بيروسترويكا إعلامية شاملة

مالك العثامنة

وجدت نفسي في موقف دفاعي مع مسؤول أردني أحترمه وهو يسألني عن أي علاقة تربطني باسم مستعار على حساب موجود على موقع تواصل اجتماعي، وهو ما أشعرني بالاستياء لا من الشخص الذي أحترمه جدا، بل من تفشي الحالة إلى حدود افترائية تتجاوز المنطق وتدخل في دائرة العبث غير المقبول.

القصة ليست في إطار شخصي، هناك عمليات مستمرة من “اغتيال الشخصية” وهي التي رسمت دوائر رعب تحيط بالمسؤولين وتعطل مفاصل مؤسسات الدولة في اتخاذ القرارات الحاسمة، وصولا إلى حالة تسكين بمعنى “سكّن تسلم” وقد شهدنا وزراء وكبار موظفين ركنوا إلى تلك الحالة لتمضية “الموسم الوظيفي” بهدوء وبدون أي إنتاج حقيقي.

الحالة هنا تتعلق بتلك الحسابات التي تستخدم منصات تواصل اجتماعي، وتختفي خلف اسم مستعار وتبدأ ببث معلومات مضللة إما من منطلق المزاجية المتخمة بالجهل، او بدعم “خفي” من جهات داخلية او خارجية، وهو ما يمكن أن نسميه بالاختراق.

الاسم المستعار، حيلة صحفية ابتدعتها الصحافة في الأزمات السياسية خصوصا في العالم الثالث، وكنت في بدايات عملي الصحفي في الأردن قد استخدمت تلك الحيلة ضمن أصولها المهنية والتي تتطلب أن يعرف رئيس التحرير الاسم الحقيقي خلف الاسم المستعار، وكانت أعمدة الصحف الأردنية اليومية والأسبوعية كثيرا ما تنشر لكتابها تحت أسماء مستعارة يعرفها مطبخ التحرير للحماية وتحمل المسؤولية.

ما يحدث اليوم في ظل فوضى “التواصل الاجتماعي” منفلت عن الأصول المهنية ولا يوجد أصلا مهنية فيه، بل دفق معلوماتي مضلل مبني على حقائق مجزأة يتم بناء “التلفيق” عليها، وبثها على منصة التواصل تحت اسم حساب وهمي لا يحمل اسم صاحبه الحقيقي، ليظل الأمر قيد التكهنات فيما يخص اسم صاحب الحساب، وتنتشر المعلومة بسرعة النانو ثانية على مختلف أجهزة المتلقين بعشرات الآلاف، وإن كان الخبر “دمويا” بما يكفي للافتراس فإن المعلومة تصبح ما درج على تسميته اليوم بالترند، وملايين تتداوله بل وتبني عليه ويتشكل رأي عام حول المعلومة بدون تحقق من أساسها.

هذا كله يعود إلى غياب عنصرين مهمين ومترابطين: الشفافية في المعلومات والصحافة المهنية الغائبة عجل الله في فرج عودتها.

في سياق كل هذا الفراغ في حضور المعلومة الصحيحة والحقائق بشفافية، فإن المتلقي لا يبذل جهدا لتلقي المعلومة إلا بكبسة إصبع على شاشته الصغيرة سيتلقف تلك المعلومة المقذوفة إليه بسهولة، ويبني رأيه حولها بدون أن يبذل جهدا للتحقق منها “أتحدث عن الغالبية”، وجهد التحقق أصلا غير مطلوب منه فهو متلقي في المحصلة.

هذا كله يمكن تبديده بجهد حقيقي في عملية إعادة بناء المنظومة الإعلامية كلها بتشريعات وأنظمة ومؤسسات صحفية وترشيقها لتصبح مؤطرة بقواعد المهنة المعروفة عالميا وهذا كله له متطلباته بتوفير المعلومة الحقيقية والشفافية المطلوبة.

(الغد)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق