القوة الناعمة.. مطلب أساسي

محمود خطاطبة

في خضم التطور الكبير الذي تشهده الكثير من بلدان العالم، وفي المجالات كافة، خصوصا أمنيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، فإننا في الأردن بحاجة إلى سلاح من نوع آخر، يكون قادرا على إيصال رؤيتنا ورسالتنا وأهدافنا إلى دول الإقليم والعالم.. سلاح غير السلاح العسكري المعروف، أكان تقليديا أم إستراتيجيا، سلاح ظهر في بداية تسعينيات القرن الماضي، وأُطلق عليه «القوة الناعمة».

ولا بد من الاعتراف، بأننا لسنا متقدمين في استغلال أو اتقان ما يُعرف بمنظومة «القوة الناعمة»، في الوقت الذي يتوجب علينا فيه الإيمان بشكل مُطلق، بأن هذه المنظومة باتت تُعتبر سلاحًا ذا أهمية استراتيجية، تأتي أوكلها في كُل وقت وحين، وتُحقق المطلوب، داخل الوطن وخارجه، وفي أحيان كثيرة تُعتبر هذه «القوة» أفضل وبكثير من الأسلحة الفتاكة أو ما يُطلق عليها غير التقليدية.

الأردن أكثر ما يحتاج إليه هذه الأيام، هو توظيف القوى السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والاجتماعية، التي يمتلكها بما يخدم أهدافه ورؤيته، وتوجيهها نحو المُجتمع الدولي بالذات، وذلك من خلال التأثير في الدول والأفراد والمؤسسات والمنظمات ومراكز البحث والدراسات، وبالتالي خلق استراتيجيات، من خلالها يُقدم المعنيون الرؤية الأردنية بإحكام.

ومن خلال هذه الإستراتيجيات، يستطيع الأردن تقديم نفسه بطريقة مُنظمة، إلى الرأي العام الغربي أو الدولي وكذلك الإقليمي، بعيدًا عن أي «فزعات»، التي تنتشر وقت وقوع الأزمات، ومن ثم شرح ما يقوم به من إنجازات وأهداف، وما يبذله من جهود، وما يُقدمه من مواقف تجاه مُختلف القضايات العالمية، والعربية والتي يقف على رأسها القضية الفلسطينية.

إذ لا يُعقل بُعيد مائة وأربعة أعوام على تأسيس الدولة الأردنية، أن نكون غير قادرين على تقديم رواية أردنية، مُحكمة الأطراف، تتضمن رؤيتنا وأهدافنا واستراتيجياتنا.. ليس صحيًا أبدًا أن نكون غير قادرين على شرح ما ذكرته آنفًا للرأي العام العالمي، بشكل مُقنع، خصوصًا أننا نمتلك صدقية ووضوح وشفافية في شأن ذلك.

ليس من المعقول بعد كُل هذه الأعوام، أن نكون غير قادرين على جذب الانتباه، على الأقل، لما نقوم به وما نُقدمه، خاصة في وقت من الأوقات كُنا نمتلك أدوات رائعة وهائلة، في مجالات الإعلام والثقافة والفن والدراما، وكذلك مؤسسات ثقافية.. كانت هذه جميعها قادرة على إيصال ما يصبوا إليه الأردن.

الأردن، وبعد تلك الأعوام، وكُل ما قام به من جهود مُضنية وأفعال تجاه قضايا الأمة العربية، عجز عنها الكثير، تراه خارجيا مهضوما حقه، والقليل فقط هم من يعرفون جهوده أو أفعاله، إلى درجة يجد نفسه في موقف، كأن ذراعه الخارجي شبه مبتور، إلا ما رحم ربي مما يقوم به جلالة الملك، في شرح تلك الجهود أو الأفعال إلى دول الإقليم والعالم الغربي.

مع أنه الأولى، أن يكون الإعلام بأدواته المُختلفة، هو من يقوم بإيصال رسائل الأردن إلى الخارج، وكذلك جهوده إلى الرأي العام الغربي.. فتسويق قرارات وإجراءات ومواقف وأفعال وجهود الأردن إلى دول العالم ليس بعملية مستحيلة أو حتى صعبة.

تأخرنا كثيرا في جعل منظومة «القوة الناعمة» منهاج عمل، لكن من الصواب أن نبدأ في مواكبة ما وصلت إليه هذه المنظومة من تطور، خاصة أنها تُشكل ركنًا رئيسًا لشرح مواقف الأردن خارجيًا، وإيصال رسائله، وتسليط الضوء على ما يقوم به من جهود.. فـ»القوة الناعمة»، والتي من أحد أذرعها الرئيسة هو الإعلام والفن والثقافة وكذلك مراكز البحث والدرسات، تتطلب جهودًا مُضنية، مشروطة بأُناس مُخلصين للوطن، لا يُريدون مُقابلا لذلك.

 

الغد






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق