الاختلاف الوحيد بين البرلمان الحالي والبرلمانات السابقة، هو حضور الأحزاب بشكل قانوني تحت القبة من خلال القائمة العامة، إضافة لمن فازوا على المقاعد المحلية.
هذا التطور النوعي من الناحية القانونية، يشكل القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها مشروع التحديث السياسي. وهذه ليست سوى البداية لعملية متدرجة من المفترض أن تفضي لبرلمان بأغلبية حزبية بعد مجلسين قادمين.
لا يتوفر بين أيدينا قياس موضوعي لمدى تأثير الأحزاب في البرلمان، ولا لرأي الشارع الأردني حيال هذا الحضور. ولا نعلم بالضبط إذا ما كان حضور الأحزاب ملحوظا من أساسه تحت القبة.
لم تكن هناك توقعات كبيرة حيال هذا الحضور في أول تجربة للأحزاب الجديدة تحت القبة، فيما كان حضور أحزاب قديمة كحزب جبهة العمل الإسلامي بحجم التوقعات والتجارب السابقة لكتلهم البرلمانية بوصفها كتلة معارضة.
التحدي يتجسد في قدرة الأحزاب على الانتقال من مرحلة الوجود في البرلمان إلى المشاركة الفاعلة والتأثير في الأداء، بحيث يلمس الناخب الفرق في المخرجات التشريعية والرقابية، والأهم مأسسة العمل النيابي ككتل وأحزاب، عوضا عن الأداء الفردي الذي طبع عمل النواب لسنوات طويلة. ويتطلب هذا الأمر حسب برلمانيين، إجراء تعديلات جوهرية على النظام الداخلي للمجلس، وهو ما تم التوافق عليه وتكليف لجنة خاصة للقيام بالمهمة.
في الدورة المنتهية لم نشهد تحولا ملموسا على هذا الصعيد، فالأحزاب كانت تحظر شكليا في محطات محدودة، ثم تغيب تماما عن العمل التشريعي ونشاط اللجان. كما أن البرامج الحزبية لم تظهر عند مناقشة القوانين المهمة، لا بل إننا لم نلحظ فرقا بين مواقف ومداخلات النواب الحزبين رغم اختلاف هويّاتهم الحزبية.
واللافت أيضا أن أيا من الأحزاب تحت القبة لم يكلف خاطره بإصدار بيان لناخبيه يبلغهم فيه موقفه التصويتي على القوانين المهمة والأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف من القانون المعني.
عمليا ماكينة الأحزاب الممثلة بالبرلمان لم تشتغل بالقدر المطلوب لمواكبة دور نوابهم في المجلس ولا المواقف التي اتخذوها حيال القضايا المهمة التي جرى مناقشتها تحت القبة.
باختصار يمكن القول إن النواب الحزبيين حضروا تحت القبة، لكن الأحزاب غابت، بما تعنيه من برامج ومواقف تعكس لون الحزب وهويته.
إن ذلك هو المفتاح للتعددية الحزبية والبرلمانية، وبدونها لن يكون هناك ما يحفز الناخبين على التوجه لصناديق الاقتراع لانتخاب ممثلي الأحزاب ما دامت تتصرف كما لو أنها حزب واحد ولون واحد. وإذا كانت الانتخابات الماضية قد سجلت 250 ألف ورقة بيضاء في صناديق القائمة العامة، فإن الانتخابات المقبلة على هذا المنوال ستسجل ضعف هذا الرقم.
عطلة الصيف طويلة، وهي فرصة لكوادر الأحزاب وقياداتها لعقد جلسات تقييم لأداء ممثليهم تحت قبة البرلمان، لاستخلاص الدروس والتعلم من التجارب، لتطوير أدائهم في الدورة العادية الثانية.