جوع غزة… سلاح حرب أم فشل إنساني؟
الصحة العالمية: قطاع غزة يشهد إحدى أسوء أزمات الجوع في العالم

نقص التغذية في الأردن يتراوح بين 17-19 بالمئة
هلا أخبار – محمد فريج – بين ركام المنازل والأسواق والطرق المقصوفة بآلة الإبادة الإسرائيلية، وصفوف الأطفال الباحثين عن رغيف خبز، تتجلى مأساة غزة بحقيقتها الأشد فظاعة.. “الجوع”.
لا يتحدث الأمر هناك عن نقص في الطعام فحسب، بل عن سياسة ممنهجة تهدد الحياة اليومية لأكثر من مليوني إنسان.
شهادات من قلب المأساة
الشهادات الحية والمسجلة من قلب الحدث، التي تستمر وسائل الإعلام وناشطوا التواصل الإجتماعي ببثها في محاولة لنقل “وجع الجوع”، لم تفض لفتح المعابر ودخول المساعدات الكافية، فهذه إحدى الأمهات تطهو الماء لأطفالها كي يناموا، لم تذق الزيت أو الخبز منذ أسبوع، وذلك رجل خمسيني يقول: “نحن لا نموت بالقصف فقط، نموت بالتدريج، جوعا، بصمت”.
ومن المشاهد أن نرى أطفالا يحملون عبوات كبيرة يركضون خلف شاحنة مياه، بحثا عن قطرة حياة نقية، ويتوفى الطفل يحيى ياسين جوعا كغيره ممن لم تصل إليهم عدسات الصحافة وطرود الإغاثة.
الجوع كأداة ضغط سياسي
الدكتور فاضل الزعبي، خبير التنمية والممثل الإقليمي السابق لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أكد في حديثه لبرنامج “هنا الأردن” عبر إذاعة جيش إف إم، أن الوضع الغذائي في غزة تجاوز مرحلة “الأزمة” إلى حالة “الكارثة”، مضيفًا: “هناك استخدام للجوع كسلاح حرب، وهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”.
ويضيف الزعبي: “عندما تمنع المساعدات الغذائية أو تُقيّد حركة الإمدادات الأساسية، فإننا لا نتحدث فقط عن فشل إنساني، بل عن جريمة تُرتكب بحق شعب بأكمله”.
وفق آخر التقديرات الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الفاو، فإن نحو 1.1 مليون شخص في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أكثر من نصفهم في حالة “كارثية” وفق تصنيف الأمن الغذائي الدولي (IPC)
وتشير التقارير إلى أن الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد ومزمن في وقت واحد، بينما لم تدخل أي شحنات غذاء كافية منذ أشهر إلى شمال القطاع، حيث يعيش السكان على ما تبقى من الأعشاب والدقيق الفاسد.
المعابر والسياسة… من يتحكم برغيف الخبز؟
“الجوانب السياسية للأزمة لا يمكن تجاهلها”، الدكتور الزعبي هكذا يرى الأمر ويشدد على أن ما يحدث هناك كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 98 بالمئة من السكان.
وتشير منظمات حقوقية دولية وقوى دولية، إلى أن إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية هو أحد الأسباب الجوهرية في تصاعد أزمة الجوع.
ويؤكد الزعبي أن “التجويع الجماعي في غزة لا يحدث في فراغ، بل هو نتيجة قرارات سياسية تؤثر مباشرة في حياة المدنيين، وتُظهر فشل المنظومة الدولية في حماية حقوق الإنسان الأساسية”.
مديرة منظمة الصحة العالمية الإقليمية لشرق المتوسط، حنان بلخي، قالت إنّ قطاع غزة يشهد إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم، بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة والحصار الخانق المفروض على القطاع.
وفي تصريحات صحافية من جنيف، يوم الاثنين، وصفت بلخي الوضع في غزة بأنه كارثي، مؤكدة وقوع أكثر من 1500 اعتداء على القطاع الصحي في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأضافت أن واحدا من كل خمسة أشخاص في غزة يواجه خطر الجوع الحاد، داعية إلى تطبيق القانون الإنساني الدولي، ورفع الحصار، ووقف إطلاق النار، وإحلال السلام العاجل.
أوضحت بلخي أنه رغم السماح لـ 400 شاحنة مساعدات بدخول معبر كرم أبو سالم، لم تدخل غزة سوى 115 شاحنة فقط، ولم تصل أي منها إلى شمال القطاع المحاصر.

منظمة الصحة العالمية لم تتمكن من إدخال أي شاحنة مساعدات طبية منذ أكثر من 11 أسبوعاً، في ظل نفاد 64 بالمئة من المعدات الطبية، و43 بالمئة من الأدوية الأساسية، و42 بالمئة من اللقاحات
برنامج الأغذية العالمي، قال أيضا إن دخول مساعدات محدودة أخيرا، لا يكفي لإبقاء فلسطينيي القطاع على قيد الحياة.
وفي يوم الجوع العالمي – المبادرة العالمية التي تُنظَّم سنويًا منذ عام 2011 للفت الانتباه إلى أزمة الجوع وانعدام الأمن الغذائي المستمرة حول العالم – تبرز الحاجة الملحة ليس فقط لإنهاء “الحصار الغذائي، وحرب التجويع” في غزة، بل لوضع حلول مستدامة للقضاء على الجوع والفقر بشكل دائم عالميا.
يشار إلى أن أكثر من 800 مليون شخص حول العالم لا يملكون ما يكفي من الطعام، في حين يعاني أكثر من 735 مليون شخص من الجوع وسوء التغذية وفقًا لمؤشر الجوع العالمي لعام 2024.
الدكتور فاضل الزعبي، أوضح أن مفهوم “الجوع” لا يُقاس بمؤشر واحد فقط، بل بعدة مؤشرات أهمها “انعدام الأمن الغذائي”، والذي يصدر سنويا، ويُعد أكثر دقة لقياس الواقع المتغير.
وأضاف أن تصنيفات الجوع تبدأ من انعدام الأمن الغذائي المعتدل وصولًا إلى المجاعة، بناءً على قدرة الأفراد على الحصول على الغذاء الكافي… يُعرّف الجوع علميا عندما لا يحصل الشخص على الحد الأدنى من السعرات الحرارية اليومية (2500 للرجال، 2000 للنساء)، ما يؤدي إلى ضعف الجسم وتدهور الصحة.
مؤشر الجوع العالمي يعتمد على أربعة عناصر، هي نسبة السكان الذين يعانون من نقص التغذية، نسبة تقزم الأطفال دون سن الخامسة، نسبة هزال الأطفال (انخفاض الوزن مقارنة بالطول)، ومعدل وفيات الأطفال دون الخامسة
وفيما يتعلق بترتيب الأردن عالميا، أشار الزعبي إلى أن المملكة جاءت في المرتبة 59 عالميا بتصنيف “معتدل”، مشيرا إلى أن نقص التغذية في الأردن يتراوح بين 17-19 بالمئة، وهو لا يرتبط فقط بانعدام الأمن الغذائي بل أيضا بالعادات الغذائية السيئة أو الأمراض.
هل يتعامل العالم بجدية مع أزمة الجوع؟
وحول تعاطي العالم مع الأزمات الغذائية، قال الزعبي إن هناك تفاوتا في الجدية، مشيرا إلى أن الأرقام لا تعكس تحسنا. فقد ارتفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة فما فوق) من 112 مليون عام 2018 إلى 295 مليون عام 2024، ما يعني تضاعفا في المعاناة.
وأشار إلى أن الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الجوع تتوزع ما بين لنزاعات المسلحة التي خلّفت 140 مليون متضرر، وتغير المناخ الذي أدى لإلحاق الضرر بـ 96 مليون متضرر، أما الصدمات الاقتصادية فقد خلقت 59 مليون متضرر”.
مبينا أن “استمرار الحروب والنزاعات، والتقصير في مواجهة التغير المناخي، وغياب التوزيع العادل للموارد، كلها عوامل تُضعف الجهود العالمية لمكافحة الجوع”.