تحديث القطاع العام والتنمية الاقتصادية
د. محمد أبو حمور

يعد تلازم مسارات التحديث وخاصة الإدارية منها والاقتصادية شرطاً لازماً للنجاح في كلا الاتجاهين، فتحديث القطاع العام يعتبر مدخلاً لنجاح الإصلاحات الاقتصادية، ويؤدي دوراً محورياً في تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، وهو ركيزة أساسية لتحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات البيروقراطية وضمان تنفيذ الإجراءات وإنجاز المعاملات بنزاهة وحيادية دون تمييز وفقاً للتشريعات النافذة، والنتيجة المتوقعة لذلك تتمثل في تحفيز الاستثمار وتعزيز شراكة القطاعين العام والخاص وتحسين جودة الخدمات، الأمر الذي يشكل مساهمة يُعتد بها للسير قدماً في تحقيق التنمية المستدامة والمستجيبة لآمال وطموحات المواطنين.
تم حتى الآن بذل جهود مشهودة لغايات تحديث القطاع العام والنهوض بمستوى أدائه عبر مراجعة التشريعات والتعامل مع العديد من المصاعب التي يعاني منها بهدف توفير المناخ التنظيمي والإداري والقانوني والمالي الملائم.
ومن المهم أن نعمل على تشكيل قاعدة معلوماتية تستند إلى وقائع وأرقام محددة نتابع من خلالها ما يتم إحرازه من تقدم في مختلف ميادين التحديث، وتكون عوناً على دقة الأهداف المتوخاة وعلى اتخاذ قرارات سليمة في توقيت مناسب مع متابعة مدى الالتزام بتنفيذها وتحقيق غاياتها.
وفي هذا الإطار يمكن القول إن ما تكشف مؤخراً من مؤشرات إيجابية مثل ارتفاع نسبة النمو خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 2.7% وارتفاع الصادرات بأكثر من 10%، والنجاح في استكمال المراجعة الثالثة مع صندوق النقد الدولي والتوصل لتفاهمات جديدة، يُضاف لذلك الإنجازات المشهودة التي تحققها السياسات النقدية، كل ذلك يؤكد أن مسار تحديث القطاع العام يسير بالاتجاه الصحيح، خاصة في ضوء ما أُنجز من توفير الخدمات الرقمية في مختلف المجالات.
إلا أن الحاجة لا زالت قائمة لاستثمار كافة الإمكانات المتاحة البشرية منها والتكنولوجية والمالية لتحقيق أهداف التحديث على أحسن وجه، بما في ذلك رفع الكفاءة المهنية والإدارية وتنمية الشعور بالمسؤولية، وبما يساهم في تقليص الفجوات ومعالجة الثغرات مع مواكبة مختلف التطورات التي يشهدها عالم اليوم.
مسيرة تحديث القطاع العام قاعدة أساسية لنجاح التحديث الاقتصادي، وضمان كفاءة القطاع العام هو السبيل لتعزيز المؤسسية التي تتيح تحسين العمل وتقليص كلفته وتقديم خدمات أفضل بجودة مرتفعة.
وهي خطوة مهمة لتحقيق هدف أرقى يتمثل في تقليص حجم القطاع العام مع الحفاظ على قدرته على القيام بالأدوار المطلوبة منه، وتحويل السياسات إلى إجراءات يلمس المواطن أثرها الإيجابي ودورها في تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية، مع الالتزام بمعايير الحوكمة الفعالة والشفافية والنزاهة والمساءلة، والتي بمجموعها تعزز الثقة وتفسح المجال لمشاركة المواطنين وتمكينهم من القيام بدور فعال في دعم جهود الإصلاح والتحديث.
(الرأي)