لماذا تتفشى ظاهرة الوكلاء هنا

ماهر أبو طير

هذا أكثر بلد تجد فيه مجموعات من كل الأنواع، من جماعة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وصولا الى جماعة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع التي ظهرت مؤخرا، وبينهما قوس طويل وممتد من كل انواع المجموعات المحسوبة على دول.

لا احد يحتكر على أحد آخر، أن يبدي إعجابه بأي زعيم أو دولة أو شخص، والشعب الأردني فيه تنويعات طبيعية، ذات اتجاهات سياسية مختلفة، نراها كل يوم في حياتنا.

لكن اللافت للانتباه أن هذه الظاهرة تستفحل في الأردن أكثر من بقية الدول العربية، ونراها أيضا في فلسطين، وفي عدد محدود جدا من الدول العربية، لكنها هنا بارزة بشكل كبير، حتى كأن لكل دولة عربية أو زعيم وكلاء ومتشيعين هنا.

أنا لا اتورط في تجريم أحد أو تبرير هذه النسبة إلى جهة ما، وليس هذا عملي، وإذا كان البلد عروبيا وإسلاميا، إلا أنه يتميز بهذه الظاهرة المفرطة التي تقبل النقد أيضا.

منذ عهد عبدالناصر، مرورا بالرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، ونجله في موسكو، وصدام حسين، وياسر عرفات، والرئيس التركي اردوغان، ورموز روسية ايضا وحتى هذه الايام نجد شللا ومجموعات محسوبة على هكذا اتجاهات تتشيع سياسيا لزعماء عرب، وعواصم عربية، وتنظيمات وأحزاب كالبعث في دمشق وبغداد آو جهات في بيروت، ونجد أيضا جماعات وشللا منسوبة لأسماء عربية محسوبة عليها، فهذا من جماعة فلان، وذاك من جماعة علان في فلسطين مثلا.

لا تجد هذه الظاهرة كما اسلفت في دول عربية ثانية، بهذه الطريقة، وجزء من الصراع السياسي الذي نشهده بين النخب في الأردن لا يستنطق الاعتبارات الأردنية في الاصطفاف، بقدر كونه تعبيرا عن تضاد بين اتجاهات خارج الأردن، وربما تعبر هذه الظاهرة عن عدة أمور، يتوجب بحثها، دون أن يعني البحث في دوافعها عزلة عن جوارنا العربي، لكننا تحدث عن الامتداد السياسي والأمني والفكري للظاهرة.

من السلبيات الخطيرة في هذه الظاهرة، انها تولد انفصاما غير طبيعي، فإذا أقدم الأردن على خطوة مصنفة في باب التطبيع مع إسرائيل خرجنا كلنا وقدحنا الأردن قدحا ونقدا، وربما جنح البعض إلى تخوين بلاده لاعتبارات يراها وطنية، لكن حين يفاوض الرئيس السوري الحالي الإسرائيليين أو تضطر تركيا الرسمية في مرحلة ما إلى المرونة أمام معادلات أكبر منها، تجد لدينا تيارات المبررات لهذا السلوك، تارة أن هؤلاء وطنيين لكنهم يضطرون، وتارة ان هذه اللحظة بحاجة إلى تكتيك وليس إلى مواجهة، وهذا يعني أن الموقف يتشكل على أساس الحب والكراهية والاصطفاف المسبق وليس المبدأ، لان المبدأ واحد لا يتجزأ، فالتطبيع مدان إذا فعله الأردن، أو فعله أي طرف آخر، وليس انتقائيا من حيث النقد، ولا يجوز اعابته هنا، وتزيينه هناك باعتباره عملا صالحا، فهذا نفاق سياسي واضح.

الذي أخذني إلى هذه المعالجة انني لاحظت أن كل من ينتقد تاريخ حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني بعد تعيينه يجد من يتصدى له هنا في الأردن، حتى تظن أن له جماعته أيضا، وتأخذك الذاكرة إلى عشرات الأسماء بذات الطريقة، فنحن قوميون إلى درجة أن كل نظام عربي، وكل مسؤول، قادر على بناء مجموعة له هنا.

كاتب هذه السطور لا يحجر على الناس وجهات نظرهم، لان كل إنسان حر، لكنني أناقش الظاهرة التي ورثناها من العهد الناصري تحديدا، والتي أسست لفكرة أخطر أي الاستخفاف بالأردن، دولة وشعبا وسياسة، وصنعت مراكز استقطاب خارجية، ثبت مع مرور الأيام انها كلها سقطت بسبب كلف الشعارات غير المنطقية التي تبنتها، وكأن الزمن يقول لكل هذه المجموعات عندنا أن رهانها كان خائبا.

نقد الظاهرة لا يعني تخوين أحد، ولا تلوين أحد، لأن دوافع كل المنتسبين لدول وجهات ورموز وانظمة، قد يكون وطنيا بالنسبة لهم، لكنه في حقيقة الحال يعبر أيضا عن نقاط ضعف في بنيتنا، وعدم اكتفاء بالمخزون الذي كونه الأردن، وقد يعبر في حالات ثانية عن خلل نفسي لدى البعض من خلال البحث عن أم حاضنة وحنونة.

مصالح العرب والمسلمين جزء من عقيدتنا الدينية والوطنية، لكن إدارة الموقف يجب أن تتجنب الانقسام الداخلي هنا، ونوم هذا أو ذاك، في حضن هذا أو ذاك أيضا.

الغد





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق