مغامرات أسرة أردنیة في سیرك الحیاة
عمران السكران

الأسرة الأردنیة تعیش حیاتھا الیومیة مثل مسلسل مغامرات أطول من المدة، من إنتاج الواقع وبطولة الجمیع، والتحدیات «ما شاء الله تبارك الرحمن» الوحیدة التي تزید، وتجد تلك التحدیات في كل خطوة بغض النظر كانت للأمام أو الخلف.
میزانیة الأسرة الأردنیة تشبھ حلبة السیرك، دخل ثابت مثل الجبال، ومصاریف تتدحرج مثل كرة ثلجیة، كل «دحروجة» تلتقط معھا بابا استھلاكیا جدیدا لا على البال ولا على الخاطر، والمطلوب من كل فرد في الأسرة أن یكون موھوبا ومحترفا في الألعاب البھلوانیة لتدبیر الشھر، ورغم حرفیتھم في ذلك، یخرجون في نھایة الشھر بخدوش وجروح لن تمحوھا أي علاوة أو زیادة في الراتب.
ونعرج قلیلا على حال الفردین المھمین في ھذه الأسرة، الأب خزّان معلومات عن العروض والتخفیضات، ویحفظ عن ظھر قلب تذبذب الأسعار وكیف تؤكل الكتف عند التسوق، وأمھر وأسرع من الألة الحاسبة في حساب كل تعریفة تخرج من جیبھ، وأین وجھتھا وقیمتھا الشرائیة وكیف ومتى یمكن التخلي عنھا، وھو فاشل في التربیة لیس لعدم درایتھ بل لعدم استطاعتھ الھروب من الزمن، ویضع نظریات آنشتاین الفیزیائیة خارج حساباتھ.
أما الأم التي تندب حظھا كل ثانیة على نصیبھا، فھي المدیر التنفیذي الذي لا یرحم، كل شيء في البیت من مھامھا الرئیسیة المتشعبة مثل الأخطبوط.. طبخ، تنظیف، حل واجبات أطفالھا الذي یصرون أن الریاضیات لیس حلما من أحلامھم الوردیة، والتربیة المھمة التي تنفرد بھا الأم محاولتھا أن تشرح لأفراد الأسرة جدوى الفاصولیة الیابسة لأشخاص مقتنعین أن سندویشة البرغر من ضمن قائمة الوجبات النباتیة لأنھا تحتوي على الخس والبندورة، والأم ھنا تحاول ترسیخ القیم، لكن ابنھا مقتنع أن «الیوتیوبر» المفضل عنده ومثلھ الأعلى ومصدر المعلومة الأوثق، خصوصًا عندما یقتنع بقول «الیوتیوبر»:
«ما في داعي تدرس، فشویة ھبل تصبح حساباتك البنكیة الجاریة تجاري حسابات بل جیتس».
والطامة الكبرى أن تكون تلك الأم موظفة، فإن التوازن بین العمل والسیرك المنزلي یستنزف كل الطاقات الموجودة في الكون حتى الطاقة التي تفرزھا الذرة عند اندماجھا مع معطیات وإفرازات مھام الأم في البیت التي لا نستطیع تحدیدھا بالضبط، فتجدھا تتحدث مع نفسھا في المطبخ وتغلق كل حوار ولو كان حول إمكانیة مساعدتھا في إعداد الطعام.
أما في یوم العطلة الأسبوعیة.. نحتاج إلى كاسة شاي مع نعنع ونفس طویل، طبعا ھذا الیوم یتحول غالباً إلى ماراثون تنظیف، وزیارات عائلیة ومؤتمرات مطولة حول سؤال: «شو نطبخ؟»، والأب في ھذا الیوم ینتقل إلى نوبة أخرى من أعمالھ تتضمن: تصلیح السخان.. جلب الخبز.. وتفقد عملیات الطبخ المعقدة في مختبر ملكة البیت، وعند طرده من ذات المختبر، یبحث عن أي مشكلة لیمارس دور المصلح الأوحد في الكون، وبعد فشلھا المعتاد یحاول إقناع الأطفال أن النوم مبكرًا لیس تعذیباً بل ضرورة، أما الأم، في ھذه الأثناء فغالباً ما تضُبط وھي تتحدث مع نفسھا في المطبخ، لا لشيء، فقط لأن الحوار مع الآخرین استنزف طاقاتھا الذریة والنوویة والشمسیة وحتى طاقة الریاح.
ومع كل ھذا، تظل الأسرة الأردنیة متماسكة، وصامدة رغم كل شيء، ومدعومة بحس فكاھي أسطوري، وقناعة لأنھا ببساطة لا تملك خیارًا آخر إلا: «إن شاء الله بتفرج، والله المستعان».
(الرأي)