمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
إن العدائية المتطرفة التي تحتكم فيها الحكومة الصهيونية المتطرفة في نظرتها إلى الأردن، تجعلها غير قادرة على وزن الأمور كما ينغي لها أن توزنها. لكن الثابت هو أن من لا يتعلم من دروس التاريخ، فسيظل محكوما عليه بالتعثر والفشل، فالأردن؛ ملكا وحكومة وشعبا وأرضا، لا يمكن لهم المساومة على المصالح الوطنية العليا، فهي ثوابت تحكم تعاملنا مع جميع الطروحات التي تساق، سواء بحسن نية أو سوء نية، ومهما بلغت درجة الضغوطات فإن المسألة محسومة بالنسبة للأردن: هذا “لن يحدث أبداً”.
(الغد)