متى تتغير المواقف؟

أ. د. أمین مشاقبة

إن ما تفُكر به إسرائيل وتسعى عمليًا إلى تطبيقه هو تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، فبعد الدمار والإبادة الجماعية والتطهير العِرقي في غزة، فهي لا تريد أي وجود لحركة حماس سياسيًا أو عسكريًا في القطاع، وطرحت على الرئيس الأميركي موضوع التهجير لسكان القطاع إلى دول أخرى هي مصر والأردن، وبالتالي هي ترفض إدارة حماس والسلطة الوطنية معًا لإدارة القطاع، وتماطل في تنفيذ الاتفاق في مرحلته الأولى بعدم إدخال الخيم والمساكن الأولى والبحث عن فترة انتقالية بين المرحلتين من أجل عدم الدخول في المرحلة الثانية وهي الأصعب.

إسرائيل ترى نفسها انتصرت في تحطيم قدرات حماس العسكرية، وفي نفس الوقت ترى أنها دمرت قدرات حزب الله في لبنان وتريد فرض سيادتها وسطوتها على الحالة اللبنانية، والمؤشر هو التهديد بضرب المطار المدني في بيروت، وتشعر بالنشوة بضربها وتدميرها للقواعد العسكرية والحيوية في سوريا.

وأن هناك دعمًا أميركيًا لسلوكها السياسي والعسكري، وهناك تطابق في وجهات النظر الأميركية لهذا السلوك، ويرى رئيس الوزراء أن هناك استراتيجية إسرائيلية – أميركية متفق عليها بعد الزيارة الأخيرة للعاصمة الأميركية واللقاء التاريخي كما يوُصف. وكل هذا يدفع إسرائيل للتماهي والشعور بالانتصار وتحقيق التفوق العسكري والسياسي على كل الفاعلين في المنطقة وفرض السلام بالقوة. وعليه، فهي ترى أن أمرها يجب أن يُنفذ كما يقول رئيس الوزراء، فطلبه للحكومة اللبنانية بتفكيك حزب الله وإن لم تفعل الحكومة اللبنانية ذلك، فإنه سيقوم عمليًا بتحقيق ذلك. ويضاف إلى ذلك الشعور بأنهم غيّروا الشرق الأوسط، وهذا يعني حالة البحث عن الهيمنة والسيطرة على المنطقة برمتها. وحسب الرؤية الإسرائيلية، فإن الشرق الأوسط بات تحت هذه السيطرة وعلى الجميع أن يقوم بدوره خدمةً للأهداف والمصالح الإسرائيلية، إذ إن هناك دعمًا وتأييدًا، ومساندة أميركية لهذا الوضع الجديد، بعيدًا عن مفهوم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتجاوزًا لكل الأبعاد التاريخية للصراع.

يضاف إلى كل ذلك السلوك العسكري الجاري في الضفة الغربية، فهناك هجمة تدميرية على المخيمات الفلسطينية البالغ عددها ما يزيد عن ٢٢ مخيمًا، فعمليات التطهير العِرقي والتهجير والقتل على قدم وساق، إذ تم تهجير ما يزيد عن ٢٩ ألف مواطن من سكان المخيمات في جنين، وطمون، وطولكرم، ونابلس، والفارعة وغيرها، فالهدف إنهاء كل شيء يتعلق بحق العودة، وما الموقف من المنظمة الدولية (الأونروا) إلاّ من هذا الباب.

أمام هذه الأهداف الظاهرة للعيان، فإن الغاية النهائية هي تصفية القضية الفلسطينية وتجاوز كل قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الذي أمضى ما يزيد عن ٧٦ عامًا

من الظلم التاريخي وظلم العالم المُحدث الذي يدّعي الحرية، والعدالة والمساواة، والديمقراطية وحقوق الإنسان، يُقابل ذلك عواطف ومشاعر عربية بعيدة عن أي إطار عملي ضاغط، مجرد بيانات وقرارات كلامية لا تساوي قيمة الورق الذي يُكتب عليه.

آن الأوان للعرب أن يتعظوا ويفهموا حقيقة ما يجري، آن الوقت أن تكون هناك مواقف عملية واقعية لردع هذا العدوان التاريخي، ورد الاعتبار. إذا لم يكن الأمر اليوم، فمتى سيكون !!

(الرأي)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق